الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قصة اختفاء رباعيات عمر الخيام الأصلية من قاع المحيط لتفجير الألمان.. صور

صورة رقمية من غلاف
صورة رقمية من غلاف رباعيات عمر الخيام الأصلية

قصة مثيرة خاضها واحد من أكثر الكتب شهرة والأغلى ثمنا في العالم، وهي النسخة الأصلية من رباعيات “عمر الخيام” التي كنت مرصعة بالمجوهرات والألماس ومكتوبة بالذهب، إذ تم نقله مرتين وفي كل مرة كان نذير شؤم لمكان نقله، ففي المرة الأولى غرقت به سفينة تايتانك، وبعد ترميمه في المرة الثانية تم حرقه خلال تفجير ألماني في لندن.

البداية ترجع إلى إرسال كتاب “رباعيات عمر الخيام” ذو الزخرفة الفاخرة من لندن إلى نيويورك في أبريل 1912، ووفقا لهيئة الإذاعة البريطانية، تم نقل النسخة المرصعة بالجواهر من رباعيات عمر الخيام على متن سفينة “تايتانك” التي غرقت في قاع المحيط الأطلسي ، قبل 110 سنة.

تم العثور عليه في قاع المحيط، وقرر باحثون نقله لإعادة ترميمه، وتم الاتفاق على تجديده بتكلفة كبيرة في أواخر الثلاثينات، ولكن سرعان ما واجه مصير شؤم جديد، إذ احترق بواسطة القاذفات الألمانية التي دمرت العاصمة البريطانية خلال الغارة.

كتاب بالذهب والياقوت

في عام 1911 ، أنهى "فرانسيس سانجورسكي" العمل على تجليد الكتاب بعد فترة عمل في ورشة هولبورن لمدة عامين، وكان الكتاب مذهلا، إذ وصل طوله 40 سم وعرضه 35 سم، وتم ترصيع الكتاب بـ 1050 جوهرة بما في ذلك الياقوت المقطوع خصيصًا والتوباز والزمرد، مع استخدام حوالي 9 متر من أوراق الذهب وحوالي 5000 قطعة من الجلد.

ولكن واجه سانجورسكي مشكلة حين احتاج إلى رسم جمجمة في الكتاب، فلجأ إلى اقتراض جمجمة بشرية حتى يتمكن من رسمها بدقة، بالإضافة إلى أنه قام برشوة حارس في حديقة حيوان لندن لإطعام فأر حي لأفعى حتى يتمكن من التقاط الصورة المروعة من التجربة المباشرة.

اعتبرت صحيفة ديلي ميرور أن العمل النهائي هو أكثر كتاب نموذجي تم تجليده على الإطلاق. وصفه آخرون بأنه كتاب رائع، إذ حظى سانجورسكي وشريكه في العمل “جورج ستكليف” بتقدير كبير عن الأغلفة المرصعة بالمجوهرات.

كتاب لن يتكرر

مهارة التنفيذ اللذان اتباعها في تجليد وتنفيذ الكتاب صعب تكرارها، حيث كانت تلك الصناعة حينها تجارة رائجة للغاية، وكان الفنانون موهوبين بشكل لا يُصدق، وبرز عمل جورج وسانجورسكي منذ تعاونهما الأول في عام 1897، حيث تم تعليمهما من قبل أفضل مدرب وحرفي.

رباعيات “عمر الخيام” ليس الكتاب الأول الذي برع الثنائي في تقديمه، إذ قاما بتجليد كتب أخرى شهيرة مثل كتاب للملك إدوارد السابع، حتى أنشأ فرانسيس سانجورسكي وجورج ساتكليف شركتهما لتجليد الكتب في أكتوبر 1901.

في عام 1907 ، التقى سانجورسكي بجون ستونهاوس، مدير مكتبة سوثران ، التي تأسست عام 1761 وما زالت تعمل حتى اليوم، وأخبره سانجورسكي عن أحلامه في تجليد كتاب تعود أصوله إلى القرن الثاني عشر، كان ذلك بالتزامن مع عمله على ربط بعض النسخ من رباعيات عمر الخيام الشهيرة، وقال تصوره المبدئي لها بأنها ستضم طاووس سيحيطه زخارف مرصعة بالمجوهرات التي يسبق لها مثيل في كتاب.

بعد الكثير من الإقناع ، وافق ستونهاوس على تحمل التكلفة، وقرر عدم إخبار رئيسه هنري سيسيل ، خوفًا من أن يعارض سيسيل المشروع، وقال لـ سانجورسكي: “نفذ فكرتك، ليس هناك حد للتكلفة، ضع في الكتاب كل ما تريد، كلما زاد السعر سأكون أكثر سعادة، بشرط أن احصل على أعظم تجليد كتاب حديث في العالم”.

أمضى سانجورسكي عدة أشهر في ابتكار تصميم الكتاب ، بما في ذلك الأفعى والجمجمة داخل الأغلفة، إذ يتكون الكتاب من ستة لوحات مختلفة: الغلاف الأمامي والخلفي ، والجزء الداخلي من اللوحين - المعروفين باسم الازدواج - واثنين من الأوراق النهائية مزينة بالطاووس والنباتات والجماجم والأنماط الفارسية التي ترمز إلى الحياة والموت.

وبالنسبة لتنفيذ الألواح، تطلبت تحضير المئات من القطع من جلد الماعز الملون وقصها ، مع وضع العديد من المجوهرات في مكانها داخل المشبك الفردي ، وتم قضاء أسابيع في تطبيق أدوات ذهبية معقدة على جميع الأسطح، إذ حصل ستونهاوس على عينة من التجليد ووصفها بأنها أفضل وأروع عينة من التجليد تم تصميمها أو إنتاجها في أي فترة أو في أي بلد.

رباعيات عمر الخيام

عن الرباعيات فإنها من كتابات الفيلسوف وعالم الرياضيات وعالم الفلك والشاعر الفارسي - الإيراني حاليا، عمر الخيام الذي عاش في الفترة بين عامي 1048 و 1131، ومن إنجازاته إنشاء التقويم الشمسي الأكثر دقة في ذلك الوقت ، ولكن بعد فترة طويلة من وفاته أصبح أكثر شهرة بسبب شعره ، الذي كتب في أربعة فصول معروفة باسم الرباعيات.

تعتبر الرباعيات واحدة من أشهر القصائد على مستوى العالم، وتمت ترجمة نص منسوب إلى عمر الخيام إلى اللغة الإنجليزية في منتصف القرن التاسع عشر بواسطة رجل الأدب ويليام فيتزجيرالد، ورغم فشله في ترجمتها في البداية ولكن ساعده في ترجمتها اثنين من العلماء الأيرلنديين.

لأعلى سعر

بعد الانتهاء من تنفيذ الكتاب، أدرك سيسيل أن هذا الإبداع المذهل سيجني أضعاف تكلفته، وعرضه للبيع مقابل 1000 جنيه إسترليني، أي ما يعادل 120.000 جنيه إسترليني اليوم.

عرض على العديد من الأخشاص حينها شراء الكتاب ومن بينهم، أمين مكتبة الملك إدوارد السابع في قلعة وندسور ، السير جون فورتيكيو. إذ كان من بين الأوائل الذين عُرضت عليهم فرصة شراء رباعيات عمر بالتجليد المميز لكنه رفض ، ووصفه لاحقًا بأنه "عمل فاشل، ربما ، الذي رأيته على الإطلاق"، إذ وجد العمل غير مناسب وغير مهم .

وتصادف وجود تاجر من نيويورك يُدعى جابرييل ويلز - المعروف سابقًا باسم “ويز”  في لندن في صيف عام 1911 وكان أكثر إعجابًا بالكتاب وعرض لشراءه 800 جنيه إسترليني للكتاب، ولكن رفض سوثيران، طمعا في 100 جنيه إسترليني، لكن رفض ويلز وسرعان ما عاد إلى الولايات المتحدة.

مع عدم وجود اهتمام في بريطانيا بالكتاب، قرر إرساله وبيعه في أمريكا ، التي كان لديها سوق كتب أكثر ربحًا، وولكن عندما وصل الكتاب، كان هناك خلاف مع مسؤولي الجمارك الأمريكيين ورفض سوثيران الدفع ، وبدلاً من ذلك أمر بعودة رباعيات عمر إلى لندن.

مرت الأشهر ولم يجد مشتري للكتاب، وأخيرا وافق على عرض “جابرييل ويلز” لشراءه مقابل 900 جنيه إسترليني، ولكن استغل جابرييل الموقف وقرر ألا يدفع أكثر من 650 جنيهًا إسترلينيًا.

ثار سيسيل ومنع بيعه، حتى يتم عرضه في مزاد وفي 29 مارس 1912 ، تم عرض الكتاب دون سعر احتياطي في دار المزادات سوثبيز. دفع وكيل جابرييل ويلز في لندن 405 جنيهات إسترلينية مقابل ذلك.

في قاع المحيط

انطلقت سفينة تايتانك في رحلتها الأولى، من ساوثهامبتون ظهرًا في 10 أبريل 1912،حيث كان سيتم نقل كتاب عمر الخيام، ولكن أخطأ المسئول عن شحن الكتاب، وتم نقله على متن السفينة التالية - آر إم إس تيتانيك.

لم يعلم أحد المصير المأساوي الذي ينتظر السفينة، إذ وقعت كارثة تيتانك التي قتل فيها أكثر من 1500 شخص ، والتي تعد واحدة من أشهر الحوادث في القرن العشرين، ومن غير المعروف المصير الذي شهده الكتاب على متن السفينة.

ووفقًا لما ذكره دون لينش ، المؤرخ الرسمي لجمعية تايتانيك التاريخية، في ليلة الكارثة، أقام ويدنرز مأدبة عشاء في مطعم انتقائي للسفينة تكريماً لقبطان السفينة آر إم إس تيتانيك إدوارد سميث. بينما كانوا يأكلون ، تم إرسال تحذيرات بشأن رؤية الجبال الجليدية التي قد تعرض المعبر للخطر.

كانت والدة ويدنر وخادمتها من بين 713 شخصًا تم إنقاذهم من الماء - على وجه التحديد منذ 110 عامًا ، في 15 أبريل 1912، كان كتاب “عمر الخيام” ليس العنصر الوحيد الغالي على متن السفينة، وشملت قطع أخرى غالية.

كان مصير الكتاب واحدًا من عدة آلاف من قصص تيتانيك التي نُشرت في الصحف في جميع أنحاء العالم، في أثناء ذلك كان قد سافر سانجورسكي إلى البحر لمحاولة إنقاذ غلاف الكتاب الشهير ولكنه لم يستطع السباحة، وترك الكتاب لمساعدة فتاة سمعها تستغيث وهي تغرق، وتوفي عن عمر ناهز 37 عاما ونصف وتم اكتشاف جثته في وقت لاحق.

النسخة الثانية من رباعيات عمر الخيام

بعدما تم العثور على النسخة الأولى من رباعيات عمر الخيام، قرر ستانلي براي إعادة ترميمه، وبعد 8 سنوات تم العثور على رسومات سانجوركي وأدواته في الزخرفة، وتم ترميم الكتاب وحمايته من غارات القصف، مع تغليفه بمواد واقية ووضعه في قبو آمن في شارع فور في لندن.

ولسوء الحظ كان شارع فور أول طريق في المدينة ضربته القاذفات الألمانية، إذ دمرت الغارات الجوية اللاحقة في عامي 1940 و 1941 جميع المباني في المنطقة تقريبًا، وبعدها تم التنقيب للعثور عليه، وتم تحديد مكان الخزنة التي تحتوي على النسخة الأصلية من رباعيات عمر الخيام، كانت سليمة ولكن بعد فتحها تم العثور على كتلة سوداء إذ أدت الحرارة الشديدة للنار إلى إذابة الجلد وتفحم الصفحات.

النسخة الثالثة من رباعيات عمر الخيام

لم يقلل كتابان ضائعان وسنوات من العمل الضائع من حماس ستانلي براي الذي استغرق حوالي 4000 ساعة لإنهاء النسخة الثالثة من رباعيات عمر الخيام مستعينا ببعض الأوراق الأصلية، وبينما احتفلت البلاد بانتهاء الحرب في يوم الحرب العالمية الثانية في عام 1945 ، بدأ العمل في اليوم الثالث.

تم إعادة تدوير العديد من الجواهر التي نجت من نسخته السابقة، وانتهى أخيرا تنفيذ النسخة الثالثة، التي نفذها ليس لكسب المال، ولم يتم بيعه، لكن تم إهداؤه إلى المكتبة البريطانية باعتباره نصب تذكاري لعمل خالد نادرا ما يتم الوصول إليه.