مع بداية شهر أبريل، تصاعدت اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، تزامنا مع تكثيف المقاومة الفلسطينية لعملياتها لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وبدأت المناوشات والاستفزازات من قوات الاحتلال للفلسطينيين، المستمرة اليوم الجمعة، حيث اندلعت اشتباكات جديدة بين قوات الاحتلال الإسرائيلي وعددًا من الفلسطينيين عند ساحات المسجد الأقصى، وأفادت وسائل إعلامية في فلسطينين أن قوات الاحتلال الإسرائيلي، أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي على المصلين في المسجد، ما أسفر عن وقوع إصابات.
وأعلن الهلال الأحمر الفلسطيني اليوم عن إصابة 90 شخصا خلال الاشتباكات التي جرت بين شرطة الاحتلال الإسرائيلي وفلسطينيين في باحات المسجد الأقصى، وقد نقل الـ 90 مصابا إلى المستشفيات، مشيرا إلى وجود عددا من الإصابات التي يتم علاجها ميدانيا.
وكانت القوات الإسرائيلية، قد اقتحمت فجر اليوم الجمعة المسجد الأقصى وأطلقت وابلا من قنابل الصوت والغاز والأعيرة المطاطية بشكل عشوائي باتجاه المصلين، مما أدى إلى اندلاع مواجهات عنيفة بين القوات الاسرائيلية ومئات الشبان الذين انتشروا في جنبات المسجد الأقصى وداخله.
وقال الهلال الأحمر إن القوات الإسرائيلية تعيق عمل سيارات الإسعاف التي تصل لمنطقة باب الأسباط، ودفعت قوات الاحتلال الاسرائيلية تعزيزات إضافية إلى باحات المسجد الأقصى والبلدة القديمة ونصبت حواجز متنقلة في مدينة القدس، وزعمت الشرطة الإسرائيلية في بيان مقتضب أن اقتحام قواتها باحات الأقصى جاء جراء إخلال فلسطينيين بالنظام وقيامهم بأعمال شغب.
اجتماع الحكومة الإسرائيلية
من جانبها أعلنت رئاسة الوزراء الإسرائيلية، اليوم الجمعة، أن نفتالي بينيت، رئيس الحكومة يجري مشاورات أمنية حول الأحداث الجارية في المسجد الأقصى، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، إنه تم إطلاع بينيت على آخر الأحداث في الحرم الشريف، وهو يجري مشاورات في هذه الأثناء لتقييم الأوضاع مع كل من وزير الأمن الداخلي والمفوض العام للشرطة وقائد الحرس الحدود.
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي، قد كثف من مداهماته في الضفة الغربية في أعقاب هجمات نفذها فلسطينيان من الضفة وثلاثة من عرب إسرائيل أسفرت عن مقتل 14 شخصا في إسرائيل منذ أواخر مارس.
المشهد السياسي في إسرائيل بعد الاشتباكات
في هذا الصدد، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية وخبير العلاقات الدولية، إن المواجهات الراهنة في الضفة الغربية تكشف عن جملة من التطورات السياسية والامنية وذلك على النحو التالي:
- تزايد العنف الموجه من قبل المستوطنين في ظل دعم غير مسبوق من أجهزة الأمن وتحت رقابة ومتابعة جهاز الأمن الداخلي شاباك.
- استمرار دعم الكنيست لحركات المستوطنين في الضفة الغربية عبر تمرير سلسلة من قوانين المساندة والدعم وهي القوانين المرتبطة بتسهيل حركة جماعات الاستيطان بصورة واضحة في الفترة الأخيرة والتي عرفت بقوانين سيئة السمعة.
- عدم وجود أي أفق سياسي يدعو الجانب الفلسطيني للتهدئة في ظل مناخ سياسي محرض على المستوى الإعلام الإسرائيلي والداعي لاستثمار المناخ الراهن لحسم ملف الاستيطان والتمركز في مناطق التماس والتي لا تقتصر علي منطقة الشيخ جراح وما يجاورها.
- دخول عرب إسرائيل في معادلة الأمن الاستراتيجي ومشاركة بعضهم في العمليات الأخيرة ما يشير الي تخوف أمني إسرائيلي من أن تكون هناك تغييرا محتملا في المعادلة الأمنية والسياسية التي تتشكل وقد تؤثر على استقرار الداخل بصورة كبيرة في الداخل وتمس وحدة النسيج الاجتماعي التي سعت إسرائيل لبنائها مع تحييد أية مخاطر محتملة خاصة وقد دخل بعض ممثلي عرب إسرائيل في الكنيست وباتوا نوابا في الكنيست الإسرائيلي رسميا وأصبحوا رمانة الميزان وضابط استقرار الحكومة الراهنة من خلال تمثيلهم ضمن الائتلاف الحكومي المشكل من ثمانية أحزاب كاملة.
- إعادة طرح قادة أجهزة المعلومات خاصة " شاباك " المخاوف من وجود عناصر من تنظيم دولة الخلافة داعش الأمر الذي قد يؤدي الي مزيد من حالة عدم الاستقرار ويؤكد على فشل الأمنية واخفاقها في قراءة المشهد الراهن جيدا وأن هذه العناصر باتت تتخذ من الضفة الغربية بيئة حاضنة وآمنة في التحرك ولها امتدادات كبيرة مع عناصر السلفية الجهادية في قطاع غزة وهو ما سيكون له آثار مكلفة علي أمن إسرائيل و سيتطلب تغيير آليات التحرك والتعامل الأمني الراهن.
- تركيز المعارضة الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق وتكتل ليكود على تصدير أزمة للحكومة الراهنة لعدم تنفيذ استحقاق الائتلاف الذي سيبدأ خلال الشهور المقبلة بتولي نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية يائير لابيد وإعادة تشكيل حكومة من ائتلاف اليمين مجددا وهو ما دفع المعارضة لاستئناف الاتصالات مع وزير الدفاع بيني جانتس بخصوص تنفيذ هذا الأمر.
- استمرار حالة الرفض لدى بعض قادة أجهزة المعلومات ومنها الاستخبارات العسكرية " أمان " والشرطة المدنية والعسكرية في منح الجيش بعض المهام الخاصة بعمل الشرطة وملاحقة بعض القطاعات المدنية والتفتيش علي السجون ومقرات الاحتجاز الأمني وهو ما فسر على أنه يسحب من اختصاصات الشرطة لصالح الجيش خاصة وأن الأمر تم بتشريع من داخل الكنيست مؤخرا واستهدف التركيز على استعادة الأمن والاستقرار في الضفة الغربية في المقام الأول.
- استمرار تحذير جهاز الأمن الداخلي "شاباك" من أن الحل الأمني مستبعدا في التعامل مع التطورات الراهنة في الضفة الغربية وأن المزيد من استخدام العنف المقبول – وفقا لتصورات قادة الجهاز – قد يؤدي لتفجير الموقف بأكمله في ظل حالة الاحتقان الراهنة خاصة وأن خيار الاجتياح الشامل لن تستطيع أن تقوم به اسرائيل لتكلفته المالية والعسكرية والامنية العالية وقد يؤدي إلى حالة من السخط الدولي على إسرائيل وسيؤدي إلي ما يلي:
عواقب استخدام إسرائيل هجوم شامل
أكد فهمي، أن ذلك سيؤدي إلى العواقب التالية:
1- تجمد كل المساعي الراهنة لإلحاق إسرائيل بأمن الإقليم وتطوير دورها المخطط له في التقارب مع الدول العربية وبناء منظومة علاقات إقليمية علي أساس المنافع المتبادلة والفوائد المشتركة .
2- توحيد مواقف الدول العربية حتى الملتزمة بمسار السلام مع إسرائيل في إطار دعم الموقف الفلسطيني بل وقد يدعم السلطة الفلسطينية منا سيخسر الجانب الإسرائيلي أرضية كسبها خلال الفترة الأخيرة على المستوى العربي والإقليمي والتي تمثلت في سلسلة انجازات حققها الجانب الإسرائيلي والتي كان آخرها عقد قمة العقبة .
3- إنهاء مخطط الحكومة الإسرائيلية الراهن القائم علي منح السلطة الفلسطينية مزيدا من التسهيلات تخوفا من انهيارها في الوقت الراهن وحدوث حالة من الفوضى والعنف في الضفة الغربية بأكملها وليس في القدس فقط وهو ما تتحسب له إسرائيل وتضع له العديد من السيناريوهات الأمنية والسياسية والإستراتيجية وتطلق عليه اليوم التالي أو الخيار الآمن أو الملاذ الأخير .
4. استمرار حالة الجدل السياسي والأمني حول التعامل مع السلطة الفلسطينية في هذا التوقيت وهو الأمر المرتبط بالنقاط التالية:
- الضغط المباشر من الإدارة الأمريكية على الحكومة الإسرائيلية الراهنة للإسراع بتقديم رؤية سياسية والشروع في إجراء اتصالات سياسية حقيقية بدلا من استمرار الاتصالات بدون تغيير في الموقف الإسرائيلي وهو ما ثبت في استئناف اللقاءات الأمنية والسياسية بين المسئولين في الحكومة الإسرائيلية بما فيهم وزراء الدفاع والاتصالات والتعاون الإقليمي وشئون النقب ونظرائهم علي الجانب الفلسطيني دون تحقيق انجاز فعلي .
- تصميم رئيس الوزراء نفتالي بينيت علي عدم إجراء اتصالات مع السلطة الفلسطينية وشخص الرئيس الفلسطيني وهو الأمر الذي عرقل الجهد الأمريكي الحقيقي في تقريب وجهات النظر بين الطرفين في الفترة الماضية وبرز في زيارة وزير الخارجية بيلنيكن خاصة وأن الإدارة الأمريكية تسعي في الوقت الراهن للعب دور في هذه الاتصالات المنشودة .
- بدء تشكل مناخ سياسي وامني جديد في الشرق الأوسط بعقد قمة العقبة والتي ضمت دول عربية وإسرائيل وهو الأمر الذي سيؤسس لشراكة سياسية حقيقية ان تم استئناف الاتصالات الفلسطينية الإسرائيلية علي أي مستوي .
- وجود كل من مصر والأردن في معادلات التواصل الراهن بين الدول العربية وإسرائيل والسلطة الفلسطينية وهو الأمر الذي قد يعرقل أية مقاربات سياسية راهنة ما لم يوضع الملف الفلسطيني في صدارة ما يجري تخوفا من حالة عدم الاستقرار في الإقليم بأكمله وهو ما قد يعرقل أي تحرك أمريكي في هذا الشأن وفي ظل حالة المواجهات الراهنة في الضفة الغربية .
- استمرار حالة التهدئة والاستقرار مع تثبيت حالة الهدنة في قطاع غزة علي عكس ما جري في العام الماضي عندما استمرت المواجهات 11 يوما كاملا ونجحت مصر في وقف إطلاق النار بين الجانبين ومع استمرار المواجهات الراهنة في الضفة الغربية مجددا من الممكن أن تتجدد المواجهات في القطاع والضفة مجددا مما قد يكلف الحكومة الإسرائيلية الكثير من التبعات ويغير من توجهات الرأي العام الإسرائيلي تجاه رئيس الوزراء نفتالي بينيت وشريكه في الائتلاف .
- استمرار معاناة السلطة الفلسطينية من أزمة مالية خانقة قد تعصف باستقرار الوضع الراهن في الضفة وتزيد حالة الضغوطات الحالية والمتوقعة علي الرئيس محمود عباس الذي ما زال قابضا علي السلطة ولكنه عاجز عن تحريك المشهد الداخلي بإجراءات تخفف من حالة عدم الاستقرار والتحفظات الراهنة علي أداء السلطة وعدم وجود فرص حقيقية للمصالحة في ظل خطاب سياسي وإعلامي مكرر قد يؤدي لتبعات عديدة في المدى المتوسط