الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علي جمعة : الطهارة عبادة.. وتمثل علاقة بين الإنسان والكون

علي جمعة
علي جمعة

قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء، إن - الله سبحانه وتعالى جعل لنا الوفاء بالعقود محوراً و حكما مما يحبه الله سبحانه وتعالى، فقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } الله سبحانه وتعالى لما أمرنا بالوفاء بالعقود، وجعل هذا مما يحبه، أصبح هناك عند المسلمين ما يسمى بنظرية العقد، البيع والشراء، الزواج من العقود، الهبة من العقود، حتى عدوا الطلاق من العقود.

الطهارة عبادة 

وتابع علي جمعة خلال برنامج القرآن العظيم على شاشة صدى البلد:"أمرنا سبحانه وتعالى أن نعمل في اجتماعنا البشرى بنظرية العقد، { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } أمر من الأوامر، لكنه أمر متشعب و متداخل فى كل حياة الإنسان؛ هناك كثير من مناحى الحياة مبنى على العقود، فى المعاملات، و فى ما يسمى بالاحوال الشخصية، حتى إن بعضهم عندما تأمل أنشأ ما يسمى بـ"العقد الاجتماعي"؛ العقد الاجتماعي من الفكر البشري، لكنه فعلا موجود فى واقع الناس، وهو عقد بين الإنسان و بين مجتمعة، فسمى بالعقد الاجتماعي" .

وأضاف: الوفاء بالعقود يفرق كثيرا جدا بين المجتمعات المتقدمة والمجتمعات المتأخرة؛ لو أننا فى المجتمعات المتقدمة، نرى تقديسا للعقد والاتفاق ،والعقد عبارة عن اتفاق إرادتين، والوفاء بالعقد فيه وفاء بالعهد وباتفاق الإنسان، يعنى فيه شيء من الكرامة، ومن الوفاء، ومن الأمن ، وعدم الغدر.

وأكمل: “إباحة زواج الكتابيات الذين لم يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وظلوا على ما اعتقدوه من دينهم ، وأباح الله سبحانه وتعالى الأكل والشرب وزواج الكتابيات،{ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5) } إذًا يجوز للرجل أن يتزوج من الكتابيات بهذه الشروط التي ذكرها الله سبحانه وتعالى، وفى هذا إقرار لها في عبادتها، ومن هذا الحكم، وإن كان حكما فى ظاهره أنه أمر بسيط، إلا أن الإسلام انتشر من قبله، لم ينتشر بالعنف والسيف كما يقولون ، لما دخل الإسلام مصر - طبقا للإحصائيات العلمية - و بعد مائة سنة، كان هناك ٥٪ من المسلمين، والباقي من غير المسلمين، لماذا؟ لأن الإسلام لم يدخل بالإكراه؛ ثم بعد ذلك ٢٥٠ سنه، أصبحت نسبة المسلمين ٢٥٪ من هذا الذى أباحه الله سبحانه وتعالى لنا، يدخل المسلم فيتزوج ويأتي بأبناء فينسبون إلى الإسلام، فمن خلال الأسرة دخل الإسلام وشاع، حتى جاءت سنة ٧٥٠، فإذ بأكثر من ٩٠٪ من المسلمين ، هذا تاريخ رقمي إحصائي يبين أن الإسلام لم يكره أحدا عليه، لأنه لا يريد أن ينشيء منافقين”.

وأكمل: “من طريق الأسرة انتشر الإسلام، ولذلك أصبح زواج الكتابيات والأكل من طعام أهل الكتاب ركن ركين في الاجتماع البشري، لأنه يتعامل مع المواطنة بقلب مفتوح، بأننا جميعا نسكن في مكان واحد، لنا حقوق واحدة، علينا واجبات واحدة تجاه هذا المكان الذي نسكنه، والذى يسمى بالوطن”.

وشدد علي جمعة أنه ينبغي أن نلتفت إلي الطهارة {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } وهنا يقصد الطهارة الحسية، والطهارة المعنوية، ويمثل في نفس الوقت طاعة، فإن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالوضوء، وأمرنا بالاغتسال، وأمرنا ببديل من التيمم من الصعيد الطيب من الأرض، وقد جعل الله الأرض لنا مسجدا و طهورا، فجعلنا نتصل بالكون الذي أخبرنا أن كل شيء فيه يسبح.

وأوضح أن الله جميل يحب الجمال، وأخرج الترمذي (إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ)، وأن الله سبحانه وتعالى يحب المتطهرين، ويأمر بالطهارة "الوضوء ، والاغتسال"، لابد فى كل صلاة أن يكون الإنسان متوضأ ولم ينقض وضوءه شيء .

وشدد على أن الطهارة الحسية والمعنوية والنفسية هى ما يشكل شخصية الإنسان، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ } يعنى إذا أردتم القيام للصلاة {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} ، { وَأَرْجُلَكُمْ } منصوبة، لأنها ليست معطوفة على ( رؤوس ) ولذلك لا نمسحها فقط بل نغسلها لأنها معطوفة على الوجه الذي من حقه الغسل، وعلى اليدين التى من حقهما الغسل؛ نغسل وجهنا، ونغسل أيدينا، ونغسل أرجلنا ، { وَأَرْجُلَكُمْ } ولم يقل (وارجلِكم) بكسر اللام، وإن كانت هناك قراءه متواترة (وارجلِكم) بكسر اللام، و حملوها على المسح على الخفين، أو على الجوربين، فربنا هنا يأمرنا بهذه الأركان الأربعة المنصوص عليها : "غسل الوجه ، وغسل اليدين ، ومسح الرأس ، وغسل القدمين ".

واستدل بقول الإمام الشافعي: لما وضع المسح في وسط الغسل؟ لأنه يريد الترتيب، يريد أن نبدأ بالوجه، ثم بعد ذلك نغسل اليدين إلى المرفقين، ثم بعد ذلك نمسح بالرأس بأي مساحة منها لأن الباء هنا للتبعيض، أي ولو ببعض الرأس، ثم نغسل القدمين ، هذا الترتيب أخذه من ذكر مخالف فى وسط متفقات، أغسل أغسل أمسح أغسل، لما وضع أمسح في وسط الأغسال المتتالية، دل هذا على الترتيب.

وبين أن الطهارة لها مكانة كبيرة ، أولا: هى عبادة . وثانيا: متعلقة بالعلاقة بين الإنسان وبين الكون، لأنه يستعمل الماء الذي أكثر الله الحاجة إليه، وإذا لم يجد فإنه يستعمل الصعيد الطيب من الأرض {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا } يعنى تضمنا أحياءً وأمواتا، وهنا يقر ربنا سبحانه وتعالى الصلة بين الإنسان وبين الكون، حتى فى مجال العبادات " وجُعلتْ لي الأرضً مسجدًا وطهورًا".

وأبان: أمرنا ربنا سبحانه بأن لا نخلف العهد، والنبى صلى الله عليه وآله وسلم كان يؤكد هذا ويقول : « أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا ، وَإِنْ كَانَتْ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ فِيهِ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا .. » وهذا يسميه العلماء بالنفاق السلوكي، أو بالنفاق العملي « إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ » وفى رواية أخرى « وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ ». { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} العهد يجب أن نوفيه، عهد الله سبحانه وتعالى مع سيدنا إبراهيم، ومع سيدنا موسى، ومع سيدنا عيسى، ومع سيدنا محمد صلى الله عليهم أجمعين؛ العهد الذي بيننا وبين الله، العهد الذي بيننا وبين الناس، العهد الذي بيننا وبين أنفسنا، و العهد الذي بيننا وبين الكون.

وشدد على أن الصدق صفة من صفات المؤمن، والوفاء صفة من صفات المؤمن، وعدم التمادي في الخصومة من صفات المؤمن.