بدأت مجموعة من الدول الغربية تنفيذ تهديداتها لروسيا بوقف صادرات النفط والغاز الواردة من موسكو على خلفية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وقرار الرئيس الروسي فلادمير بوتين دفع ثمن الغاز بالروبل.
دول أوروبا تحظر الغاز الروسي
وقررت إستونيا - في هذا الإطار، اليوم الخميس، وقف استيراد الغاز من روسيا، وأعلنت عن تأجير محطة للغاز المسال مع فنلندا.
وكانت ليتوانيا أول دولة في الاتحاد الأوروبي تنهي اعتمادها على الغاز الطبيعي الروسي، وأوضحت أنها ستعتمد على واردات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة والنرويج، كما تدرس خيارات لتوسيع محطة الغاز الطبيعي المسال على بحر البلطيق.
كما أعلنت المجر، الأربعاء، أنها تعمل على حل تقني لسداد ثمن الغاز الروسي بالروبل، بعد أن فرضت موسكو تلقي مقابل واردات النفط والغاز بالعملة المحلية كرد على العقوبات الغربية التي طالتها بعد غزو أوكرانيا.
وأعلن الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء، فرض حظر استيراد على الفحم من روسيا بقيمة 4 مليارات يورو سنويًا، ضمن أحدث جولة من العقوبات ضد موسكو.
وقالت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، إن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي اتفقت على إنهاء واردات الوقود الأحفوري من روسيا تمامًا، بدءًا من الفحم.
تداعيات وقف الغاز على أوروبا
وقال الكاتب والمحلل السياسي، بسام البني، إن الدول الأوروبية بدون الغاز الروسي لا تستطيع أن تصمد، والاقتصاد الأوروبي سوف ينهار كليا، مؤكدا: "روسيا قد تتأثر لأشهر لكنها سوف تجد أسواقا بديلة عن الأسواق الأوروبية".
وأضاف أن روسيا ستتجه نحو الشرق ودول جنوب شرق آسيا والصين على رأس القائمة وهناك دول أخرى مثل الدول الافريقية.
وتابع البني في تصريحات لـ"صدى البلد"، أن الغرب لا يريد قطع الامدادات الروسية ولكن لا يريد أن يدفع بالروبل، وروسيا مصرة على أن يدفع ثمن الغاز بالروبل من الدول الغير صديقة كعقوبة لهم على العقوبات التي وضعوها على روسيا.
وتساءل البني ماذا يعني أن ترسل روسيا الغاز الطبيعي إلى أوروبا وتقوم أوروبا بدفع ثمنه باليورو؟ وماذا تستفيد روسيا من هذا.
ولفت أن روسيا لن تستفيد شيء، بالإضافة إلى أن دفع سعر الغاز بالروبل لن يدعم سعر العملة الروسية، خاصة أنها عاودت الانخفاض اليوم عن سعرها يوم بدء انطلاق العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا.
الغاز الروسي لا يمكن تعويضه
وأكد البني، أن القدرة الإنتاجية للغاز والنفط في كل العالم لن تستطيع سد الفراغ الذي سيتركه الغاز الروسي في الأسواق الأوروبية في حال تعسرت المفاوضات حول الدفع بالروبل، وبالتالي حتى وإن تخلت أوروبا عن الغاز الروسي وعوضت عنه من أماكن بديلة مثل قطر أو الجزائر أو الغاز المسال الأمريكي سيكون هناك نقص حاد بالطاقة بالأماكن والأسواق التي أخذت منها أوروبا حصتها بدلا من روسيا.
وتابع: "بالتالي يستطيع النفط والغاز الروسي أن يدخل لهذه الأسواق لأن البضاعة الشحيحة ستحتاج إليها كل الدول وعلى كل حال ستشتريها".
وأوضح البني أن الميزانية الروسية أو الدخل القومي الروسي 25% أو 28% فقط من إنتاجه يعتمد على الغاز والنفط والفحم، وهناك بضائع روسية أخرى أكثر أهمية مثل السلاح والمعادن والسماد واليورانيوم.
ومن جانبه، قال تيمور دويدار، مستشار قطاع الأعمال والعلاقات الدولية، إن روسيا تصدر 227 مليون طن في السنة، وأوروبا حصتها 50 مليون طن والصين 52 مليون طن والهند 7 مليون، وباقي دول أسيا والمحيط الهادي 70 مليون طن.
وأضاف دويدار في تصريحات لـ"صدى البلد"، أن فور إعلان السيدة أورسولا فون دير لاين عن العقوبات الجديدة تم ارتفاع أسعار الفحم حتى قبل التطبيق بنسبة 5% ووصول سعر الطن لـ348 دولار، وبالتالي هذا أدى لارتفاع أسعار الغاز في الأسواق العالمية أكثر مما هي الأن أسعارها خيالية.
ارتفاع أسعار المحروقات عالميا
وأوضح دويدار، أن الغرض من شطب 4 مليار دولار من الواردات الروسية من وقف الاستيراد في أوروبا، والفحم، هو نوعين الأول هو الفحم الكوكس والذي يستخدم لصناعة الحديد وأوروبا تشتري من روسيا حوالي 20 أو 30% من الإنتاج الروسي.
وتابع: "أما 70% من الفحم الروسي الذي تستهلكه خاص بقطاع الطاقة وإنتاج الكهرباء، والبلدين الأساسين هما ألمانيا وبولندا، لذا فهناك إمكانية لروسيا بأن تستغنى عن السوق الأوروبي وتحويل التجارة لأسيا والمحيط الهادي بتغطية نسبة كبيرة من الاحتياجات الأوروبية هناك عن طريق الموانئ الغربية والشرقية الروسية، وقال إنه هناك عنق زجاجة مثل خطوط سكك الحديد والموانئ ولكن هذا سهل التغلب عليه".
وأشار دويدار إلى أن المشكلة أن ما يحدث من ارتفاع في الأسعار سيؤثر على الدول النامية عموما من حيث ارتفاع الأسعار عالميا، مضيفا أن الأوروبيين يعتقدوا أنهم يستطيعوا الاستغناء عن هذه الكميات الأتية من روسيا واستبدال المورد بكولومبيا وأستراليا وجنوب افريقيا والولايات المتحدة، لكن السياسيين الغربيين يوعدون مستهلكيهم بأشياء خيالية.
عواقب قرار وقف الغاز الروسي
ويعتقد دويدار أن السياسيين الأوروبيين عديمي المسئولية، لأنه بعد فترة سيعيدون الانتخابات هناك ويتركون مناصبهم، ولن يسأل أحد عن الكارثة التي في انتظار أوروبا، خاصة أن كولومبيا وأستراليا وجنوب إفريقيا والولايات المتحدة بها شركات كبرى عالمية تستطيع بالفعل أن تبدل الصادرات الروسية إلى أوروبا، لكن لا أحد من الشركات يستطيع رفع من الطاقة الإنتاجية حاليا والاستثمار في ذلك.
ولفت أن هناك مخاطر كثيرة فمن حيث إدارة المخاطر هذا شيء صعب للغاية فلا نعلم كم سيستغرقوا من الوقت شهور أم سنين ليستطيعوا تلبية أوروبا حتى بنسبة صغيرة، لذا فالمستهلك الأوروبي غير سعيد بقرارات السياسيين في أوروبا.
وأشار إلى أن الفحم والغاز منافسين أساسيين في الطاقة عموما لتوليد الطاقة الكهربائية وارتفاع سعر الفحم تلقائيا يؤثر في ارتفاع سعر الغاز.
واختتم: "الغرب بالفعل نفذوا تهديداتهم رغم احتياجاتهم للفحم والغاز الروسي لكن بمرور فصل الربيع والصيف لا يحتاجون الكثير من تلك الموارد، لكنهم سيعودون بكل قوة شرائية إلى روسيا في الخريف القادم".