الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الرواة| من هو الملقب بذاكرة عصر الوحي وكم حديثا نقله عن النبي؟

من هو الملقب بذاكرة
من هو الملقب بذاكرة عصر الوحي؟

الرواة .. يقدم لكم موقع صدى البلد الاخباري على مدار شهر رمضان المبارك مجموعة من الرواة، لنتعرف عليهم ونتعلم من سيرتهم، وكيف كانوا على قدر المسؤولية والأمانة والثقة في نقل أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا في منأى عن أي جرح أو تعديل.

ولعل أول من الرواة ما يطيب ذكره في هذا اليوم هو صحابي جليل كان في الطبقات الأولى من الرواة،وقد روى عن سيد الخلق وإمام المرسلين سيد محمد صلى الله عليه وسلم ما يقرب من 5473 حديثاً، وعرف بكونه ذاكرة عصر الوحي، فمن هو؟

 


ذاكرة عصر الوحي

من الرواة الذين نقلوا إلينا الحديث من كان ذاكرة أشبه بالذاكرة الخارقة التي وهبها الله تبارك وتعالى قدرة هائلة على الحفظ والتدقيق وليس مجرد حفظ، بل كان حفظاً وأمانة في النقل دون سهو أو نسيان، فكان له أن يعقب على مروياته ليبين ما فهمه للناس وما هو من كلام خير البرية، وليس أجمل من أن يكون حديثنا في أول يومٍ من شهر رمضان المبارك عن الصحابي الجليل عبد الرحمن بن صخر الدوسي الصحابي المحدث والفقيه والحافظ، لقب بـ أبي هريرة، حيث المشهور عنه أنه كُنِّيَ بأولاد هِرَّةٍ بَرِّيَّةٍ؛ قال: "وجدتها، فأخذتها في كُمِّي، فكُنِّيتُ بذلك".

أسلم أبو هريرة سنة 7 هـ، ولزم النبي صلى الله عليه وسلم، وحفظ عنه الحديث، حتى أصبح أكثر الصحابة روايةً وحفظًا للحديث النبوي، ونقل عنه المئات من الصحابة والتابعين وتابعيهم.

وقد حَمَلَ عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عِلمًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه لم يُلْحَقْ في كثرته، كما رَوى عن أُبَيٍّ، وأبي بكر، وعمر، وأسامة، وعائشة -رضي الله عنهم- أجمعين، وحَدَّثَ عنه عدد كبير من الصحابة والتابعين، فروى عنه نحو من 800 رجل أو أكثر من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- والتابعين وغيرهم.

كان اسمه في الجاهلية عبد شمس، ولما أسلم سمّاه الرسول عبدالرحمن، ولقد كان عطوفا على الحيوان، واكنت له هرة، يطعمها، ويحملها، وينظفها، ويؤويها.. وكانت تلازمه كظله.. وهكذا دعي: أبا هريرة رضي الله عنه وأرضاه.

الذاكرين

ذاكرة عصر الوحي

كان أبو هريرة -رضي الله عنه- من فقراء المسلمين، فانضم إلى أهل الصُّفَّة في المسجد النبوي، قال أبو هريرة: "لقد رأيتُنِي أصرع بين القبر والمنبر من الجوع، حتى يقولوا: مجنون".وحَوَّلَ أبو هريرةَ مِحنَةَ الفَقر التي عاناها إلى منحةٍ رفعت قدره وخلَّدَت ذكره؛ حيث استغل فراغه وعدم انشغاله بالتجارة وإدارة الأموال في ملازمة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وحفظ سنَّتِه وتبليغها للمسلمين، فكان حفظُ أبي هريرة الخارق من معجزات النُّبوة، وعنه -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -قال له: «أَلَا تَسْأَلُنِي مِنْ هَذِهِ الغَنَائِمِ الَّتِي يَسْأَلُنِي أَصْحَابُكَ؟»، قلتُ: أسألك أن تعلمني مما عَلَّمَكَ الله، فنزع نمرة كانت على ظهري، فبسطها بيني وبينه، حتى كأني أنظر إلى النمل يدبُّ عليها، فحدثَني، حتى إذا استوعبتُ حديثَه قال: «اجْمَعْهَا، فَصُرَّهَا إِلَيْكَ»؛ فأصبحت لا أُسْقِطُ حرفًا مما حدَّثَنِي.

وقال: "إنكم تقولون إن أبا هريرة يُكثر الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم،- وتقولون ما بال المهاجرين، والأنصار لا يُحدِّثون عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بِمِثْلِ حديث أبي هريرة، وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم صَفْقٌ بالأسواق، وكنتُ ألْزَمُ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- على ملءِ بطني، فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم، وكنت امرأً مسكينًا من مساكين الصُّفَّةِ، أعي حين ينسون، وقد قال: رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في حديثٍ يحدِّثُه: «إِنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ، ثُمَّ يَجْمَعَ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ، إِلَّا وَعَى مَا أَقُولُ»، فبسطت نَمِرَةً عليَّ، حتى إذا قضى مقالته، جمعتُها إلى صدري، فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلك من شيء"، رواه البخاري.


كان من الرواة الذين يبتدئ حديثه بأن يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»، وقد اتُّهم أبي هريرة في أحاديثه لكثرة روايته عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، ولكن الواقع أن المسلمين احتجُّوا قديمًا وحديثًا بحديثه؛ لحفظه، وجلالته، وإتقانه، وفقهه، بل إن ابن عباس -رضي الله عنهما - كان يتأدَّب معه، ويقول: "أَفْتِ يا أبا هريرة".وروى الإمام الترمذي أن رجلًا جاء إلى طلحة بن عبيد الله، فقال: يا أبا محمد، أرأيتَ هذا اليماني -يعني أبا هريرة-؛ أهو أعلم بحديث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- منكم؛ نسمع منه ما لا نسمع منكم، أو يقول على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -ما لم يقل؟ فقال طلحة: "أمَّا أن يكون سمع من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ما لم نسمع عنه، وذاك أنه كان مسكينًا لا شيء له، ضيفًا لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، يده مع يد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وكنا نحن أهل بيوتات وغِنًى، وكنا نأتي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- طرفي النهار، لا أشك إلا أنه سمع من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ما لم نسمع، ولا تجد أحدًا فيه خير يقول على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ما لم يقل".وأصح الأحاديث: ما جاء عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، وما جاء عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.وما جاء عن ابن عون، وأيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة.

 

ذاكرة عصر الوحي

عن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم أنه قعد في مجلس فيه أبو هريرة، وفيه مشيخة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بضعة عشر رجلا، فجعل أبو هريرة يحدِّثهم عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -بالحديث، فلا يعرفه بعضهم، ثم يتراجعون فيه، فيعرفه بعضهم، ثم يحدثهم بالحديث، فلا يعرفه بعضهم، ثم يعرفه، حتى فعل ذلك مرارًا؛ قال: فعرفت يومئذ أنه أحفظ الناس عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
ويبلغ مسنده: خمسة آلاف وثلاث مائة وأربعة وسبعون حديثًا، المتفق في البخاري ومسلم منها: ثلاث مائة وستة وعشرون، وانفرد البخاري: بثلاثة وتسعين حديثا، ومُسلم: بثمانية وتسعين حديثا.أبو هريرة وأمه: دعا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لأبي هريرة بالمحبة هو وأمَّه، قال أبو هريرة لبعض جُلسائه يومًا: "والله ما خَلَقَ الله مؤمنًا يسمع بي ولا يراني إلا أحبني"، فقيل له: "وما علمك بذلك يا أبا هريرة؟"، قال: "إن أمي كانت امرأة مشركة، وإني كنتُ أدعوها إلى الإسلام، وكانت تأبى علي، فدعوتُها يوما، فأسمعَتْني في رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ما أكره، فأتيتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وأنا أبكي، فقلت: يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام، وكانت تأبى عليَّ، وإني دعوتها اليوم فأسمعَتْني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة..
فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ»، فخرجتُ أعدو أُبَشِّرُهَا بدعاء رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، فلمَّا أتيتُ البابَ إذا هو مجاف، وسمعتُ خضخضة الماء، وسمعت خشف رجل -يعني وقعها-، فقالت: يا أبا هريرة، كما أنت، ثم فَتَحَتِ البابَ وقد لَبِسَتْ دِرْعَهَا وعَجِلَتْ عن خمارها، فقالت: إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم،- فرجعتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبكي من الفرح كما بكيت من الحزن، فقلت: يا رسول الله، أبشر، فقد استجاب الله دعاءك، وقد هدى أمَّ أبي هريرة..
فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِّبْهُمْ إِلَيْهِمَا»؛ فما خلق الله مؤمنًا يسمع بي ولا يراني، أو يرى أمي، إلا وهو يحبني"، رواه أحمد.

فضل العباد


أحفظ من روى الحديث في دهره

أراد مروان بن الحكم يوما أن يبلو مقدرة أبي هريرة على الحفظ، فدعاه إليه وأجلسه معه، وطلب منه أن يحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حين أجلس كاتبه وراء حجاب، وأمره أن يكتب كل ما يقول أبو هريرة.. وبعد مرور عام، دعاه مروان بن الحكم مرة أخرى، أخذ يستقرئه نفس الأحاديث التي كان كاتبه قد سطرها، فما نسي أبو هريرة كلمة منها!! وكان يقول عن نفسه: '"ما من أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثا عنه مني، إلا ما كان من عبدالله بن عمرو بن العاص، فانه كان يكتب، ولا أكتب"، وقال عنه الإمام الشافعي أيضا: "أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره". 

وقال البخاري رضي الله عنه: ' روي عن أبو هريرة مدرسة كبيرة يكتب لها البقاء والخلود.. وكان أبو هريرة رضي الله عنه من العابدين الأوّابين، يتناوب مع زوجته وابنته قيام الليل كله.. فيقوم هو ثلثه، وتقوم زوجته ثلثه، وتقوم ابنته ثلثله. وهكذا لا تمر من الليل ساعة إلا وفي بيت أبي هريرة عبادة وذكر وصلاة!! وفي سبيل أن يتفرّغ لصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عانى من قسوة الجوع ما لم يعاني مثله أحد.
عاش أبو هريرة عابداً، ومجاهداً، لا يتخلف عن غزوة ولا عن طاعة، وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولاه إمارة البحرين، وحين وليّ أبو هريرة البحرين ادّخر مالا، من مصادره الحلال، وعلم عمر فدعاه إلى المدينة،: "قال لي عمر: يا عدو الله وعدو كتابه، أسرقت مال الله..؟؟ قلت: ما أنا بعدو لله ولا عدو لكتابه،.. لكني عدو من عاداهما.. ولا أنا من يسرق مال الله..! قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف..؟؟ قلت: خيل لي تناسلت، وعطايا تلاحقت.. قال عمر: فادفعها الى بيت مال المسلمين'..!! ودفع أبو هريرة المال إلى عمر ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم اغفر لأمير المؤمنين'.. وبعد حين دعا عمر أبا هريرة، وعرض عليه الولاية من حديد، فأباها واعتذر عنها.. قال له عمر: ولماذا؟ قال أبو هريرة: حتى لا يشتم عرضي، ويؤخذ مالي، ويضرب ظهري.. ثم قال: وأخاف أن أقضي بغير علم وأقول بغير حلم..
 

وفاته

وذات يوم اشتد شوقه إلى لقاء الله، وبينما كان عوّاده يدعون له بالشفاء من مرضه، كان هو يلحّ على الله قائلاً: “اللهم إني أحب لقاءك، فأحب لقائي”، ورحل عن عمر 78 عاما في العام 59 من الهجرة.