الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

يارا زكريا تكتب: رمضان شهر السعادة والاكتفاء بالوهاب

يارا زكريا، كاتبة
يارا زكريا، كاتبة صحفية بموقع صدى البلد

ثلاثون يوماً على الأبواب تأتي لك مرة واحدة في العام محملة بالرحمة والمغفرة والعتق من النار مثلها كـ «سفينة» تنقلك بين أمواج البحار مخلصة إياك من كل ذنوب الأعوام الماضية والمستقبلية لتخلص بنيتك وكل أعمالك وأقوالك لشهر أقل ما يوصف بيننا على الأرض أنه «كريم» لكن حقيقية حدود كرمه ونفحاته لا يمكن أن توصف أو يعادلها شيء، فهو منحة ربانية فريدة تشمل الخيرات والنعم التي تغير من عاداتك ومصيرك للأفضل فتسعد بكل أوقات حياتك.

 

لا تقتصر الحكمة من شهر رمضان المبارك على الامتناع عن تناول الطعام والمشروبات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فقط، لكنه منحة لا تضاهي في فوائدها من تعود على التحلي بالتقوي والإخلاص حيث لا يطَّلع أحد غير الله -سبحانه- على حقيقة صومك، وهو فرصة أيضاً للتحلي بنعم «الصبر والصحة وشكر الله»، وكفى هذا الشهر عظمة أن الجزاء عليه يكون بلا حساب محدد من الله -عز وجل-، ففي حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي».

 

الاكتفاء بالله -تعالى- في أيام شهر رمضان يتطلب منك أن تحرص على كل من يرضيه من أوجه العبادة العملية والقولية، ففيه لا تتردد في الإخلاص من عملك، ورد المظالم لأصحابها، وحاول أن تسامح الجميع قدر استطاعتك، وأكثر من الصلاة بعقلك وقلبك فتكون بكل كيانك مع خالقك -إله العالمين-، ولا تنسي تدبر معاني القرآن الكريم، واذكر الله كثيراً، ولا تتردد في دعاءه بكل خير لنفسك ومن تحب ومن لا تعرف من كائنات الله الحية جميعاً، ولا تغفل إنفاق الصدقات وإفطار صائمين حسب مستطاعك، فلا تترك فرصة إلا واقتربت من الله فيها خاصة أن فضائهم جميعاً ثابتة بالقرآن والسنة وتتضاعف في شهر الرحمات. 

 

وليس معني الاكتفاء أن تعتزل الناس فأنت بالتأكيد ستخالطهم في حياتك وفي أثناء عملك  بداية من طلاب العلم بكل مراحله حتي جميع القائمين على تقديم المنافع للناس في كافة مناحي الحياة وفي معاملاتك اليومية مع البائعين وغيرهم، فينبغي هنا في تعاملاتك أن تظهر تجليات الصوم عليك محولاً إياها لعادة حياتية تستمر معك على مدار حياتك، فهنا الفوز الأكبر، فتصوم طوال العام عن كل قول أو عمل يكتب في كتاب سيئاتك، وإنما تستبدله بكل ما يسابقك إلى كتاب الحسنات.

 

«التفاعل الاجتماعي» في الشوارع والمساجد وعلى موائد الإفطار وأوقات السحور يعد أهم ما يميز المجتمع المصري كاملاً عن غيره من مجتمعات العالم، فتجد مظاهر الفرحة في كل مكان حتى مع تداعيات الأزمات والحروب التي تؤثر على كثير من دول العالم، ولا يمكن إغفال تهنئات تأتي بمذاق مصري خالص من الحب والمودة من مسيحيها إلى مسلميها سواء مباشرة أم عبر وسائل التواصل الحديثة.  

 

ويعتبر الحديث عن شهر رمضان بلا ذكر لـ «ليلة القدر» التي هي خير من ألف شهر لا يمكن أن يكون مكتملاً، فهي ليلة مباركة يكفيها شرفا أن نزل فيها القرآن الكريم، قال- تعالى-: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ»، وليلة تُكتب فيها الأعمار والأرزاق للعام القادم، كما أنها ليلة غفران للذنب القادم لمن قامها محتسباً الأجر عند الله -تعالى- في الليالي الوترية الأخيرة من شهر رمضان، فاغتنمها بكل عمل صالح خاصة قيام الليل و الإكثار من الدعاء وذكر الله بالتسبيح والاستغفار وغيرهما من أعمال الشهر الصالحة.

 

أما عن أبرز النصائح الذهبية والتحذيرية من خطورة عدم استغلال شهر رمضان المبارك بالشكل الأمثل، فكان منها قول إمام الدعاة، الشيخ محمد متولى الشعراوي في حديث تلفزيوني سابق له: «يجب على المسلمين أن يعيشوا هذا الشهر، وأن يحيوا فيه حياة تبين لهم كنوز هذا الدين، الذي ستره عنهم التفافهم إلى زخرف الحياة ومادية الدنيا، إننا نستقبله تفننا في مطعم وفي مترفات وفي مسليات بكل الألوان، وكأننا قد عشنا طيلة عمرنا محرومين من مناهج التسلية ومن مترفات الحياة، فجينا لنعوض في ذلك الشهر، وقد كان من المعقول جداً أن نستغفر عن غفلنا في طيلة العام بيقظتنا في ذلك الشهر».

 

وختاماً اغتنم هذه الأيام المعدودات بالالتفاف الأكبر إلى ربك الذي وهبك «رمضان» فهي أيام شهر رغم قلتها مقارنة بمجموع أيام العام الـ 365 يوماً تعد فرصة خيالية في ثواب الواقع، بل فرصة العمر التي قد لا تتكرر لتعويض أي نقص في عبادتك وعلاقتك بربك التي هي محور الحياة والبصيرة لكل الخير فيها، فمن منا لا يقصر  في حق ربه و نفسه و غيره على مدار العام، ألست تستحق استغلال منحة الله له في أيام مباركات لإصلاح نفسك داخلياً من باب الضرورة القصوي وإكرام لضيف العام.