كيف نستقبل شهر رمضان؟
علي جمعة: لابد من الاهتمام بالليل والعبادة فيها لفضلها ومكانتها
شوقي علام: على المسلم أن يتوب لله عز وجل توبة نصوحا
سالم عبد الجليل: يكثر من الإحسان والبر والصدقة
يستعد المسلمون لاستقبال شهر رمضان المعظم لعام 1443هـ-2022م، والذي لم يتبقى عليه سوى أسبوع واحد، ليتسابقوا ويتنافسوا في الاستعداد لشهر الطاعات والمغفرة والنفحات، ويبحثون عن إجابة لسؤال كيف نستعد لاستقبال شهر رمضان، حيث إن شهر رمضان شهر عظيم ومبارك وفيه نفحات ورحمات ليست موجودة في شهر غيره.
شهر رمضان هو شهر نزول القرآن الكريم،ومن أعظم فضائل شهر رمضان المبارك أن الله -تعالى- اصطفاه من بين شهور العام وأنزل فيه القرآن الكريم، مصداقًا لقوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ)، بل إن جميع الكتب السماوية نزلت في شهر رمضان، مصداقًا لِما رواه واثلة بن الأسقع -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أُنزلتْ صحفُ إبراهيمَ أولَ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ، وأُنزلتِ التوراةُ لستٍّ مضتْ من رمضانَ، وأُنزل الإنجيلُ بثلاثِ عشرةَ مضتْ من رمضانَ).
وهو أيضا شهر العتق من النار التي هي أسمى أمنيات المسلم، لا سيما أن العتق يعني اجتناب عذاب النار، ودخول الجنة، ومن فضل الله -تعالى- ورحمته بعباده أنه يصطفي منهم في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار، مصداقًا لِما رواه أبو أمامة الباهلي -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (إنَّ للَّهِ عندَ كلِّ فِطرٍ عتقاءَ وذلِك في كلِّ ليلةٍ).
جعل فيه المولى عز وجل ليلة عظيمة، تُغفر فيها الذنوب والآثام، وتتضاعف فيها الأجور، مصداقًا لقول الله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، بالإضافة إلى ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَن قامَ ليلةَ القَدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذَنبِهِ).
واختص الصائمين فيه بباب في الجنة يُسمى باب الريان، وحتى يحصل الأجر العظيم ينبغي للصائم اجتناب أعمال السوء كلها، والبعد عن الرفث والفسوق، مصداقًا لِما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ فلا يَرْفُثْ ولَا يَجْهلْ، وإنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ).
كيف نستقبل شهر رمضان ؟
وحول كيفية الاستعداد واستقبال شهر رمضان المبارك يؤكد كبار العلماء على أن هناك أمورًا متعددة يمكن الاستعانة بها للتدريب على صيام شهر رمضان 2022، وكذلك العبادة وتلاوة القرآن والاستعداد لقيام ليله وكذلك استثمار ليلة القدر من خلال حُسن استثمار الأيام العشر الأواخر من شعبان والتي باتت تنقضي سريعاً ولم يتبقى منها إلا سبعة فقط فبادر بحسن استثمارها.
يقول الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء والمفتي السابق، إن الله اختار شهر رمضان من دون الشهور لنزول القرآن فيه، وربط الله وهو عليم بكونه وأسراره بين القرآن والليل، فقال تعالى (إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ).
وأشار إلى أن ليلة القدر هي خير من ألف شهر، منوها بأن الليل فيه عبادة قد يغفل عنها الكثير، وهي قوله تعالى "قُمِ اللَّيلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِصفَهُ أَوِ انقُص مِنهُ قَلِيلاً * أَو زِد عَلَيهِ وَرَتِّلِ القُرآنَ تَرتِيلاً" في الصلاة في الليل وقيامه ومنها الاعتكاف والتهجد.
وأكد أنه لابد من الاهتمام بالليل والعبادة فيها، لفضلها ومكانتها في هذا التوقيت وخاصة في شهر رمضان، منوها أن شهر رمضان فيها ليل ونهار، فالنهار فيه الصيام والليل فيه القيام.
ويمضي الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، قائلاً: يمكننا الاستعداد لاستقبال شهر رمضان بعدة أمور منها:
1- تنظيم اليوم والرجوع إلى تقسيمه إلى يوم وليلة.
2- التدريب على الصيام، والتلاوة، والقيام وغير ذلك من العبادات والطاعات.
3- اتباع هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإكثار من الصيام في شهر شعبان ييسر على المسلم مهمة الصيام في شهر رمضان ولا يشعر بعناء في تلك العبادة العظيمة، وذلك لأن شعبان شهر يتناسب في المناخ وطول النهار وقصره مع شهر رمضان لأنه الشهر الذي يسبقه مباشرة، فالتعود على الصوم فيه ييسر على المسلم ذلك.
4- القرآن الكريم ومدارسته وتلاوته ومحاولة ختم المصحف في شهر شعبان، وذلك لتيسير قراءته وختمه في شهر رمضان، فقراءة القرآن عبادة نيرة، تعين المسلم على باقي العبادات في شهر رمضان وغيره، وهي تنير قلب المسلم وتشرح صدره، فلا ينبغي للمسلم أن يتركها ولا يقصرها على رمضان، إلا أنه يزيد منها فيه لاستغلال هذه الدفعة الإيمانية والنفحة الربانية.
5- ألا ننسى أن نذكر بأهم ما يعين على ذلك كله ألا وهو ذكر الله عز وجل، وقد ورد الحث على الذكر في كتاب الله وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمن القرآن قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}، ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نصيحة عامة: «لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ». [رواه أحمد].
6- بذكر الله يعان المؤمن على كل ما أراد أن يقبل به على ربه عز وجل.
احذر من الإسراف في النفقات
كما أوضح الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، كيفية الاستعداد لشهر رمضان الكريم، مؤكدًا أنه على المسلم أن يتوب لله عز وجل توبة نصوحا، وأن يقضي ما عليه من حقوق الناس وأن يصل رحمه ويقضي ما عليه من فرائض لم يؤدها لأن دين الله أحق أن يقضى.
ونبه المفتي إلى خطورة الإسراف في النفقات من طعام وشراب في شهر رمضان، منوها بأننا في حاجة إلى تعديل بعض السلوكيات، خاصة تلك المنافية للشهر الكريم مثل الإسراف الشديد رغم أنه شهر الصوم، وكل النصوص الشرعية تدعو إلى الاقتصاد وعدم الإسراف، فديننا دين الوسطية في كل شيء.
وقال علام: "لا ننكر التوسعة على الأهل ولكن في حدود الضوابط الشرعية وبدون إسراف، فرمضان فرصة حقيقية ودرس عملي لمن أراد أن يقتصد ويدرب نفسه على عدم الإسراف"، محذراً من التحجج بالصوم لتعطيل مصالح الناس، مؤكدًا أن النموذج النبوي في رمضان كان خير مثال على الحركة والعمل الدؤوب في رمضان.
وتابع: وقد كانت أغلب الانتصارات في رمضان ولم يكن الصوم مانعًا من أن يعمل الناس ويجتهدوا في العمل.
أعمال الرسول في رمضان
ويوضح الشيخ سالم عبد الجليل، الداعية الإسلامي وكيل وزارة الأوقاف سابقًا، عن 10 أعمال خص بها وحرص عليها الرسول صلى الله عليه وسلم خلال شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران.·
وقال “عبدالجليل” في تصريح له، إن النبي -صلى الله عليه وسلم-:
1- كان يبشر أصحابه بقدوم رمضان ويهيئهم للاجتهاد فيه بذكر بعض خصائصه وتضاعف الأجور فيه؛ ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل! ويا باغي الشر أقصر! ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة» أخرجه الترمذي بسند صحيح.
2- يتسحر صلى الله عليه وسلم، ويؤخر السحور، ويتناوله قبل أذان الفجر بقليل، ويعجل الإفطار، ويفطر عند غروب الشمس وقبل أن يصلي المغرب، ويفطر على رطب أو تمر أو ماء. قال صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس بخير ما عَجَّلُوا الفطْر» رواه ابن ماجة بسند صحيح.
3- كان صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء عند الإفطار، فللصائم دعوة لا ترد، ومما أثر عنه قوله: «ذهب الظمأ ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله » رواه أبو داود بسند حسن، وكان يقوم الليل في رمضان، بإحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، وفي الحديث: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
4- يتدارس القرآن مع جبريل عليه السلام، فعن ابن عباس: «كان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه صلى الله عليه وسلم القرآن » رواه البخاري . وقال صلى الله عليه وسلم: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب منعته الطعام والشراب فشفعني فيه، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال : فيشفعان) أخرجه أحمد بسند صحيح.
5- كان صلى الله عليه وسلم يكثر من الإحسان والبر والصدقة، قال ابن عباس: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان ، فيدارسه القرآن ، فلَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة» رواه البخاري.
6- كان صلى الله عليه وسلم يجاهد في رمضان، ويقاتل المعتدين، حتى كانت أعظم انتصاراته صلى الله عليه وسلم وأجلّها والمعارك الفاصلة التي تمت في حياته كانت فيه.
7- كان صلى الله عليه وسلم يعتكف ويخلو بربه في العشر الأواخر، لإدراك ليلة القدر ومن شدة حرصه صلى الله عليه وسلم على تحري ليلة القدر كان يجتهد في العشر الأواخر ويترك النوم في لياليها ، قالت عائشة: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل ، وأيقظ أهله ، وجد وشد المئزر » رواه مسلم.
8- كان صلى الله عليه وسلم يطعم الطعام ويفطر الصائمين: ويقول صلى الله عليه وسلم : (من فطر صائماً كان له مثل أجره ، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً) أخرجه أحمد بسند صحيح.
9- كان صلى الله عليه وسلم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحث على مكارم الأخلاق، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) صحيح البخاري.
تطهير الباطن وتنقية القلب
فيما يذهب مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إلى القول بإنه فيما ورد عن السلف الصالح، إن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، أرشدنا إلى عمل يجعل لصاحبه حظًا من النعيم في الدنيا والمكانة العليا بالآخرة.
وأوضح «الأزهر» عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، أن سلامة الصدر للناس عمل عظيم يهب صاحبه النعيم في الدنيا، والمكانة العُليا في الآخرة، وجدير بالمسلم أن يُحسن الاستعداد لرمضان بتطهير الباطن، وتنقية القلب.
واستشهد بما أخرجه ابن ماجه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله تعالى عنه-، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ»، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ، قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ».
وواصل: أهل الإكثار من الأعمال الصالحة هم أهل البشرى بالخير والرحمة، فقال تعالى: «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» الآية 25 من سورة البقرة.