الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وسائل الإحباط الاجتماعي

نهال علام
نهال علام

"من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" أؤمن بذلك الحديث إيماناً جماً، وإن اختلف فهمى له عن الصورة النمطية لتفسيره، ففي فهمي المتواضع وقانون حياتي البسيط أرى إن رأينا المُنكر فلتصنع أيدينا الخير وتقول ألسنتنا الجميل وتُسبِح قلوبنا بكل ما يمهد الطريق لعقولنا بأن يكون نهجها ما ليس مُنكراً!

في تلك اللحظات الملتهبة التي يعيشها العالم وتؤرق صفو أفراده حضرتني تلك الكلمات بقوة، فكل مالا يؤدي للسلام مُنكَر، وشبح الحروب هو أعظم المنكرات. 
كأس مُر تشاركه قاطني بناية العالم تفاوتت مرارته بحسب الظروف المكانية أو الاقتصادية أو السياسية، ولكن الكُل تحت مقصلة التأثيرات الحياتية اليومية سواء، كلنا نمُر بهذا العناء.

أخبار النزاع متواترة والأجواء متوترة واقتصاديات الدول متدهورة، وهو بالأمر المتوقع فلم يُسدد العالم بَعد فواتير الوباء ليخطو بثقة تجاه هذا العَبث والغباء، ولكنه ما حدث وفُرض علينا أن ندفع ضريبة الحدث ما دُمنا نمارس فعل الحياة.

متغيرات كثيرة تحدث في شتى بقاع العالم، نِقاط نزاع صغيرة ولكن لها تأثيرات كبيرة فضلاً عما يحدُث بين أوكرانيا وروسيا، وكل ذلك يصُب مباشرةً في سعر رغيف العيش وكل أسعار السلع الأساسية والترفيهية، لأسباب اقتصادية مفهومة وبدوافع إنسانية غير مقبولة، عندما تفرض أخلاق تجارة الأزمات ونعلم أن الأسوأ من الحرب هم تجار الحرب!

تلك الفئة الجشعة التي تُضارِب بأمان الناس وتتكسب من استغلال احتياجاتهم، وأيضاً يساهم في تعقيد الأزمة جهلاء الحرب وهو المواطن نفسه الذي يتكالب على السلع ويسعى لتخزينها بكميات لا تناسب احتياجاته ولكن فقط ليؤمن متطلباته المستقبلية البعيدة، دون مراعاة لأبعاد تلك التصرفات على الأسواق من رفع للأسعار ونقص المعروضات وإثارة فتن القلق بين المواطنين، لذا التاجر الذي يتبع السياسات الاحتكارية والمواطن الذي يُدمن الثقافة الشرائية الغير مُخططة هم من أهم أضلاع الأزمات الاقتصادية ليس في مصر فقط ولكن أينما وجدوا بتلك الملامح الأنانية.

والدولة تصدت وشرعت وفعلت حزمة من التدخلات الفاعلة لضبط الأسواق، ولكن أهم فاعل في تلك المنظومة (المواطِن )الذي لا سُلطان عليه، فلا تملك الدولة أن تقرر نمط استهلاكك وطريقة مشترياتك، هو وحده الضمير والإحساس بالمسؤولية ما ينظم تلك العملية الفوضوية، التي تنتقل من الأسواق الشرائية لصفحات التواصل الاجتماعية وخاصة مع تغير مجريات الأمور المالية في الساعات الأخيرة.

انخفاض الجنيه أمام سعر الدولار ليس بالأمر الهين على ميزانية الدولة وجيوب الأفراد، ولكن الأمر متوقع فلسنا بمنأى عن العالم ولا نعيش في باطن الأرض وهذا هو سيناريو الحَرب!

تتخذ الدول اجراءات وقائية وسياسات مالية تُحاول تخفيف الأثار الناجمة عن التغيير في أسعار النفط والذهب ومقاومة تباين أسعار السلع التى تتأثر بسبب ظروف التصنيع والنقل والمواد الخام سواء في الانتاج الداخلي أو السلع الواردة، وما لذلك من تأثيرات مباشرة على حركة السياحة والتدفقات النقدية، والاستثمارات الخارجية، والعديد من التشابكات المالية ذات التأثيرات القوية على سعر صرف العملات المحلية وخاصة في تلك الدول التي تحتضن الأسواق الناشئة، تلك الإجراءات قد تنجح في كبح زمام الأمور ولكن ليس في منعِها!

وعلى الصعيد الآخر نجد أعداء الوطن متربصون، على مخالب أمنيات الخراب مستنفرون، وفي عسل التواصل الاجتماعي البعض غارقون في تنفيذ مخططاتهم دون أن يعلمون، فألا تفيقون!
أنه الأسبوع الثاني على التوالي الذي أكتب فيه نفس الكلمات لعل هناك من يُبالي، لذلك السلاح الذي يهدم السلام المجتمعي دون أن أغالي!

لا شَك أن فطرتنا السوية تجعلنا خلف أوطاننا قلباً وقالباً ولكن تعاملنا مع وسائل التواصل الاجتماعي وكأننا في غرف مغلقة نتبادل الفضفضة ونعتقد أنها ليست بالأمر الكبير، فذلك خطأ عظيم، فحالة السواد والإحباط والسخرية هى سلاح نفسي عقيم، وخاصة مع عدم التوازن الملحوظ ففي نفس الأسبوع الذي تغيرت به أسعار الصرف تم افتتاح ممشى مصر ليكون متنزهاً مجانياً للترويح عن أهل مصر الذين حُرموا عقود طويلة من رؤية نيلهم بسبب التعديات والمنشآت القابعة على ملامحه فطمست رؤيته، وبالرغم من أن الأمر جَلل لم نجده إلا على استحياء في قلة من الصفحات.

وأيضاً لم نجد على صفحات الندب ما يوضح قيمة لقاء الرئيس بسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي، ولم نجد إشارة للمشروعات الإسكانية المتعددة التي تم تسليمها على عدة مستويات سواء سكن اجتماعي أو اقتصادي، كما أن هناك مشروعان رياضيان تم الانتهاء منهم وهما نادي النادي بأكتوبر ومجمع صالات حسن مصطفي لكرة اليد والألعاب الجماعية، وغيرهم من المساعي الداخلية التي انعكست في إصدار قرارات بمنح وعلاوات وزيادات في مختلف القطاعات للتخفيف من آثار الأزمة على كاهل المواطن، وتزامناً مع المساعي الخارجية التي تضمن لمصر مكانتها الإقليمية وحقوقها الدولية، فأين كل هذا ما صفحات الاحباط الاجتماعية!

أزمة وستمر كما مرّ كُل مُر، فمهما طالت الصراعات مصيرها الانقضاء ولكن ذلك يستدعي ألا نقضي على أنفسنا بأنفسنا، فأسوء ما يُسلطه الله على قومٍ أنفسهم، لذا فلنبدأ بتغيير المُنكر الأكبر وهي الحرب بالابتعاد عن المُنكر الأصغر وهو ما تكتبه يداك وما ينطق به لسانك وما تضمره في قلبك، كلنا راحلون والوطن هو الباقي، لذا فلنحافظ عليه كعمل استباقي، فكل ما نخسره يعود إلا الوطن خسارته تكسر ألف عُود وعود، فلا لن نعود لتلك الأيام البائسة التى كنا على شفا جرفٍ هار من اللا وطن واللا حدود.