تقاليد مختلفة في مدينة القصير للاحتفال بليلة النصف من شعبان
يوافق اليوم وصول المحمل الذي يحمل كسوة الكعبة المشرفة
كانت الكسوة تمر بمدينة القصير ثم الى موانئ الحجاز
تقاليد لم تنس عبر الزمن هنا في مدينة القصير، التي تبعد مايزيد عن 160 كم من عاصمة محافظة البحر الأحمر مدينة الغردقة تقيم احتفالاتها السنوية التي ورثها أبناء تلك المدينة العتيقة جيل بعد جيل بشكل خاص وطقوس فريدة.
ولعل ابرز تلك الاحتفالات ذات الطقوس الخاصة ؛ عيد (المحمل أو المحامل) وهو يوافق يوم النصف من شعبان ، ولهذا الاحتفال مراسم وطقوس وطريقة فى الاحتفال لم تكن وليدة الصدفة ولكنها لها أسباب تاريخية.
ففي هذا السياق قال طه الجوهري مؤرخ ومؤلف عد من الكتب التاريخية عن تاريخ مدينة القصير، وهو أحد أبنائها من أبناء مدينة القصير أن عيد (المحمل أو المحامل) وهو يوافق يوم النصف من شعبان يوم تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام.
وقال إن ما جعل ذلك اليوم ذو اهميه كبري بين أبناء مدينه القصير هو وصول المحمل الذي يحمل كسوة الكعبة المشرفة التي كانت تقليدا متبعا بين سلاطين المماليك في مصر في كل عام.
واستكمل الجوهري: “يؤكد المؤرخون أن بداية فكرة المحمل الذي ينتقل فيه الكسوة إلى أرض الحجاز أول أمره كان في عهد شجرة الدر، حيث خرج أول محمل في عهد المماليك، والمحمل نفسه هو عبارة عن هودج فارغ يقال إنه كان هودج شجرة الدر ، أما الكسوة فكانت توضع في صناديق مغلقة وتحملها الجمال، ثم يتجه نحو أرض الحجاز، إلا أن الاحتفال بشكله المميز كان في عهد الظاهر بيبرس، حيث كان سلاطين مصر المملوكية يلقبون بخدام الحرمين الشريفين”.
وعن سبب تسمية الاحتفال بهذا الاسم قال الجوهري انه نسبة إلى الجمل الذي يحمل الهدايا العينية والنقدية إلى البيت العتيق، وكان يغطى بقبة من الجوخ، وكان ذلك الجمل يصاحب قافلة الحج في كل عام بدء من حج شجرة الدر زوجة الملك الصالح نجم الدين أيوب في عام 645هـ، أو منذ سلطنة الظاهر بيبرس في عام 670هـ.
كما يظن البعض أن كلمة المحمل تشير أصلا للهيكل الخشبي المخروطي المحلى بالزينات، وكان مخصصا لجلوس السلطان إذا خرج لأداء الفريضة ويظل خاليا إن لم يذهب السلطان رفقة الحجيج .
كما أن "المحمل يطلق في الأصل على الجمل الذي يحمل الهدايا الى الكعبة، وكان يزين بأبهى زينة، ولما بالغوا في زينته، أصبح الجمل لا يستطيع أن يحمل سوى كسوته، فقد أصبحت كسوة المحمل في عام (۸ - ۱۳ ه/۹۲۹ مه۱۳۶ م) مع هيكله الخشبي لا تقل عن أربعة عشر قنطارا، وصار ما كان يحمل عليه من الهدايا يحمل في صناديق على جمال أخرى".
كان المحمل يطوف القاهرة يصاحبه الطبل والزمر، والعديد من مظاهر الاحتفالات كتزيين المحلات التجارية والرقص بالخيول، وكان الوالي أو نائب عنه يحضر خروج المحمل بنفسه، وكان المحمل يطوف في القاهرة نحو ثلاثة أيام.
ويشمل موكب المحمل عبارة جمل يحمل كسوة الكعبة وخلفه الجمال التي تحمل المياه وأمتعة الحجاج وخلفه الجند الذين يحرسون الموكب حتى الحجاز ومن ورائهم رجال الطرق الصوفية الذين يدقون الطبل ويرفعون الرايات، وبصحبتهم مهرجون يسمون (عفاريت المحمل).
و كان المحمل يخرج من ميناء عيذاب متجها الى مكة دون المرور بالقصير. وفي معيته كسوة الكعبة المشرفة، وكان أكثر القوافل تنوعا بما يضمه من حجاج القارة الأفريقية، فإلى جانب حجاج مصر كان هناك أيضاً حجاج من أرجاء المغرب العربي وبلاد التكرور أو ممالك المسلمين بغرب أفريقيا.
كسوة الكعبة كانت تمر عبر النيل إلى قوص ثم صحراء عيذاب وبها وادي حميثرة حيث مدفن الإمام الشيخ أبو الحسن الشاذلي، ثم إلى ميناء عيذاب _ شمال حلايب على ساحل البحر الأحمر، وتصل إلى مواني الحجاز كعادة سنوية من سلاطين مصر هدية لبيت الله الحرام. ومع تخريب عيذاب علي يد السلطان المملوكي «بيرسباى» تحولت التجارة والحج إلى ميناء القصير، ومنه كان يحج ثلاثين ألفا من حجاج مصر وشمال أفريقيا وغربها.
ومازال اهل القصير يحافظون على إقامة الاحتفال بهذا اليوم ويحافظون على التقاليد والمظاهر التي توارثوها لهذا اليوم، حيث تطوف الجمال أرجاء المدينة القديمة، وفوقها (هودج) مكسوة بأقمشة ذات ألوان زاهية يتقدمها وخلفها آلاف من رجال وسيدات وأطفال المدينة.