قالت دار الإفتاء المصرية، إن الاحتفالَ بِلَيْلَةِ النصف مِن شهر شعبان المبارك مشروعٌ على جهة الاستحباب، وقد رغَّبَ الشرع الشريف في إحيائها، واغتنام نفحها؛ بقيام ليلها وصوم نهارها؛ سعيًا لنيل فضلها وتحصيل ثوابها، وما ينزل فيها من الخيرات والبركات، وقد دَرَجَ على إحياء هذه الليلة والاحتفال بها المسلمون سلفًا وخلفًا عبر القرون من غير نكير.
وأضافت دار الإفتاء في منشور لها عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أنه لا يقدح في فضل هذه الليلة وما يستحب فيها من القُرَبِ والطاعات ما يثار حولها من ادعاءات القائلين بأنها بدعة، ولا يجوز الالتفات إلى مثل آرائهم الفاسدة؛ فإنها مردودة بالأحاديث المأثورة، وأقوال أئمة الأمة، وعملها المستقِر الثابت، وَما تقرر في قواعد الشرع أن مَن عَلِم حجة على مَن لم يعلم.
كيفية الاحتفال بليلة النصف من شعبان
ورد سؤال للدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر يقول : نقوم منذ أمد بعيد بالاحتفال بليلة النصف من شعبان، وذلك باجتماع أهل القرية شيبة وشبابًا وأطفالًا ونساءً بالمسجد لصلاة المغرب، وعقب الصلاة نقوم بقراءة سورة يس ثلاث مرات يعقب كل مرة قراءة الدعاء بالصيغ التي وردت في القرآن الكريم والدعاء للإسلام والمسلمين، وكنا سابقًا ندعو بدعاء نصف شعبان المعتاد؛ وذلك بطريقة جماعية وجهرية، وقد استبدلناه بالدعاء من القرآن الكريم. فما رأي الدين في الاحتفال بليلة نصف شعبان بهذه الصورة؟.
وقال جمعة في فتوى له: لا بأس بالاحتفال بليلة النصف من شعبان بالكيفية المذكورة؛ فإن ذلك داخلٌ في الأمر بإحياء هذه الليلة كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا يَوْمَهَا؛ فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ أَلا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ؟ أَلا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ؟ أَلَا كَذَا أَلَا كَذَا...؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» رواه ابن ماجه.
يعرف شهر شعبان بأنه شهر النبي المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، وأنه من الشهور التي فضلها نبينا الصادق الأمين واختصها بأمور شرعت لعموم أمته في شهر رمضان المبارك، بل إن هذا الشهر اقترن به صلى الله عليه وسلم.
ومع تساءل الكثيرين عن لماذا سمي شعبان شهر رسول الله؟، حيث يتردد في شأن شهر رجب المنقضي أنه شهر الله تبارك وتعالى، وأن شعبان شهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن شهر رمضان المقبل هو شهر الأمة الإسلامية، يقول الشيخ محمد وسام، مدير الفتوى المكتوبة وأمين الفتوى بدار الإفتاء، سبب تسمية الرسول لشهر شعبان بـ"شهري"، قائلاً إن الرسول - صلى الله عليه وسلم- سمى شهر شعبان، بأنه «شهره»، لأن فيه ارضاه الله سبحانه وتعالى، وطيب خاطره بتحويل القبلة واستجاب لهواه.
واستشهد «وسام» في إجابته عن سؤال: «ماذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن شهر شعبان؟»، بما ورد أن السيدة عائشة أم المؤمنين -رضى الله عنها - قالت: « والله يا رسول الله ما أرى ربك إلا يُسارع لك في هواك»، موضحًا أن البلاغة في قوله تعالى: « قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا »، إنما تشير إلى مكانة النبي العظيمة عند الله، فمجرد إرادته وحركة جسده - صلى الله عليه وسلم - ودون دعاء استجاب له بتحويل القبلة في ليلة النصف من شعبان.
وأضاف أنه لهذا قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن شهر شعبان: « شعبان شهري»، كما نزلت في هذا الشهر أيضًا آية الصلاة والسلام على النبي، كما قال الإمام بن أبي الصيف اليمني.
كما يعد شهر شعبان من شهور المنح الربانية التي يهبها الله لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين؛ وتتجلى فيه رحمة الله تعالى بعباده، فيهبهم من خزائن خيراته، ويجزل لهم فيه من عطياته.
وكان النبي صلى الله الله عليه وسلم يُكثر من الصيام في شهر شعبان، لأنه شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وصيامه يندرج تحت صوم التطوع والسُنة، وكان صلى الله الله عليه وسلم، يقول في أسباب كثرة الصيام في شهر شعبان، لأنه شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يُرفع عملي وهو على أفضل حال من العبادة والطاعة، حيث ورد عن عائشة رضى الله عنها قالت: «لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا أكثر من شعبان فإنه كان يصوم شعبان كله، وكان يقول: خذوا من العمل ما تطيقون» رواه البخاري.
إحياء ليلة النصف من شعبان
ووأشار إلى أنه لا بأس بقراءة سورة يس ثلاث مرات عقب صلاة المغرب جهرًا في جماعة؛ فإن ذلك داخل في الأمر بإحياء هذه الليلة، وأمر الذكر على السعة، وتخصيص بعض الأمكنة أو الأزمنة ببعض الأعمال الصالحة مع المداومة عليها أمر مشروع ما لم يعتقد فاعلُ ذلك أنه واجب شرعي يأثم تاركه؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا» رواه البخاري، قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": [وفي هذا الحديث على اختلاف طرقه دلالة على جواز تخصيص بعض الأيام ببعض الأعمال الصالحة والمداومة على ذلك] اهـ.
وقال الحافظ ابن رجب في "لطائف المعارف": [واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين؛ أحدهما: أنه يُستحب إحياؤها جماعةً في المساجد. كان خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتحلون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك، وقال في قيامها في المسجد جماعة: ليس ذلك ببدعة، نقله عنه حرب الكرماني في مسائله. والثاني: أنه يُكرَهُ الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء، ولا يكره أن يُصلي الرجل فيها بخاصة نفسه، وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم]. اهـ المراد منه.
وأكد أن إحياء ليلة النصف من شعبان على الصفة المذكورة أمر مشروع لا بدعة فيه ولا كراهة، بشرط أن لا يكون على جهة الإلزام والإيجاب، فإن كان على سبيل إلزام الغير وتأثيم من لم يشارك فيه فإنه يصبح بدعة بإيجاب ما لم يوجبه الله ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا هو المعنى الذي من أجله كَرِه مَن كَرِه مِن السلف إحياء هذه الليلة جماعةً، فإن انتفى الإيجاب فلا كراهة.
فضل ليلة النصف من شعبان
ومن الأحاديث الواردة في فضلها: حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: فَقَدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَخَرَجْتُ أَطْلُبُهُ فَإِذَا هُوَ بِالْبَقِيعِ رَافِعٌ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ؟» فقُلْتُ: وَمَا بِي ذَلِكَ، وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعرِ غَنَمِ كَلْبٍ» رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَطَّلِعُ الله إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَة النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ» رواه الطبراني.
وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا يَوْمَهَا؛ فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ أَلَا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ؟ أَلا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ؟ أَلا كَذَا أَلا كَذَا ...؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» رواه ابن ماجه.