الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مئوية وزارة الخارجية.. إنجازات الدبلوماسية على مدى قرن .. مصر وضعت مصلحة الوطن ورعاية أبنائها على رأس أولوياتها

وزارة الخارجية تحتفل
وزارة الخارجية تحتفل بمئويتها

في مئويتها..

  • وزارة الخارجية مؤسسة وطنية لها تقاليد راسخة أساسها مصالح الوطن ورعاية أبنائه في الخارج
  • أهم مُرتكزات دبلوماسية مصر أن لها سياسة خارجية مستقلة تستند إلى مبادئ وأسس واضحة
  • العرب وأفريقيا يمثلان أهم دوائر الاهتمام الرئيسية في مجال الدبلوماسية المصرية

اضطلعت الدبلوماسية المصرية بدور عظيم تجسد من خلال تحركات مستمرة وجهود متواصلة للدفاع عن مصالح مصر العُليا، خلال قرن من الزمان، وتعظيم الاستفادة من مُختلف الأطر الدبلوماسية لصون مُقدراتنا الوطنية، فضلًا عن المساهمة في جهود الدولة المصرية نحو تعزيز ركائز السلم والاستقرار على الساحتين الإقليمية والدولية


وصفحات تاريخ مصر الحديث تؤكد على ان دبلوماسيتها على مستوى جميع الاحداث التي خاضتها كان لها دورا مؤثرا في الحفاظ على مقدرات الوطن وسلامة ووحدة اراضيه والزود عن حقوقه وحقوق ابنائه في الخارج، وهي الادوار التي تلعبها وزارة الخارجية التي تحتفل في يوم ١٥ مارس بمئويتها وهو التاريخ الذي اختارته ليكون يوما للدبلوماسية المصرية لما لها من اثر عزيز في تاريخ مصر ونفوس المصريين.

وخلال السطور التالية نلقي الضوء على تاريخ التمثيل الدبلوماسي لمصر خلال 100 عام وايضا نستعرض اهم مرتكزات الدبلوماسية المصرية ومحددات السياسة الخارجية وفقا لما عرضها وزير الخارجية سامح شكري في الاحتفال بمئوية الوزارة. 

 في 15 مارس عام 1922 صدر إعلان استقلال مصر، وتمكنت من إعادة عمل وزارة الخارجية بعد أن توقف  لمدة سبع سنوات على إثر إعلان الحماية البريطانية على مصر في ١٩١٤.

وصدر إعلان الحكومة البريطانية في يوم 15 مارس 1922 إلى الدول التي كان لها ممثلون في القاهرة ينص على أن الحكومة المصرية حرة في إعادة وزارة الخارجية، بموجب الاعتراف باستقلال الوطن وبالتالي فإن لها الحق في إقامة تمثيل دبلوماسي وقنصلي في الخارج.

ومنذ ذلك اليوم، شهدت مصر أحداثًا جسامًا، برهنت فيها الدبلوماسية المصرية على أنها درعٌ للوطن في الخارج، وسيفٌ له متى اقتضت الحاجة؛ لم تَدعَ في ذلك بابًا وراءه مصلحة عُليا لمصر إلا وطرقته بإصرار، متشبثة بثوابت تحركاتها الخارجية ومبادئها الوطنية.

التمثيل المصري في الخارج


حدد الاحتلال البريطاني التمثيل الخارجي لـ مصر منذ إعلان الحماية عليها ليكون مقتصرا في صورة وكيل أو قنصل عام، ومع الاعتراف باستقلالها في 15 مارس 1922 وحتى عام 1936 توقف مستوى التمثيل للبعثات الأجنبية في القاهرة عند درجة وزير مفوض، ومنعت بريطانيا محاولات مصر لرفع مستوى التمثيل الدبلوماسي المصري إلى درجة سفير

لم يستمر الأمر بهذه الصورة حتى تغير الوضع بتوقيع معاهدة “الصداقة والتحالف بين مصر وبريطانيا العظمى” في 26 أغسطس عام 1936 والتي نصت مادتها الثانية على " أنه يقوم من الآن فصاعداً بتمثيل صاحب الجلالة الملك لدى بلاط جلالة ملك مصر وبتمثيل صاحب الجلالة ملك مصر لدى بلاط سان جيمس سفراء معتمدون بالطرق المرعية".

وتطور حجم التمثيل الدبلوماسي المتبادل بين مصر و17 دولة، منذ يوم الاستقلال والذي يوافق الاحتفال بـ يوم الدبلوماسية المصرية ، ونما عدد الدول التي ارتبطت القاهرة بها إلى 26 دولة من خلال تمثيل متبادل بوجود وكيل او قنصل عام؛ حتى انضمت مصر إلى عصبة الأمم. 

ومنذ ذلك الحين تزايد تحولت مصر لواحدة من أكبر الدول التي يوجد بها عدد مقار دبلوماسية من خلال افتتاح مباني للسفارات والقنصليات ومكاتب المنظمات الدولية والإقليمية على ارض الوطن حتى وصل عددها إلى نحو 240 بعثة دبلوماسية في القاهرة.

ومع اتساع رقعة العلاقات المصرية بالعالم الخارجي وتشعبها تزايدت أعداد الممثليات المصرية في الخارج حيث بلغ عددها في عام 1936 حوالي 57 ممثلية (تنوعت بين 23 مفوضية أو سفارة، واثنتي عشر قنصلية عامة، وواحد وعشرون قنصلية ومأمورية واحدة).

وتزايدت هذه السفارات مع اضطراد العلاقات المصرية الخارجية وزيادة حجم المصالح المصرية وسفر المواطنين المصريين إلى مختلف أنحاء المعمورة لتبلغ حالياً حوالي 162 سفارة وقنصلية ومكتب رعاية مصالح ومكتب تمثيل تابعين لجمهورية مصر العربية في الخارج. 

مُرتكزات الدبلوماسية المصرية

وزارة الخارجية على مدى تاريخها خلال قرن من الزمان اثبتت أنها مؤسسة وطنية لها تقاليدها الراسخة التي لا تضع سوى مصالح الوطن ورعاية أبنائه في الخارج نُصب الأعين؛ وتوالى عليها كوادر رفيعة من شيوخ الدبلوماسيين الأجلاء وشبابهم الواعد، عاهدوا الله والوطن ألا يبخلوا بجهد أو أن يضنوا بعرق لتحقيق تلك الغاية، ومنهم من قدَّم روحه فداءً في ميدان العمل الخارجي، نحتسبهم عند الله سبحانه من الشهداء.

وأهم مُرتكزات دبلوماسية مصر أن لها سياسةً خارجية مستقلة تستند إلى مباديء وأسس واضحة تهدف من خلالها إلى الدفاع عن حقوق وشعب مصر الكريم، وتُساند بعزم صادق لا يلين الحقوق المشروعة لشعوب منطقتها العربية والإفريقية بل والإنسانية جمعاء؛ وذلك استنادًا إلى ما تتمتع به القاهرة من رصيد ضخم من المصداقية الدولية، ووفاءً للثقة التي أولتها إياها شعوب حاضنتها العربية والإفريقية والإسلامية، واضطلاعًا بدور قُدِّر لها أن تضطلع به منذ أن بزغ فجر الحضارة الإنسانية. 

محاور السياسة الخارجية 

وخلال مسيرة عمل الدبلوماسية المصرية، كانت الدائرة العربية أحد أهم محاور سياستها الخارجية، إذ حملت مصر على عاتقها لواءَ العُروبة وكانت منبرها الصادح بحقوقها المسلوبة، ودافعت عن قضاياها بتفانٍ كامل. ولا تزال القاهرة تضطلع بذات الدور في هذا المسار، مُدافعة عن حقوق شعوبنا العربية، واستقلالية قرارها السياسي وسلامة أراضيها، وتُعلي في الوقت نفسه من أهمية العمل العربي المُشترك باعتباره قوام الحماية الرئيسة لعالمنا العربي.

ويشمل نطاق دوائر اهتمام الدبلوماسية المصرية القارة الأفريقية باعتبارها عمقًا استراتيجيًا آخر لمصر، وتجلى ذلك الاهتمام في مُساندة حق الشعوب الأفريقية في نيل الاستقلال. 

كما كثّفت مصر دائمًا من جهودها في تعزيز علاقاتها الخارجية مع دول القارة وحملت نبراس التنمية لأشقائنا فيها عبر مجموعة مُستمرة وممتدة من المشروعات التنموية التي تحتاج إليها دولنا الأفريقية، وحقها في التنمية المُستدامة.  

وتمثل الدائرتان العربية والأفريقية مثلتا دوائر اهتمام رئيسة في مجال الدبلوماسية المصرية، إلا أن ذلك اقترن بدبلوماسية واعية استشرفت أهمية تنويع محاور التحركات الخارجية آسيويًا وأوروبيًا وأمريكيًا، وتوظيف هذه المحاور لخدمة مصالحنا القومية، والمُساهمة بفاعلية في بناء جسور السلام وتدعيم ركائز الأمن والاستقرار لمصر ودول المجتمع الدولي.     

العمل الدبلوماسي متعدد الأطراف

ولم تغفل الدبلوماسية المصرية خلال مسيرتها المضيئة عن الانخراط الجاد والتفاعل النشط مع مختلف أطر العمل الدبلوماسي متعدد الأطراف، إقليميًا ودوليًا، فكان التحرك المنظم برؤية عملية وعلمية في كافة منصات الدبلوماسية متعددة الأطراف حفاظًا على مصالح مصر الاستراتيجية والدفاع عن ثوابت مصر الوطنية وتعزيز أطر التعاون الدولي؛ فكان لمصر صوت مسموع ودور ملموس إزاء مختلف الملفات والقضايا متعددة الأطراف على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والبيئية، التقليدية منها والمستحدثة. 

وتأكيدًا على ما تنطوي عليه رؤية الدبلوماسية المصرية من وجوب مواكبة متغيرات العصر، ومعالجة ما يشهده المجتمع الدولي من تحديات راهنة، لفت وزير الخارجية الى ان مصر نجحت في الحصول على الدعم الدولي لاستضافة الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ COP 27، أكبر محفل دولي معني بقضية المناخ، وتأثيراتها الشديدة على كافة البلدان، وبالأخص الدول النامية والأفريقية غير المُتسببة فيها. ومن اللافت أن نحتفل بمئوية الدبلوماسية المصرية في ذات العام الذي تُنظم فيه مصر هذا الحدث العالمي.

مصر لا تترك ابنائها

 الدبلوماسية المصرية وما عُرف عنها من عراقة وشمولية وحرفية أولت أيضًا اهتمامًا خاصًا بالعمل القنصلي من منطلق الحرص على رعاية أبناء مصر الكرام في الخارج، والذين سيظلون دائمًا محور اهتمام القيادة السياسية وجهاز تمثيلها الخارجي.

وبرهنت الظروف الاستثنائية التي شهدتها بعض الدول في السنوات الأخيرة أن مصر لم تغفل يومًا عن أبنائها المقيمين فيها، وكانت حاضرة متى اقتضت حاجاتهم. بل وامتد الأمر لنطاق أوسع وأشمل بأن دعت مصر أبنائها للاستفادة من النماذج المصرية النابغة في المجالات المختلفة، والتي تزخر بها جامعات العالم ومراكز الفكر والأبحاث، وكانوا دائمًا أبناءً أبرارًا لم يدخروا جهدًا أو وسعًا لدعم مصر ومساندتها.

كوادر الدبلوماسية المصرية

ونجحت وزارة الخارجية على مدار السنوات الماضية أن تُنمّي باستمرار قدرات كوادرها الدبلوماسية، وضمان سلاسة انتقال الخبرات من جيل الشيوخ إلى جيل الشباب وفق نظام مُحكم دقيق يحرص على التجديد المُستمر للدماء السارية في عروق الوزارة، لما لهم من باعٍ طويل فكرًا وعلمًا في مجالات العمل الدبلوماسي على تنوعه، فهم كوادر مُنتقاة من أبناء مصر وفق معايير موضوعية خالصة لا تُعلي إلا الكفاءة الرفيعة.

ولم تكتفِ وزارة الخارجية بهذا القدر من نقل الخبرات، حيث سعت إلى إتاحة الفرص التدريبية في الداخل والخارج، من أجل مواكبة التطورات الدولية المتلاحقة، والتفاعلات بالغة التعقيد التي بات يتسم بها المشهد الدولي أكثر من ذي قبل.