عقد المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، ندوة عبر الإنترنت بعنوان: "أين مصر من العالم فى استخدام الملكية الفكرية كمحفز للنمو والتنافسية؟"، بمشاركة نخبة من الخبراء الدوليين من المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO وممثلى الصناعات الإبداعية فى مصر، وهى الندوة التى تمتد فعالياتها على مدار اليوم وغدا الثلاثاء، حيث ناقش اليوم الأول نظرة عامة على الملكية الفكرية عالميا وإقليميا، وموقع مصر من القضية، بالتركيز على الصناعات الإبداعية.
واستعرض الدكتور وليد عبد الناصر رئيس شعبة الدول العربية بالمنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO، مجهودات المنظمة فى تعزيز الوعى بالملكية الفكرية فى الدول العربية ومنها مصر، مشيرا إلى عدد من البرامج التى تنظمها المنظمة بالتعاون مع عدد من الجهات المصرية منها وزارتى العدل والتعليم العالى والجامعات، موضحا أن مصر ليس لديها حتى الآن استراتيجية وطنية للملكية الفكرية، حيث أعلنت المنظمة استعدادها لمساعدة مصر حال رغبتها فى بلورة استراتيجية وطنية.
وأشار عبد الناصر إلى إنشاء معهد WIPO للقضاة بهدف رفع الوعى بقضايا الملكية الفكرية، تستفيد منه عدد من الدول العربية، معربا عن أسفه من محدودية مشاركة مصر فى هذا النشاط، وأكد فى الوقت نفسه أن مصر لديها قوانين متقدمة فى الملكية الفكرية وهناك بنية أساسية تشريعية جيدة فى هذا المجال، ولكن تحتاج هذه القوانين إلى تحديث.
من جانبه قال عمرو عبد العزيز مستشار شعبة الدول العربية بالمنظمة العالمية للملكية الفكرية، إنه رغم الجهود والأنشطة والمشروعات المتعددة التى تقوم بها المنظمة فى الدول العربية، إلا أن هناك عدم استفادة كاملة من الدول العربية من موضوعات حماية الملكية الفكرية، ومصر ليست استثناء من هذا الأمر، لافتا إلى أن مصر غنية بالعديد من الصناعات الثقافية، والمنتجات المتفردة، والصناعات اليدوية والمنتجات الزراعية، والاختراعات التى تقوم بها عقول مستنيرة، ولكن نظرا لعدم إلمام قطاعات كبيرة من المواطنين بحقوق الملكية الفكرية، فلا تتمكن مصر من تحقيق عوائد مالية من حقوق الملكية الفكرية.
وقال أحمد أبو على رئيس الجمعية المصرية لحماية الملكية الفكرية، إن مصر عضو فى معظم الاتفاقيات الدولية الخاصة بالملكية الفكرية، ومن الناحية التشريعية كان لدينا قوانين منفصلة لكل شق من الملكية الفكرية، تم استبدالها بقانون الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002، والذى صدرت لائحته التنفيذية بعد عام، موضحا أن القانون يتفق مع الاتفاقيات الدولية التى وقعتها مصر.
وأوضح أبو على أن المشكلة تكمن فى التنظيم المؤسسى الحالى الذى يعد أحد أسباب فقدان مصر للكثير من المزايا نتيجة تشتت الجهات المنظمة للملكية الفكرية، لافتا إلى مشاركة الجمعية فى جلسات الاستماع بمجلس الشعب أثناء صياغة قانون الملكية الفكرية وكان هناك مقترحات بإنشاء هيئة موحدة تختص بكل ما يعلق بالملكية الفكرية، ولكن لم يحدث ذلك، وهو توجه لدى العديد من الدول مثل السعودية التى أنشأت هيئة للملكية الفكرية جمعت كل الاختصاصات فى جهة واحدة.
وطالب أبو على من المنظمة الدولية، تكثيف نشاطها فى مصر فيم يتعلق بالتدريب ورفع الوعى بموضوعات الملكية الفكرية، مشيرا إلى أن السنوات الأخيرة شهدت انتشار التكنولوجيا المالية، دون أن يفكر أحد فى حماية الأنواع المختلفة والجديدة من الملكية الفكرية، وهو ما يحتاج لمجهود كبير فى رفع الوعى بهذه القضايا.
وأشار الدكتور عمرو عبد العزيز إلى أن السنوات الماضية شهدت محاولة لتجميع كل جهات الملكية الفكرية فى مصر بجهة واحدة، وشهدت العديد من الاجتماعات على أعلى مستوى ولكنها لم ترى النور نتيجة الاختلافات الداخلية بين الجهات الحكومية المختلفة بعضها البعض.
من جانبها عرضت شيرين جريس مدير إدارة البرامج بالمنظمة العالمية للملكية الفكرية، أن الصناعات الإبداعية التى تستند فى المقام الأول إلى استغلال المحتوى المحمى بموجب حق المؤلف والحقوق المجاورة، تساهم بنحو 5% من الناتج القومى الإجمالى وفقا لما أظهرته البحوث والدراسات، كما تتجاوز تلك الصناعات قطاعات اقتصادية من حيث معدلات النمو وفرص العمل.
وأشارت جريس إلى عدد من أوجه التعاون بين المنظمة العالمية، ومصر فى مجال حق المؤلف، مستعرضة أهم الاتفاقيات الدولية التى تنظم حقوق المؤلف والتى تحرص الدول على الانضمام لها لحماية حقوق الملكية الفكرية للصناعات الإبداعية المختلفة مثل الأعمال الفنية من سينما ودراما، والأعمال الأدبية، والفن التشكيلى، والموسيقى، والأشغال اليدوية، والفنون التمثيلية.
وقال ديمترى جانشر نائب الرئيس وكبير مديرى قسم المعلومات والتحول الرقمى بالمنظمة العالمية للملكية الفكرية، أن النمو فى الصناعات الإبداعية مرتبط ومصحوب عادة بالنمو السريع فى الاقتصاد، حيث تساعد الصناعات الإبداعية على تكوين رأس المال، وتعد صناعات حقوق الإبداع داعما التنافسية وتحفيز النمو الاقتصادى.
وأكد أن الدراسات أثبتت أنه عندما يتوسع الاقتصاد الإبداعى فيمكنه مساعدة الاقتصاد على الخروج من الأزمات والركود، وهو ما يمثل الأثر المضاعف للصناعات الإبداعية.
ودار عدد من النقاشات التى أظهرت وجود لجنة وطنية للملكية الفكرية تتبع وزارة الخارجية، ممثل فيها عدد من الجهات المختلفة من الوزارات، ولكنها لم تنعقد منذ وقت طويل، وفى نفس الوقت فإن هذه القضية بعيدة تماما عن اختصاصات وزارة الخارجية، وبالتالى هناك صعوبة فى إنهاء إجراءات طلب الحكومة المصرية الانضمام إلى المعاهدات الدولية لحماية حقوق الملكية خاصة ما يتعلق بحماية المحتوى على الإنترنت، الذى انتهى جزء كبير من حقوق ملكيته دون القدرة على رفع مستوى الحماية من نسبة 30% حاليا إلى 70% لحماية ملكية الأعمال الإبداعية المصرية، وهناك محدودية لدور وزارة الثقافة فى هذا الأمر رغم أنها المفترض لها أن تكون المنوط الأول بها، وتداخل فى الاختصاصات مع وزارة الاتصالات.
من جانبها طالبت الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذى ومدير البحوث بالمركز المصرى للدراسات الاقتصادية، بضرورة حل مشكلة التداخل فى الاختصاصات بالجهات المختلفة لأن هذا الأمر يعرقل تحقيق تقدم حقيقى فى مجال حقوق الملكية الفكرية، التى يمكن أن تحقق قيمة مضافة كبيرة للاقتصاد المصرى بحماية الصناعات الإبداعية.
ودعت عبد اللطيف لضبط الجانب المؤسسى الذى يسهم فى حل جانب كبير جدا من المشكلة، ودعوة النقابات المهنية والجمعيات المتخصصة للاستفادة من الآليات والأدوات المتاحة من المنظمة الدولية للملكية الفكرية، للضغط فى صالح توقيع مصر على الاتفاقيات الدولية التى تعزز حماية الملكية الفكرية للصناعات الإبداعية خاصة ما يتعلق بالمحتوى على الإنترنت، وإنشاء جهة موحدة مختصة بالملكية الفكرية لتحقيق هذا الهدف، بما ينعكس فى النهاية على نمو الصناعات الإبداعية وتعزيز دوها فى النمو الاقتصادى.