مع نشوب نزاع أو صراع بين أي دولتين يظهر بعد فترة من القتال مصطلح يتم تداوله على مستوي عالمي وهو يعرف باسم "المرتزقة" أو "القتلة المأجورين"، ويتم تجنيدهم أحيانا من قبل طرفي النزاع والصراع لتحقيق مكاسب، ووجودهم مرتبط بغياب الجيش الوطني.
وفي كل النزاعات الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط التي تشهد توترا لا يتوقف يظهر هؤلاء القتلة ويجدون لأنفسهم طريقا من خلال الاستعانة بهم من قبل الدول المعادية التي لا تريد استقرارا للأمة كما حدث في العراق وسوريا ويحدث في ليبيا.
ومع احتدام القتال في أوكرانيا ودخول الحرب أسبوعها الثالث واستعانة طرفي الحرب بهم، وفقا لما صرح به بعض مسؤولي البلدين عاد الحديث مرة أخرى وبقوة عن "المرتزقة". وعن جرائمهم وما سببه دخولهم عدد من الدول سواء العربية أو غيرها من انتهاكات وسط اتهامات كبيرة وتنديد دولي.
في التقرير التالي يستعرض موقع “صدى البلد” أهم المعلومات عن المرتزقة والدول التي تعاني منهم:
المرتزقة
المرتزقة" القتل مقابل المال" هي ثاني أقدم مهنة في التاريخ ولعلها تتنافس مع أصحاب أقدم مهنة على المركز الأول في أرذل وأحط مهنة في التاريخ.
فالمرتزق هو من يبيع ولاءه وسلاحه لمن يدفع أكثر فيحارب من أجل المال دون عقيدة ودون إيمان، وتجده يحارب اليوم مع طرف ومع الطرف الآخر غدا لأنه دفع له أكثر، ولعل الأخطر والأحط فى المرتزقة أنه عادة لا يحارب مقابل أجر محدد ولكن مقابل أن تطلق يده فى السلب والنهب والتدمير والاغتصاب.
ويكون حلول جحافل المرتزقة كحلول أسراب الجراد التى لا تبقى ولا تذر ولا تترك إلا خرابا ووبالا، وذكر المرتزقة منذ أزمنة طويلة وفى حضارات متباينة، وأول من استخدمهم هو رمسيس الثانى فى مصر القديمة كما استخدموا فى اليونان القديمة وروما وفى حضارات عديدة أخرى.
يرجع أسباب استخدام المرتزقة إلى أسباب عديدة أهمها مثلا فقدان الثقة بين الملوك والحكام وبين شعوبهم، فيفضلون استخدام وتسليح الأغراب لاستخدامهم فى إخضاع الشعوب.
حيث يعود استخدام المرتزقة في الحروب إلى زمن غابر من عمر الإنسانية، وتحديدا إلى سنة 1288 ق.م، حين استخدمهم المصريون بقيادة رمسيس الثاني في معركة قادش ضد الحيثيين.
وشجع أداؤهم في هذه المعركة فراعنة مصر إلى التمادي في استجلاب المرتزقة إلى صفوف الجيش المصري من أرجاء شتى، لا سيما بلاد الإغريق وما حولها.
وقد أخذ ملوك بلدان أخرى هذا الأمر عن المصريين، من بينهم كورش الأصغر الذي استقدم عشرة آلاف من المرتزقة من بلاد الإغريق ليساعدوه في إقصاء أخيه الملك أرتحششتا الثاني وذلك عام 401 ق.م، فجاؤوا مسرعين إلى بلاد فارس يتقدمهم زينفون تلميذ سقراط، وعيونهم على الذهب الذي سيحصلون عليه لقاء خوضهم هذه الحرب.
وبلغ اعتماد الجيوش النظامية على المرتزقة في الحروب مداه خلال معركة جوجاميلا 331 ق.م التي وقعت بين الفرس بقيادة الملك دارا والرومان بقيادة الإسكندر الأكبر.
فكلا الجانبين اعتمد على أعداد هائلة من المرتزقة، سد بهم الفرس النقص الذي أصاب جيشهم جراء المعارك الطويلة التي خاضوها، وزاد بهم الإسكندر من عدد جنده ليصبح تحت إمرته جيش جرار يكافئ طموحاته التوسعية ورغبته في بناء إمبراطورية مترامية الأطراف.
وتوسع الرومان في تجنيد العاطلين عن العمل واستقطاب الراغبين في تأجير جهدهم ورغبتهم في القتال، حتى أصبحت لديهم جيوش كاملة من المرتزقة، وظفوها في دحر أعدائهم وتوسيع أرجاء إمبراطوريتهم.
وقد كافأ الرومان المرتزقة على جهدهم هذا بسن قانون يسمح بمنح الجنسية الرومانية لكل غريب يرتدي البدلة العسكرية وينخرط في صفوف جيوشهم.
وسلك القرطاجيون الدرب نفسه، فجلبوا مرتزقة من أجناس شتى، ليصبح جيشهم خليطا من الغاليين والليبيين والفينيقيين والإسبان.
وأبرز الأمثلة على ذلك، المماليك فى مصر، والدولة العثمانية فى بدايتها، ومثالا أخر للمجتمعات التى ترهلت بسبب الرفاهية التى لم يعد سكانها قادرين أو راغبين فى الحياة العسكرية لحماية ثرواتهم، والمثال على هذا الحالة هو فى مدن وجمهوريات إيطاليا فى عصر النهضة وتعاقدهم مع الحاكم.
وكانت حرب الثلاثين عاما فى أوروبا هى العصر الذهبي للمرتزقة بسبب طول مدة الحرب خلال الفترة من 1618 إلى 1648 واتساع نطاقها لتشمل أوروبا بأسرها.
ورغم أنها كانت أساسا حربا بين جيوش كاثوليكية وأخرى بروتستانتية إلا أن عقيدة المرتزقة كانت الركوع لبريق الذهب، محارب المرتزقة الكاثوليك فى صفوف البروتستانت والعكس.
وفى القرن الـ18 استندت بريطانيا قاعدة جديدة للمرتزقة، فبدلا من التعاقد مع المرتزقة مباشرة تم التعاقد مع شركة الهند الشرقية لنهب ثروات الهند لصالح التاج البريطانى وسمحت للشركة بتكوين جيش لممارسة العنف لصالح الشركة ولصالح التاج.
المرتزقة حديثاً
ومع بداية القرن الـ 20 ظهر مبرر جديد للاستعانة بالمرتزقة وهو رغبة الدولة فى إخفاء تدخلها لإخفاء مطامعها وتجنب الحرج على الساحة الدولية، وكانت الولايات المتحدة سباقة فى هذا الصدد باستخدام من صاروا يعرفون برجال الموز، وهم من المرتزقة الذين استخدموا لإخضاع جمهوريات أمريكا الوسطى لصالح شركة الفواكه المتحدة.
واستمر نشاط الولايات المتحدة فى مجال المرتزقة فأرسلتهم إلى دول أمريكا الجنوبية خاصة كولومبيا وتشيلى وكان لهم دور رئيسى فى مغامرة خليج الخنازير الفاشلة.
وراجت أسواق المرتزقة فترة الحرب الباردة واستخدموا بكثرة فى الحروب بالوكالة، وكان من أبرز سمات انغماس الولايات المتحدة فى استخدام المرتزقة إصدار مجلة التى أصدرها الكولونيل أحد المحاربين فى حرب فيتنام فى ولاية كولورادو، وكانت تنشر إعلانات تطلب خدمات الجنود المرتزقة.
ونشطت أجهزة المخابرات الفرنسية والبريطانية والأمريكية فى التعاقد مع المرتزقة لقمع حركات التحرر الوطنى، ولعب المرتزقة الفرنسيون دورا بارزا فى حرب تحرير فيتنام من الاستعمار الفرنسى التى انتهت بهزيمة فرنسا فى معركة «ديان بيان فو» وفى حرب التحرير الجزائرية، وكان من أبرزهم المرتزق Roger Faulques.
كما لعب المرتزقة دورا كبيرا فى الاضطرابات التى سادت الكونغو عقب استقلاله عن بلجيكا وانفصال إقليم كاتانجا برئاسة «مويس تشومبى» بإيعاز من بلجيكا وبتشجيع من وكالة المخابرات الأمريكية وجهاز المخابرات البريطانية MI6 خوفا من سيطرة أنصار لومومبا اليساريين على الإقليم الغنى جدا بالماس والذى يحتوى على منجم شينكولوبوى وهو أكبر منجم لليورانيوم فى العالم.
وبلغ من فجر المرتزقة أن حاصروا قوات الأمم المتحدة خلال شهر سبتمبر 1961 فى معركة Shodotville الشهيرة، ثم انتقل المرتزقة من الكونغو إلى بيافرا الانفصالية خلال الحرب الأهلية النيجيرية ثم إلى جنوب السودان وروديسيا أثناء حرب التحرير من النظام العنصرى فيها وفى جنوب إفريقيا وناميبيا.
وأخيرا حدث تطور جديد فى المرتزقة بتأسيس ما أطلق عليه مقاولو الأمن مثل شركة Blackwater الأمريكية التى كان لها سجل أسود فى العراق، وشركة Wagner Group الروسية ودورها فى سوريا وليبيا، وشركة executive outcomes الجنوب إفريقية ونشاطها فى إفريقيا والتى نشطت فى أنجولا فى الحرب الأهلية.
ومن المفارقات أن الحكومة استعانت بمرتزقة من الشركة لحماية حقول البترول كما استعانت المعارضة التى مثلتها حركة UNITA بنفس الشركة لحماية مناجم الماس التى تسيطر عليها.
ولعل أكثر مغامرات المرتزقة فى إفريقيا فجاجة كانت استعانة «أحمد عبدالله» بالمرتزق الفرنسى بوب دينارد للانقلاب على رئيس جزر القمر «على صويلح»، لكنه تمرد عليه بعد فترة فى عام 1987 وقاد انقلابا استولى به مع مجموعته من المرتزقة على الحكم حتى تدخلت فرنسا لإقصائه.
والجدير بالذكر أن الأمم المتحدة أصدرت فى عام 2001 الاتفاقية الدولية لمنع استخدام وتمويل وتدريب المرتزقة، صادقت عليها حتى الآن 35 دولة ليس من بينها أى من الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن حتى لا تضع قيودا على تصرفاتها فى الساحة الدولية.
حيث أمتدت الارتزاق إلى كل من هولندا وألمانيا وإنجلترا نفسها، ليصبح المرتزقة علامة مميزة في كل الحروب الأهلية والإقليمية.
وهذا التاريخ الأسود يعطى مصر كل الحق فى طلبها بإخلاء ليبيا من المرتزقة، وعلى كل الدول التى تحترم القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة أن تدعم هذا الجهد النبيل وأن تعتبر الدول التى تدعم المرتزقة دولا مارقة وخارجة عن القانون.
ولكن بعيدا عن المتطوعين الأجانب الذين يتوجهون إلى أوكرانيا لدعمها في صد الغزو الروسي، تنتشر مزاعم مؤخرا حول تجنيد مرتزقة أجانب، بينهم عرب وأفارقة، من قبل طرفي الصراع لينخرطوا في الحرب مقابل المال.
وبعد مزاعم حول تجنيد مرتزقة أجانب وعرب، ومنهم سوريون، للقتال في أوكرانيا، أكدت وزارة الدفاع الأمريكية أن روسيا تجند مرتزقة سوريين وأجانب آخرين للقتال في أوكرانيا حيث يواجه غزو الجيش الروسي لهذا البلد مقاومة شرسة.
وتؤكد تقارير إعلامية أن مجموعة "فاغنر" الأمنية الروسية أرسلت إلى أوكرانيا مقاتلين لمساندة الجيش الروسي.
وكان مرتزقة من هذه الشركة الروسية الخاصة قاتلوا في السنوات الأخيرة في ليبيا، وكان كل من المعسكرين المتحاربين في ليبيا قد استقدم مرتزقة سوريين للقتال إلى جانبه.
وعلى الجانب الآخر من الجبهة، سافر عشرات آلاف المتطوعين إلى أوكرانيا للانضمام إلى قواتها، وجاء ذلك بعد إعلان الرئيس الأوكراني أن بلاده ستنشئ "فيلقا دوليا" للمتطوعين من الخارج.
2000 دولار يوميا
لكن وإلى جانب المتطوعين، أكدت صحيفة التايمز البريطانية أن أوكرانيا تقوم بتجنيد "مرتزقة ماهرين" لتنفيذ عمليات داخل البلاد، تشمل مواجهة المرتزقة التي يرسلها الكرملين وجها لوجه، مقابل مبالغ تصل إلى 2000 دولار يوميا.