"المصرى للدراسات الاقتصادية" يناقش أوضاع المجتمع المدنى فى مصر وسبل تطويره
المركزي يعد دراسة حول المجتمع المدنى كمحرك أساسى لـ التعافى
ويؤكد ضعف دور العمل الأهلي الخيري أو التنموي في المحافظات الريفية
التضامن: تطوير قواعد البيانات لعمل منظومة مميكنة لـ الجمعيات الأهلية
عرضت الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذى ومدير البحوث بـ المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، أهم نتائج الدراسة التى أعدها المركز عن المجتمع المدنى بعنوان "المجتمع المدنى كمحرك أساسى لـ التعافى الاقتصادى والاجتماعى.. كيف ننقذ المارد النائم؟"، التى استعرضت تعريف المجتمع المدنى عالمي وفى مصر، وعدد من التجارب الدولية، والصورة الكلية للمجتمع المجنى فى مصر وأهم أوجه ضعف الجمعيات الأهلية، والأطر المؤسسية والتشريعية والتنفيذية الحاكمة لقطاع الجمعيات الأهلية، ومحاولة تقدير إسهامها الاقتصادى، وأخيرا أهم الإجراءات والتوصيات المطلوبة لدفع المجتمع المدنى وتعميق دوره وإسهاماته بما يتوافق مع الاتجاهات العالمية.
جاء ذلك خلال ندوة إلكترونية عقدها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، بعنوان: "المجتمع المدنى المارد النائم"، لمناقشة نتائج الدراسة التى أعدها المركز عن المجتمع المدنى، بحضور الدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعى، ونخبة من الخبراء والمتخصصين.
وانتهت الدراسة إلى أنه لا يوجد بمصر مجتمع مدني بالمفهوم المتعارف عليه عالميا، لكن مجتمع أهلي به بعض ملامح المجتمع المدني، ويلعب المجتمع الأهلي المصري نشاط هام و لكنه عشوائي وغير مستدام وفي مجالات محدودة، لافتة إلى أن هناك تطور ملحوظ لخريطة الجمعيات الأهلية في مصر خاصة على المستوى الكمي، بينما على المستوى الكيفي فإن معظم هذه الجمعيات (إن وجدت) تتحول إلى وكيل أو ممثل أو فرع للجمعيات الكبرى، وبالرغم من الجانب الإيجابي لتطور حجم تلك الجمعيات إلا أنه يشير إلى الضعف الهيكلي داخل منظومة العمل الأهلي في مصر وضعف قدرتها على استيعاب جمعيات كبرى.
وأشارت الدراسة إلى غياب الرؤية التنموية عن المجتمع المدني المصري وتركيزه بشكل أساسي على الأدوار الخيرية والرعائية، كما أن المجتمع المدني المصري يظهر دائما كطرف متلق أكثر من كونه قادرا على التفاعل والتأثير في المجتمع، وهو ما ظهر بشكل كبير خلال قانون العمل الأهلي في عام 2017 وتناقص عدد الجمعيات في ذلك العام.
وتابعت الدراسة أن هناك ضعف واضح في طبيعة العمل الأهلي سواء الخيري أو التنموي في المحافظات الريفية والصعيد، بالإضافة إلى أن العديد من الأنشطة المتعلقة بالمرأة تنحصر في المجتمع المدني والقطاع غير الرسمي، فعلى سبيل المثال شكلت نسبة المتطوعين من النساء في مصر في 2016 ما يقرب من 55% من اجمالي المتطوعين، وهو ما يجعلها أكثر عرضه لمخاطر الضعف الهيكلي المرتبط بالمجتمع المدني المصري، بجانب محدودية قدرة المجتمع المدني على ممارسة أدوار بعينها كالأدوار الرقابية وتقييم الخدمات أو المساهمة في وضع السياسات العامة.
واقترحت الدراسة عدد من الإجراءات لتطوير الوضع الحالى، تتمثل فى إعادة النظر في التصنيفات السائدة والتعريفات المرتبطة بالجمعيات وأنشطتها والتي تتداخل أنماطها على أرض الواقع، وضرورة التوصل إلى مؤشرات كمية وكيفية لقياس النتائج أو مخرجات المجتمع المدني في مصر وتحديد وزن نسبي لكل مؤشر أو لكل مجموعة من المؤشرات (استخدام دليل المؤسسات الغير ربحية الدولي).
كما أوصت الدراسة بضرورة إلزام الجمعيات ومجالس إدارتها بتطبيق المؤشرات واختبار قياس الفاعلية لها، ودراسة ما تكشف عنه من نقاط قوة ونقاط ضعف، وتوفير المهارات المطلوبة للعاملين، وتبسيط وتقديم المعارف اللازمة لمجالس إدارة الجمعيات (كالتخطيط الاستراتيجي وغيره) وبما يتفق مع أولويات المجتمع، وتوظيف نتائج الدراسات والتحليلات الصادرة عن الجمعيات في صياغة سياسات عامة لبناء قدرات المجتمع المدني، بالإضافة إلى الحرص من جانب المنظمات الأهلية على توثيق البيانات الخاصة بها وخاصة بما يتعلق بالمستفيدين ومجالات إنفاق إيراداتها.
ودعت الدراسة إلى تأسيس قاعدة بيانات مشتركة ومحدثة ومتاحة للجميع تحت مظلة وزارة التضامن الاجتماعي، وتعزيز دور مراكز الأبحاث ودعمها والتي تتناول دراسات المجتمع المدني، بجانب إشراك المجتمع المدني في صنع السياسات العامة بشكل فعال وحقيقي، وزيادة الدعم النقدي الحكومي للجمعيات ومراعاة التوزيع الجغرافي لها ومناطق الفقر، وتفعيل أدوار المجتمع المدني الافتراضي ودعمها وخلق أطر تشريعية منظمة لها.
وحول أهم الإجراءات المطلوبة لإفاقة المارد – وفق وصف الدراسة – أكدت على ضرورة التركيز على التنمية الاقتصادية لأن ضعفها سبب أساسي في ضعف دور المجتمع المدني، مشددة على أهمية مراجعة لنظرة الدولة للمجتمع المدني باعتباره شريكا تنمويا رئيسيا يساعدها في تحقيق الأهداف الوطنية على المستوى المحلي، وأن نجاح هذا النموذج يتطلب إفساح المجال له للعمل بحرية ومرونة مما يعني حدا أدنى من التدخل الحكومي، ودورا داعما من الدولة له يقوم بدور تنظيمي بالأساس.
وأكدت الدراسة ضرورة تفعيل دور المحليات من خلال تطبيق اللامركزية الإدارية من خلال الانتهاء من تعديلات قانون الإدارة المحلية، وإقرار حوافز لتشجيع إنشاء الجمعيات وتفعيل الجمعيات الغير نشطة والتوسع في الأنشطة المختلفة خصوصا الدور الاقتصادي، ووجود دعم ملموس من الدولة للجمعيات في المناطق الفقيرة لأنها الأكثر احتياجا لها وبالتالي إصلاح الخلل الجغرافي لتوزيع الجمعيات.
ودعت الدراسة إلى إحداث تغير جذري في فلسفة التشريع والقانون المنظم للمجتمع المدني بما يحقق لها الاستقلالية والكفاءة والفاعلية، بحيث تكون مهمته تنظيم العلاقة بين الجمعيات وباقي الفاعلين مع ترك قواعدها التنظيمية لتوضع داخليا مع الالتزام فقط بالمبادئ العامة التي تضمن التوازن في حقوق الجميع.
فيما عقبت الدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعى، على نتائج الدراسة مؤكدة على أهميتها خاصة وأن البحث الوحيد الذى تم إجراؤها حول المجتمع المدنى كان عام ، 2011، وأثنت على الجهد الكبير فى الدراسة، مؤكدة أن الشفافية والصراحة هى أولى خطوات الإصلاح.
وأعلنت القباج عن تطوير منظومة إليكترونية لتطوير قواعد البيانات لعمل منظومة مميكنة للجمعيات الأهلية وتوفير معلومات دقيقة، واستعرضت التطور التاريخى للمجتمع المدنى ودوره فى مصر، لافتا إلى أنه لم يكن أبدا ماردا منذ بدايته لكن يجب إفاقته، فمن بدايته وهو ضعيف وظل يضعف تدريجيا مع الوقت حتى أوائل هذا القرن.
وأشارت وزيرة التضامن إلى أن قوة المجتمع المدنى مرتبطة بالطبقة المتوسطة، فكلما انحسرت الطبقة المتوسطة، كلما انحسر معها نشاط المجتمع المدنى، ولفتت القباج إلى أن عدد الجمعيات الأهلية زاد بشكل كبير فى فترة الربيع العربي، حيث تضاعف عدد الجمعيات من 24 ألف إلى أكثر من 54 ألف فى الفترة ما بين 2014 – 2015، وهو ما تسبب فى التشكيك حول ما إذا كانت هذه الزيادة الكبيرة وراءها صحوة مجتمعية أم عودة للجماعات مرة أخرى من الأبواب الخلفية.
وأوضحت القباج أن التشريعات الحاكمة للمجتمع المدنى كانت تضييقية، موضحة أن النسخة الأولى من القانون عام 2017 التى صاغها البرلمان كانت تضييقية أكثر من نسخة الحكومة، وبالتالى لم تكن التشريعات تحمى المجتمع المدنى، إلا أن تدخل الرئيس لتعديل الوضع.
ولفتت وزيرة التضامن إلى قصور الموارد البشرية من العاملين فى الجمعيات الأهلية وعدم الإعداد الجيد للتطوع، وسيطرة فكر توارث السلطة فى مجالس إدارات الجمعيات الأهلية، واعتماد الجمعيات على التمويل الأجنبى، حيث لم يتم الاعتماد على تمويل محلى إلا مؤخرا، وبالتالى خضعت الجمعيات لأجندات غير واضحة.
وأشارت وزيرة التضامن إلى أن العلاقة بين الحكومة والمجتمع المدنى اختلفت الآن حيث تراه الحكومة جيدا بل وتتنافس عليه، وبدأت الجمعيات تعمل فى التعاون مع الحكومة فى العديد من المبادرات والمشروعات، وحول التمويل لفتت إلى أن حجم التمويل من الجمعيات الأهلية خلال عام 2021 بلغ نحو 2.5 مليار جنيه من التمويل الأجنبى، و5 مليار جنيه من التمويل المحلى، وهو ما يشير إلى بداية الاعتماد على التمويل المحلى بشكل أكبر.
وأعلنت القباج عن دراسة إنشاء أكاديمية للمجتمع المدنى تعمل على تطويره وتطوير العاملين به وتثقيفه وتعريفه بالمسئولية الاجتماعية، كما اعلنت عن قرب الانتهاء من أول استراتيجية للتطوع من المقرر إطلاقها نهاية مارس الجارى أو أوائل أبريل المقبل، لنشر فكر التطوع بشكل ممنهج، وتوفير الحماية اللازمة للمتطوعين.
وأشارت إلى دور الجمعيات الأهلية فى تنشيط الاقتصاد المحلى وحماية العمالة غير المنتظمة، والتعامل مع العمالة غير الرسمية، وهو أمر بالغ الأهمية لكنه مازال غير مرئى.
من جانبها أكدت الدكتورة عبلة عبد اللطيف على أهمية إنشاء أكاديمية للمجتمع المدنى، مطالبها بأن تكون شرطا للعمل فى المجتمع المدنى، ومعربة عن استعداد المركز للتعاون مع الوزارة فى هذا المجال، وفى الوقت نفسه أعربت عن مخاوفها من خطورة ما ذكرته الوزيرة من تنافس الوزارات على المجتمع المدنى حتى لا يتفكك الإطار المؤسسى المنظم لعمل هذه الجمعيات.
ودعت الدكتورة نهى المكاوى ممثل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمؤسسة فورد مصر، إلى ضرورة زيادة التمويل المحلى للمجتمع المدنى، خاصة فى ظل النظرة السلبية من المجتمع المدنى والتشكيك فى نواياه والتقليل من قدرته، وشددت على أن تحسين الأداء والأثر للمجتمع المدنى يرتبط بحراية تداول المعلومات ووجود قاعدة بياناات معلوماتية.
وأشارت المكاوى إلى أن اشتراط القطاع الخاص على من يرغب العمل أن يتطوع لفترة من الوقت فى المجتمع المدنى، يمكن مع الوقت أن يخلق حافزا تشجيعيا.
من جانبها لفتت رنده الزغبى مديرة برامج مصر بمركز المشروعات الدولية الخاصةCIPE، إلى ضعف الشفافية بالجمعيات الأهلية نتيجة ضعف مؤسسى، واستئثار مجالس الإدارات بالقرارات والسلطة دون إشراك الجمعيات العمومية، لافتة إلى ضرورة إعادة النظر فى وجود مؤسسات مجتمع مدنى كبيرة وفاعلة خارج إطار وزارة التضامن الاجتماعى المعنية بهذا الملف، مثل اتحاد الصناعات، والاتحادات التابعة لوزارة الشباب والرياضة.
ولفت الدكتور على عونى مدير مركز جون د. جيرهارت للعمل الخيرة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إلى أن المجتمع المدنى فى مصر صعيف رسميا، فى حين يوجد عدم رسمية كبيرة فى العمل المدنى، وهو ما أرجعه لتعقد التشريعات والقوانين التى تحول دون رغبة الأفراد فى المشاركة بالعمل المدنى الرسمى، وتفضيل العمل المدنى غير الرسمى.
وفى نهاية اللقاء أعربت وزيرة التضامن عن سعادتها بتوصيات الدراسة والتعليقات عليها، والتى تعد أول دراسة للمجتمع المدنى منذ سنوات طويلة، مقترحة اللقاء كل 3 أشهر لمتابعة تنفيذ التوصيات.
وشددت الدكتورة عبلة عبد اللطيف أن بداية الموضوع تتمثل فى مصالحة الدولة وتقبلها للمجتمع المدنى باعتباره شريكا، مؤكدة أنه لو ظهر بقوته بما يتناسب مع عدد السكان فى مصر كان يمكن أن يحدث فرقا كبيرا فى فترة كورونا.