الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نون النسوة

نهال علام
نهال علام

لا أؤمن بالشهادة المجروحة، فالشهادة إما عن ظهر حقيقة أو باطنها نوايا مدفوعة! 
واليوم أبرئ شهادتي من الجروح فهي تلك الوقائع التي ضمدت العديد من القروح وجبرَت خاطِر  عن عَمد أو لأنه دون سَند، ويكفي أن شهادتي يشهد عليها الله وقلبي، فكوني طَرف لا يضعف قولي ولكن يقوي عزمي على أمري، ويدفع إصراري لأسأل وأطرَح وأبوح، ربما لن أضيف جديد ولكن الطرق على الحديد قد يعيد تشكيل الطريق من جديد، فمن رحِم تلك الدمعة وهذه الابتسامة وذلك الضلع الأعوج جاءت نصف الدنيا لتقدم للدنيا نصفها الآخر!

إنه شهر مارس وما أدراك ما مارس، هو شهر الملجأ والملاذ لكل فائز نصفَهُ الزمان وأرهقته الأيام، ففيه اليوم العالمي للشهيد والربيع والمرأة والأم، ولا أظن أن عيد المرأة في مثل هذا اليوم محض صدفة سياسية أو تداعيات اجتماعية، بل هو تدابير كونية، فالمرأة هي ربيع الحياة وأم المجتمع وشهيدة الواجب لأسرتها تضحي براحتها وسعادتها عن طيب خاطر دون التفكير في المخاطر.
ورغماً عن ذلك فما تمر به النساء في كل المجتمعات الشرقية والغربية لازال يحمل قدر من الدونية المغلفة أحياناً بسلوفان العاهات المجتمعية أو الأعراف التي يصبغونها بصبغة دينية، وحتى في الدول المتقدمة يعولون عدم استحقاقها للإنصاف بسبب طبيعتها الفسيولوجية المتغيرة، فكونك امرأة يجعل تهمتك معلبة وهزيمتك جاهزة!

وتلك ليست نظرة سوداوية بل هي نقلة واقعية عن ما يحدث لحظياً لنساء العالم في كل أرجاء الأرض، فتاريخياً ارتبط دور النساء بالمكوث في الكهوف ورعاية من في اللفوف وتربية عدد من الفِراخ على كام خروف ومراقبة المحصول في مختلف الظروف، حتى ينتهي زوجها المفتول من الصيد وجني الثمار وتأمين المكان!
توزيع مهام بديهي ولكنه أصاب المرأة في مقتل على مَرّ العصور وكأنها أدّت دور مشين، فالكثير ينظر لهذا الدور بانتقاص وليس على أنه أساس ليستمر ايقاع الحياة بانتظام، وكلٌ يبذل جهد بما أوتي من سِعته لكن هذا لا يعني أن دورها غير مُجدي ومشاركتها غير فعالة، بل يعني أنها أجادت فيما صنعت بهدؤ دون صخب فاضي وضوضاء بلا داعي.

سنوات وسنوات والمرأة تقاتل لتخرج من ذات الكهف، فالزمان تغير والكون تطور ولم يعُد هناك مكان لأهل الكهف! ففي تلك الحقبة العتيقة كانت المتطلبات داخل فِناء الدار على قدم المساواة مع ما في العراء، ولكن اليوم وقد تعمَر الكون فهو بحاجة مُلحة لطاقة العطاء لدى النساء داخل وخارج جدران المنازل، ومن مدعاة العجب أن أهم سبب وراء مشاكل المرأة ذلك الشعور بالاحتياج لها!

فكل ما هو جميل في العالم مؤنث الأم والأخت والزوجة والصديقة والابنة، المودة والرحمة والسعادة والفرحة متوجين بتاء التأنيث، أما الأرض والشمس والجنة فهما روح الأنثى، ودعني أحدثك عن الدقة والرقة والثقة إذا دققت النظر ستجد ملامح امرأة احبت فاخلصت فغزلت للعالمين شاهداً، الواحة الناعمة في قلب الجبل القاسي ما هي إلا استراحة أنثوية من قسوة الطبيعة الذكورية، الأمنيات والذكريات والسماوات فاتنات يطفن في دنيا الحلم والواقع ليصبحن الجسر الآمن بين العالمين.

المرأة عالم من الجنون ولِما لا فذلك سر جمال الكون، ضحكتها كأجراس الأعياد ودمعتها هي سيول على وادٍ غير ذي زرع ولا نبات، من رحمها كان العالم ومن قلبها استقامت الحياة.
في الشدة سند وأثناء الأزمة وتد، تلقي طقوس المحبة ببساطة وتتحدث لغة الكون بطلاقة، وتتفهم الدنيا عن ظهر حب، لذا تخشاها الدنيا فهي لها نِد، وفي وقت الجد حائط صد ولألاعيبها دائما جاهزة بالرد.
حرب نفسية تخوضها النساء لتتجاوز اختلافاتها وتقفز فوق أوجاعها، لتمضي بنفسها وحياتها لبر الأمان، فهل سألتم أنفسكم ماذا تريد النساء؟

هل أمان وحنان! أم تكامل وتفاعل! ربما تقبل بلا تجاوز! فمشاكل النساء متشعبة من البثرة في جبهتها والشعرة البيضاء في غرتها وصولاً لكيف تصنع حياتها! أزمة ثقة بالنفس صنعها المجتمع الذي يريد منها أن تكون جميلة لتتزوج ومتفوقة لتتعلم ومكافحة لتعمل ودلوعة لتعيش، وأرض خصبة لتنجب وآلة لتلبي متطلبات البيت والزوج والعمل، ومقاتلة لتتعامل مع الشارع الذي لم يتعلم بعد أن يوقرها ويحترمها، المرأة تعاني! 
وأكبر معاناتها عدم احتوائها، فحنان الأب وربتة الأخ وعدم تدخل المجتمع في أدق تفاصيلها رفاهيات لا تحظى بها النساء عادة، فالأمر ممتد من الأب صاحب الكلمة في اختياراتها وحتى البواب ذو السلطة على تحركاتها، كما أن النساء دائماً في مرمى مدعي التدين، كبت نفسي يشعله جنون الترند وأي اساءة تستهدفها، مما يجعل تقويمها مشاع للجميع، وكأن طريق الجنة لا يمُر إلا على أنقاض حريتها!

لذا فالسؤال الأشهر والأكثر استفزازاً "عايزين إيه تاني؟ " يجب أن يجيب عليه الرجل منفرداً، فما وصلت له المرأة من استحقاقات تاريخية وخاصة في مِصر هو فِكر دولة وإرادة سياسية ورؤية حقيقية لرئيس الدولة التي آمنت بالنساء ودورهن واحترمت عطائهن على مرّ الزمان، لم تأتي مكتسبات المرأة من تولي حقائب وزارية ومشاركتها البرلمانية ووصولها للمنصات القضائية بفضل من يطرح السؤال! 
فما تتمناه النساء أن يتعامل معها المجتمع أنها رأس واكتمل بالجسد، وليست جسد وجارى البحث عن رأسه!

تحية لكل امرأة سهرت ليلاً تراعي أسرتها، وعملت نهاراً لتكفي احتياجتها، وفي يوم عيدنا والعالم يحتفل بنا فقط نذكرهم بما نريد من مساواة حقيقية، ليس فقط في التعليم والعمل فتلك حقوق اساسية، وإنما اتحدث عن المساواة الداخلية وهي أن نتعامل سوياً نساء ورجال دون تمييز، فالقدرات الفردية والعقلية تختلف بين أبناء النوع الواحد، وهذا التنوع سر جمال الكون وتكامله والدافع الحقيقي لتفاعله، إلى كُل نون النسوة التي دائماً ما كانت أسوة دمتي بخير لتظل الحياة بخير، فالحياة في الأصل أنثى!