يستمر الهجوم الروسي على أوكرانيا لليوم الثامن على التوالي، وسط مطالبات دولية بالتهدئة واللجوء على حل النزاع دبلوماسيا، كما لجأت الدول الغربية إلى فرض العديد من العقوبات على روسيا، لإضعاف اقتصادها، أما على الأرض فالقصف الجوي والعسكري مستمر على أوكرانيا والبنية التحتية العسكرية الخاصة بها.
ومع بداية الغزو، طالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الغرب بالقتال جانبه ضد روسيا والإسراع في انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، ولم يستجب له أحد طبقا لتصريحاته، ولكن خرج مؤخرا في تصريحات بثها عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، كما طالب المجتمع الدولي والغرب بقيادة الولايات المتحدة، بإغلاق المجالات الجوية بالكامل أمام الصواريخ والطائرات الروسية.
وقال زيلينسكي إن القوات الروسية نفذت في عدة أيام أكثر من 56 ضربة صاروخية في أوكرانيا، وأطلقت 113 صاروخ كروز، بينما لم يحدد آلية فرض الحظر الجوي الذي طالب به.
منطقة الحظر الجوي
وفي هذا الصدد، نستعرض ما هي منطقة الحظر الجوي، وهل تستطيع أمريكا والغرب فرضها بأوكرانيا حقا، أم يظل المجال الجوي الأوكراني مسيطرا عليه بالكامل من القوات الجوية الروسية؟ هذا ما نستعرضه خلال التقرير التالي.
الحظر الجوي، هو منطقة يمنع فيها تحليق الطائرات التابعة لدولة معينة في أجواء منطقة الحظر، وقد يكون ذلك استنادا إلى قرار من مجلس الأمن الدولي، أو قرارات فردية من بعض الدول كما حدث في العراق أوائل التسعينيات من القرن الماضي، ويتطلب فرض الحظر الجوي إقامة دوريات جوية دائمة فوق المجال الجوي للدولة المستهدفة وتدمير أي طائرات أو صواريخ الدفاع الجوي.
وهذا يعني حرمان قوات جوية تابعة لبلدان معينة من السيادة الجوية في منطقة الحظر سواء كانت على أراضيها، أو أراضٍ أخرى، ويتم إفساح المجال لقوات أخرى تمتلك السيادة الجوية.
من ضمن أشهر الحوادث التي تم فيها تطبيق منطقة الحظر الجوي، كانت كالتالي:
العراق أوائل التسعينيات
بعد انتهاء حرب الخليج الثانية عام 1991، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، حظرا جويا على العراق، وعرف بمناطق الحظر الجوي شمالي العراق وجنوبه، وكان بحجة حماية الأكراد والشيعة، وفي عام 1996 انسحبت فرنسا وفسرت انسحابها بأن منطقة الحظر أخذت منحى وأهداف أخرى غير الأهداف الإنسانية.
وانتهى العمل بمنطقة حظر الطيران في العراق، مع بداية الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.
في عام 1992 خلال نزاع البلقان، أصدرت الأمم المتحدة قرارا يحظر الرحلات الجوية العسكرية غير المصرح بها في المجال الجوي البوسني، وأيضا أصدر مجلس الأمن قرارا مماثلا بحظر الطيران في يوفسلافيا الاتحادية إبان الحرب في البوسنة والهرسك، وكان ذلك في 30 مايو من نفس العام 1992، وكان الناتو مسئولا عن تنفيذ القرار.
تاريخ الحظر الجوي في ليبيا
وفي أوائل التسعينيات أيضا، عوقبت ليبيا بالحصار الاقتصادي والحظر الجوي، بعد اتهام الليبيين بالتسبب في تفجير طائرة أمريكية وهي القضية التي عرفت في قضية لوكربي، ونص القرار وقتها على عدم السماح لأي طائرة بالإقلاع من إقليمها أو الهبوط فيه أو التحليق فوقه إذا كانت متجهة إلى ليبيا أو قادمة منها، إلا في حال نالت الرحلة أساس وجود حاجة إنسانية هامة موافقة مجلس الأمن.
وحظر القرار أيضا تزويد ليبيا بأي طائرة أو قطع طائرات أو توفير خدمات الهندسة والصيانة للطائرات الليبية أو أجزاء الطائرات الليبية، وتم رفع الحظر بقرار من مجلس الأمن في سبتمبر 2003.
أما المرة الثانية التي تم فيها فرض منطقة حظر جوي في ليبيا، كانت في مارس 2011، عندما وافق مجلس الأمن على قرار مشروع بفرض حظر جوي في ليبيا بسبب استخدام ليبيا الطائرات الحربية في قمع المظاهرات، وتمت الموافقة على القرار الذي تقدمت به كل من بريطانيا وفرنسا وبعض الدول العربية، وحصل على أغلبية 10 أصوات مقابل امتناع 5 أعضاء عن التصويت منها روسيا والصين وألمانيا، وكان الناتو مسئولا عن تنفيذ القرار.
الحظر الجوي في الولايات المتحدة
حدث ذلك مرة وحيدة عندما تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية لهجمات 11 سبتمبر عام 2001، واعتبر معظم الأجواء الأمريكية مناطق يحظر فيها الطيران، نظرا للفوضى الكبيرة التي حدثت في المجال الجوي الأمريكي من سرقة الطائرات واستهداف أبراج التجارة العالمية، ولم يكن أمام الإدارة الأمريكية إلا حظر الطيران للقضاء على أي طائرة لا تمتثل للأوامر، وقد نجحت هذه الحيلة في تنقية الأجواء ولكن بعد خسائر كبيرة.
الحظر الجوي في اليمن
بعد طلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أعلنت المملكة العربية السعودية أجواء اليمن منطقة محظورة اثناء عمليةعاصفة الحزم في القتال ضد جماعة أنصار الله الحوثي.
الحظر الجوي في أوكرانيا
مما تم عرضه، يمكننا الاستنتاج أن فرض الحظر الجوي في أوكرانيا، يعني وجود قوة عسكرية أخرى غير القوات الجوية الروسية التي تمتلك السيادة حاليا، نظرا لخروج أوكرانيا وقواتها الجوية من الحرب مبكرا، وهذه القوات هي تحديدا القوات الجوية لحلف الناتو، والتي عليها أن تتولى مهمة فرض الحظر الجوي بالقوة، أي الاشتباك مباشرة مع الطائرات الروسية التي يتم رصدها فوق أوكرانيا.
وهذه الخطوة تعني تصعيدا كبيرا في مسار الحرب، لأنها ستكون المواجهة المباشرة بين روسيا والناتو، ولكن الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ، استبعد تورط الحلف، في فرض منطقة حظر طيران، في أوكرانيا.
وقال ستولتنبرغ، في تصريحات إعلامية، إن الناتو ليس لديه نية للتحرك نحو أوكرانيا، سواء على الأرض أو في الجو.
انسحاب بريطانيا وأمريكا من المهمة
من ناحية أخرى، أوضح وزير الدفاع البريطاني بن والاس، أن بريطانيا لن تساعد في فرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا لأن قتال الطائرات الروسية سيؤدي إلى حرب عبر أوروبا، مؤكدا أنه لن يشعل فتيل حرب أوروبية، لكن ما سيقدم فقط مساعدة أوكرانيا على القتال في كل شارع وبكل قطعة سلاح يمكن تقديمها.
استبعدت أيضا الولايات المتحدة المشاركة في مهمة الحظر الجوي، لأسباب مماثلة لبريطانيا، لأن تزايد التصعيد مع روسيا يسمح بوجود شبح الأسلحة النووية، خاصة بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه وضع القوات النووية الروسية في حال تأهب.