بعد أن بدأت روسيا حربها على أوكرانيا، أصبحت التساؤلات كثيرة حول ما الذي يمكن أن تصل إليه موسكو أو ما أبعد نقطة يمكن أن تصل لها داخل أوكرانيا، كما أن البعض شبه ما حدث في أوكرانيا بالغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حين أعلن بدء العملية العسكرية الروسية، قال إن الهدف حماية إقليم «دونباس»، لكن الهدف يبدوا مطاطا، إذ أنه غير معروف ما الحدود التي عندها يمكن تحقيق تلك الحماية المنشودة لهذا الإقليم الانفصالي وفق المنظور الروسي.
في هذا السياق، يقول تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية ، أنه من الواضح الآن أن روسيا تسعى للإطاحة بحكومة أوكرانيا ورئيس أوكرانيا فلوديمير زيلينسكي، خاصةً أن الرئيس الروسي قال إن هدف عمليته العسكرية «تحرير أوكرانيا من الاضطهاد وتطهيرها من النازيين»، على حد تعبيره، بل ومحاكمتهم.
وعندما دخلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى العراق عام 2003، زعمت أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، وأسقطت نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ووصلت به إلى حبل المشنقة، بعد محاكمته بتهم ارتكاب جرائم حرب وغيرها.
الولايات المتحدة استمرت في العراق رغم إسقاط النظام، وعندما دخلت أمريكا العراق كان البعض يظن أنها ضربات خاطفة تهدف لإسقاط النظام فقط، لكنه كان احتلالا شاملا واستمرت أمريكا لسنوات طويلة داخل العراق.
وقالت هيئءة الإذاعة البريطانية إنه في الأيام التي سبقت الهجوم الروسي، عندما كان ما يصل إلى 200 ألف جندي بالقرب من حدود أوكرانيا، كان تركيز روسيا العام مقتصرا على المناطق الشرقية من لوجانسك ودونيتسك.
ومن خلال الاعتراف بالمناطق الانفصالية التي يسيطر عليها الوكلاء الروس على أنها مناطق مستقلة، كان «بوتين» في الواقع يخبر العالم أنها لم تعد جزءا من أوكرانيا، ثم كشف أنه يؤيد مطالبهم بمزيد من الأراضي الأوكرانية، حيث تغطي الجمهوريات الشعبية التي أعلنت نفسها جمهوريات من طرف واحد أكثر من ثلث مناطق لوجانسك ودونيتسك، لكن تلك القوات الانفصالية كانت تطمع في الباقي أيضًا.
لكن الوضع في أوكرانيا يختلف عن العراق، فإن روسيا كانت مضطرة لحفظ الأمن القومي، كما أن أوكرانيا لم تنفذ أيا مما نص عليه اتفاق مينسك، كإجراء الانتخابات والعمل على تشكيل حكومة جديدة ورئاسة جديدة وأخلفت كييف وعودها، وبالتالي اضطرت روسيا لتنفيذ استراتيجيتها الحالية.
من ناحية ثانية، فإن الأمر في أوكرانيا نوع من أنواع صراع النفوذ بين موسكو وواشنطن، إذ تقلص النفوذ الأمريكي بعد الخروج من أفغانستان والعراق وتقليص القوات في سوريا تقريبا، أي أن كل التدخلات الأمريكية في الشرق الأوسط لم تحقق أي نتائج، على حد قوله.
و التدخل الروسي أيضا صراع على الطاقة، فأمريكا صاحبة الثروة الأولى للغاز تريد أن تلجم تحركات روسيا في مجال تصدير الغاز، خاصةً من خلال خط غاز نورد ستريم 2، ما يعني تأثيرا أكبر لموسكو داخل القارة العجوز اقتصاديا.
اما ظهور الميليشيات في أوكرانيا والمخاوف من تكرار سيناريو العراق، فبالأمس واليوم، أمرت السلطات الأوكرانية كل مواطنيها الذين يستطيعون حمل السلاح بحمله لمقاومة ما أسمته «الغزو الروسي»، فيما كشفت وزارة الدفاع الأوكرانية عن توزيع نحو 18 ألف بندقية على من أسمتهم «متطوعين» للدفاع عن العاصمة كييف.
وعما إذا كان ذلك من شأنه خلق ميليشيات مستقبلا، في تشابه مع سيناريو الميليشيات في العراق بعد الغزو الأمريكي، و أن أوكرانيا لن تكون مثل العراق، نظرا لاختلاف استراتيجية واشنطن إزاء بغداد عند الغزو عن استراتيجية موسكو حيال كييف.
وروسيا لن تخرج من أوكرانيا إلا بعد إيجاد رئيس قوي وحكومة قوية، ولن تترك الفرصة لوجود ميليشيات في أوكرانيا، لأن وجودها يعني استمرار الخطر الأمني على روسيا، خاصةً أنها تتشارك مع أوكرانيا في الحدود.
وفي المقابل، ليس لدى واشنطن أية حدود مع العراق وإنما مسافات جغرافية بعيدة، وبالتالي لم تكن منشغلة كثيرا بمسألة انتشار الميليشيات هناك في العراق وإنما مسافات جغرافية بعيدة، وبالتالي لم تكن منشغلة كثيرا بمسألة انتشار الميليشيات هناك.