لا يزال شبح الحرب الروسية الأوكرانية، يخيم بظلاله على شرق القارة الأوروبية، جاعلا من القارة شعلة نار متقدة ساحبا منها أمنها واستقرارها الذي ظل يلازمها لفترات زمنية طويلة، ومع تقدم القوات الروسية المستمر في الأراضي الأوكرانية وقربها من العاصمة كييف لا تسيطر على العالم إلا فكرة وقوع الحرب العالمية الثالثة التي تنهي على نصف كوكب الأرض مع التطور الهائل في القدرات العسكرية للدول خاصة الدول الغربية وروسيا صاحبة الحرب والصين التي تنظر وتراقب المشهد من بعيد.
وبعد مرور 8 أيام على بدء شرارة الحرب استطاعت القوات الروسية التقدم نحو العاصمة الأوكرانية كييف ومحاصرتها استعدادا لدخولها وسط ارتفاع أصوات الادانات الغربية لروسيا والرئيس فلاديمير بوتين، حيث بدأت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها دول الاتحاد الأوروبي التنفيذ الفعلي لعقوباتهم الاقتصادية التي فرضوها على الجانب الروسي اعتراضا منهم على غزو أوكرانيا.
ولم تكتف الدول الغربية بفرض العقوبات الاقتصادية، ولكن قامت بإرسال شحنات عسكرية إلى الجيش الأوكراني لمساعدته في الحرب ضد روسيا، حيث أعلنت الولايات المتحدة إرسال قاذفات مضادة للدبابات، كما أعلنت بريطانيا ارسال مساعدات عسكرية وتأمينها للوصول إلى الجيش الأوكراني، وغيرهما من الدول الأوروبية التي أعلنت تضامنها مع كييف ضد موسكو.
الوسيط الصيني في الحرب
وعلى الجانب الأخر من الحرب تقف الصين بجانب روسيا بشكل كبير منددة بالعقوبات الغربية عليها التي تعتبرها خطوات خاطئة من جانب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للتعامل مع الوضع الراهن وخاصة الدولة الروسية.
ومع التقارب الكبير بين الصين وروسيا في الوقت الراهن، تتجه أنظار العالم إلى الصين بأن تكون هي المنقذ من الحرب القائمة الآن بين روسيا وأوكرانيا وتعمل كوسيط بين الأثنين، نظرا لعلاقاتها الطيبة مع الجانبين.
دعوة الصين لإيجاد حل
وقد دعت الصين كلا من أوكرانيا وروسيا، لإيجاد حل للأزمة الحالية من خلال المفاوضات، وأعربت عن دعمها لجميع الجهود الدولية البناءة لصالح التوصل إلى حل سياسي، وجاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية الصيني وانج يي، مع نظيره الأوكراني دميترو كوليبا.
وخلال المكالمة، قال وانج إن الصين تأسف بشدة لتصاعد الأزمة بين روسيا وأوكرانيا وتولي اهتماما خاصا للضحايا من المدنيين، مؤكدا أن موقف الصين من الأزمة الأوكرانية عادل وشفاف.
وأشار وانج إلى أن الصين تؤمن دائما بأن أمن أي دولة لا يمكن أن يتحقق على حساب أمن الآخرين، ولا يمكن تحقيق الأمن الإقليمي من خلال توسيع الكتل العسكرية، وحث وانج، كوليبا، على ضمان سلامة المواطنين الصينيين في أوكرانيا، مؤكدا أن الحكومة الصينية تولي أهمية كبيرة لسلامتهم في جميع الأوقات.
من جهته قال كوليبا، إن الصين لعبت دورا بناء في القضية الأوكرانية، مضيفا أن كييف مستعدة لتعزيز التواصل مع بكين، وتتوقع جهود الصين الجيدة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار.
وأشار وزير الخارجية الأوكراني، إلى الجولة الأولى من المفاوضات مع روسيا، مؤكدا أن إنهاء الحرب يمثل أولوية قصوى بالنسبة لأوكرانيا، المنفتحة على التوصل إلى تسوية عن طريق المفاوضات.
الصين تتأسف عن الحرب
وفي اتصال أخر، أعرب وزير الخارجية الصيني وانغ يي عن أسفه الشديد للنزاع بين موسكو وكييف، آملا في اتصال هاتفي مع نظيره الأوكراني دميترو كوليبا، الثلاثاء، بايجاد سبيل لحلّ الأزمة دبلوماسيا، وفق ما أورد الإعلام الرسمي في بكين.
وأكد وانج أن بلاده تعرب عن أسف شديد لاندلاع نزاع بين أوكرانيا وروسيا، وتبدي اهتمامًا بالغًا إزاء الأذى الذي يلحق بالمدنيين.
ودعا الوزير الصيني الطرفين خلال هذه المحادثة التي جرت بناء على طلب أوكرانيا إلى إيجاد طريقة لحل الموضوع عبر المفاوضات، مضيفًا أن الصين تدعم كل الجهود الدولية البناءة التي تؤدي إلى حل سياسي.
وقال كوليبا إن أوكرانيا تنتظر بفارغ الصبر أن تفتح الصين الوساطات من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
تفهم الصين للموقف الروسي
وفي هذا الصدد، قال رامي إبراهيم، الباحث في الشؤون الدولية، إن الحرب الروسية الأوكرانية كشفت عن وجود تفهم صيني كامل للموقف الروسي، وهو ما وضح في تأكيد بكين تفهمها مخاوف موسكو الأمنية المشروعة من انضمام كييف لحلف شمال الأطلسي "الناتو".
وأضاف إبراهيم في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن بكين رفضت علنا إطلاق مصطلح "الغزو" على العملية العسكرة الروسية في أوكرانيا الذي أوردته بعض وسائل الإعلام، ولعل هذا يؤكد أن هناك اصطفاف "روسي - صيني" في مواجهة النفوذ الغربي، وخاصة نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية التي تسببت سياساتها في معاناة الدولتين، كما دعم هذا الاصطفاف المخاوف الروسية وأيضا الصينية من تمدد الغرب شرقا، حيث تاريخيا عانت آسيا كثير من الحقبة الاستعمارية.
وأشار إلى أن التنسيق الاقتصادي بين روسيا وبكين تأتي بهدف تعزيز التبادل التجاري بينهما بالعملات المحلية وبعض الأنظمة المالية التي تتم خارج النظام النقدي الدولي، بهدف امتصاص العقوبات الغربية المفروضة أو التي ستفرض على روسيا وقد تفرض أيضا على الصين حال اتجهت إلى غزو تايوان.
إعادة صياغة النظام الدولي
ولفت الباحث في الشؤون الدولية إلى أن جلسة مجلس الأمن الدولي الطارئة كشفت عن رغبة حقيقية لدى كل من روسيا والصين والهند وبعض الدول الاسيوية في إعادة صياغة النظام الدولي وإنهاء عصر التعددية القطبية، خاصة بعدما فشل المجلس في إصدار قرار ضد الهجوم الروسي على أوكرانيا، حيث استخدمت موسكو حق الفيتو، وامتنعت الهند والصين عن التصويت.
لا تستطيع القيام بدور الوسيط
ورأى إبراهيم أن الصين لن تستطيع القيام بدور الوسيط في ظل تحيزها الواضح للجانب الروسي، حتى وأن كانت تستطيع تقديم شيئا للأزمة، فلن تسمح الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة وأنها تريد الحفاظ على هيمنتها وتقليم أظافر الدب الروسي ومخالب التنين الصيني وأوكرانيا هي الطعم.