الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أفواه وأرانب

نهال علام
نهال علام

للمصريين عادات عتيقة وتقاليد رتيبة، قليلها مقبول وكثيرها معلول وبينها ما يرفضه تماماً المنطق المقبول والعقل الموزون، المصري يحصل على المركز الأول بجدارة في الاحتفاظ بالروبابيكيا المنزلية والكراكيب العقلية، وليس بالأمر الجلل أن تؤرقه وتنكد واقِعه فهو لا يُبالي، فخالص همه أن يحافظ على موروثات أُمه وعَمُه.

ومن أكبر النكبات عندما تُنتج تلك الثقافة كائنات إنسية لتعيش منسية ومسلوبة الحق في الحياة، إنها ثقافة المفرخة آفة هذا الوطن التي تشبه المطرقة على رأس التنمية.
ولكن لكل شئ حَدُه ونحن في مصر تجاوزنا الحدود حتى بتنا على مقربة من أخدود يبتلع بنية الوطن الأساسية وجهوده الاقتصادية والأمل في الارتقاء ببنيته الإنسانية!

"بييجي برزقه" "عزوة" "يسندوني" ثقافة متوطنة بين طبقات كثيرة في المجتمع، أما عبارة "لحد ما جبت الولد" فلا زالت ثقافة مُجتمَع على حب الذكورة مُجتَمِع!
2.5 مليون نسمة زيادة سنوية في عدد السكان! كابوس مرعب آي شوارع ومدارس ومنازل ومستشفيات وخدمات ومرافق عامة ستتحمل هذا العدد، فالتنمية مع هذا الوضع أشبه بمن يحرث البحر!
استفحل الوضع الإنجابي في مصر، وما يثير الانتباه أن تلك المواليد الكثيرة لا تعكس أن الأسر سعيدة، وذلك شئ مثير للعجب، أليس لتلك الأُسر عقل رشيد يسدي لها  النصيحة بأن العيال غاية وليست هدف! الذكر الحكيم قدّم المال على البنون، فما الحكمة في ميراث الفقر والعوز!

تغير الزمان ولم تعد صحة المرأة البدنية والنفسية تستوعب تلك الطريقة العشوائية لعدد الاطفال، كما تغيرت طبيعة الأطفال وتربيتهم في وسط تلك المستحدثات الاجتماعية والتكنولوجية والعالمية وأصبحت تربية الطفل أشبه باختراع الذرة.
لذا إذا كان الإرث السابق أن الشارع بيربي! فنوعية الشارع تغيرت مع تلك المتغيرات فذلك الشارع في أغلب الأحوال هو حضّانة للعنف والجريمة والمخدرات والتحرش، نسبة الكسل في جيل الآلة مرتفعة لذا قدرتهم الانتاجية منخفضة وتلك متطلبات العصر الذي يحتاج لتربية عقلية وليست عضلية.

وإذا نظرت حولك ستجد أن حلم الشباب أن يصبح مغني أو بلوجر والنشيط منهم لاعب كورة، والفتيات أيضاً أمتهن طرق الحلم السهل من موديل لخبيرة تجميل وكل ما لا يعتمد على المجهود والتفكير، لذا كانت النتيجة التي نراها من فئات عريضة لا عمل لها إلا التيك توك والتوك توك الذي أدى لخسارة عمالة كثيرة وامتهان الفتيات البيع عبر صفحات الأون لاين كوسيط بين دول بتصنع كل شئ لدولة بتستهلك أي شيء!

قديماً كان الفلاح ينجب عددًا كبيرًا من الأبناء لمساعدته في عملية الزراعة المعقدة أما اليوم كل العمليات مميكنة ولازال الانجاب بمنطق الأرنب، متوسط عدد الأطفال في الريف يفوق الخمسة أطفال في الأسرة الواحدة أي أن هناك أسر مازالت تنجب بما يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة! ألم يشعر مُحبي الإنجاب بأن الزيادة السكانية كالعملة وجهها الآخر قلة الكفاءة وتدهور كل مناحي الحياة ببساطة.

لذا جاء مؤتمر تنمية الأسرة المصرية ليطلق صافرة الخطر للمجتمع المصري لينتبه أن الدولة وضعت استراتيجيات متكاملة لمعالجة أزمة الزيادة السكانية بمنظور شامل، تلك الزيادة التى استنزفت 400 مليار دولار لتحسين حياة المواطن على مدار سبع سنوات، ولا يخفى على أحد الآثار الإيجابية للمبادرة الرئاسية حياة كريمة والتي يستفيد منها 60 مليون مواطن في الأماكن الأكثر احتياجاً في ريف وصعيد مصر.

مجهودات جبارة وإنفاق ضخم تقوم به الدولة ولكن ماذا بعد لو استمرت الأمور على نفس المنوال؟ انفاق من أجل حد الكفاف من اللقمة والهدمة والأربع حيطان، ذلك الطريق يرسم مستقبل لا يليق بالمصريين، أهذا أكبر طموحاتنا! 
من 250 عامًا كنا 5 ملايين نسمة، لذا يمكنك حساب المتوالية العددية بما يتراءى لك كم عام يفصلنا عن النصف مليار نسمة!

تم تدشين " المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية " في يناير 2021 على أن يتم تنفيذه على مدار ثلاث سنوات، استهدف في عامه الأول محافظات المرحلة الأولى من مبادرة حياة كريمة التى شملت تنمية 1520 قرية،يتضمن المشروع خمسة محاور رئيسية لتنفيذ تلك الأهداف ومنها التمكين الاقتصادي والذي يشمل تنفيذ مليون مشروع متناهي الصغر وتدريب مليوني سيدة لإدارة المشروعات ومحو الأمية الرقمية والشمول المالي.

ثم محور التدخل الخدمي وذلك بتوفير وسائل تنظيم الأسرة والاهتمام بالصحة الإنجابية للمرأة، وأيضاً متابعة الفحوصات الطبية قبل الزواج، ويشمل المشروع أيضاً إنشاء منظومة إلكترونية باسم "منظومة الأسرة المصرية" لميكنة خدمات صندوق تأمين الأسرة وربطها بوحدات صحة وتنمية الأسرة، ومتابعة وتقييم أداء الخطة التنفيذية للمشروع وإدخال مؤشرات لقياس الأداء وتأثيرها على الأرض، وأيضاً إنشاء المرصد الديموغرافي لرصد الخصائص والمؤشرات السكانية على مستوى الجمهورية ورفع تقارير شهرية بعد تحليلها لتحديد القرى الأكثر احتياجاً للتدخل بحزمة الخدمات الثقافية والتوعوية والصحية.

ومن ضمن محاور المشروع فكرة واقعية تلامس هوى الأسر التي تتكاثر كما تتنفس وذلك بالحافز المادي، عن طريق تأسيس صندوق حكومي لتأمين وتنمية الأسرة الملتزمة بمحددات ضبط النمو السكاني.

نحن أمام لحظة فارقة؛ العودة أو اللاعودة، الدولة أخذت مساعيها فأين دور الأفراد! إما أن يُقرر مصير وطن بالعلم والحكمة أو نتركه لسطوة الموروثات العتيقة وظلام الجهل.
الزيادة السكانية لا رادع لها إلا وعي الفرد وإرادة الأسرة والأحساس بالمسؤولية المجتمعية، فالقانون قد يكون عامل ولكن ليس مانِع، لأن الفكر الأرنبي لا يهتم بالتعليم ولا جرعات التطعيم التي سيعاقب القانون بالحرمان منها، لذا لا بديل عن صناعة الوعي، فلا زالت الصورة كما رسمها الفيلم العبقري أفواه وأرانب من 45 عام كما هي لم تتغير فمتى سنقتنع ونغير؟