الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حرب أوكرانيا.. ونظرية المؤامرة

صدى البلد

 لو تناولنا الحرب في أوكرانيا من منظور " نظرية المؤامرة " ، فلا بد أن نوجه أصابع الإتهام للولايات المتحدة ، و جماعات الضغط "اللوبيز " التابعة لها ، بأنهما  نفذا  مخططا مدروسا  بعناية ،  لدفع روسيا لشن الحرب على  أوكرانيا ،  من خلال تشجيع  أوكرانيا للانضمام لحلف شمال الأطلنطي " النيتو " التابع لأمريكا ،  تمهيدا لنشر قوات الحلف على أبواب روسيا ، و هو ما ترفضه روسيا رفضا تاما  ، و تعتبره إضرارا جسيما بأمنها القومي . 

و تستهدف أمريكا و اللوبيز تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية  جراء استفزاز روسيا لدفعها  لشن الحرب على  أوكرانيا ،  لمنع  النيتو من الاقتراب من حدودها .  


أول هذه الأهداف : هو توتير الأجواء و إثارة العداء بين أوروبا و بين روسيا ، لمنع مزيد من تشابك  المصالح الاقتصادية المشتركة بين دول القارة الأوروبية   ، و الدب الروسي ، الذي أصبح المصدر الرئيسي للطاقة الأوروبية،  فلا تدفئة في منزل اوروبي ،  و لا عجلة انتاج تدور في  مصنع اوروبي،  الا بفضل الغاز الروسي .  


و ثانيا  : خنق  الاقتصاد الروسي ، لمنع فلاديمير بوتين ، من تحويل روسيا لنمر اقتصادي، لكي لا يدعم العضلات العسكرية و النووية الهائلة التي تمتلكها روسيا ، بعضلات إقتصادية و تكنولوجية .  
 و ثالثا : استكمال تحقيق المكاسب المادية  الهائلة من خلال زعزعة إستقرار العالم، لصالح اللوبيز خاصة لوبي البترول  في الوقت الحالي ،  بعد المكاسب الرهيبة التي حققها لوبي الدواء ، جراء فيروس كورونا و متحوريه لدرجة أن المتحور أصبح يضرب العالم و يصحبه في نفس التوقيت  بروتوكول عريض من  الأدوية. 


 فمن يشك في مخطط أمريكا  و اللوبيزالتابع لها في توتير الأجواء العالمية ، عليه أن يعقد مقارنة   ، بين تعامل أمريكا مع بوتين في الأزمة الأوكرانية ، و بين تعامل أمريكا مع صدام حسين في الأزمة العراقية،   ليتأكد  أنهما متطابقان  تمام التطابق. 

فمثلما طمأنت سفيرة الولايات المتحدة في بغداد،  صدام حسين ، بأن أمريكا لن تتحرك في حال قام صدام بإحتلال الكويت ، فإن الرئيس الأمريكي، جو  بايدن ، طمأن روسيا ، بأن  أمريكا لن تدخل في مواجهة عسكرية مع روسيا ، في حال شنت الحرب على أوكرانيا ، مع الفارق بكل تأكيد  بأن أمريكا لم تستبعد خيار الحرب مع روسيا ، إلا خوفا  من القوة العسكرية النووية الروسية،  القادرة على محو أمريكا من على الخريطة ، مثلما تمتلك أمريكا قوة نووية مماثلة قادرة على محو روسيا من على الخريطة  . لكن  لابد أن نشير هنا  إلى وجود " إتفاق الجنتلمان" بين أمريكا و روسيا ، رضت  أمريكا بمقتضاه باحتلال  روسيا لشبه جزيرة  القرم في 2014 بعد أن استقطعتها من أوكرانيا  ، مقابل تأمين روسيا لإحتلال إسرائيل للجولان السورية ، من خلال منع إيران و حلفاءها ، المكون من حزب الله ، و الجيش السوري ، من تهديد الجولان الذي أعترفت أمريكا في 2019 بضمه لاسرائيل . 
   فلو تحدثنا عن الهدف الأول:سنجد أن أكثر ما يقلق أمريكا ،هو تزايد العلاقات الإقتصادية بين روسيا و دول الاتحاد الأوروبي ال 27 ، بعد أن أرتفعت   الصادرات الروسية  لدول الإتحاد  الى  نحو  138 مليار دولار سنة 2021  ،معظمها  من الغاز و البترول . و ترى أمريكا ، أنه كلما زادت معدلات المبادلات التجارية بين روسيا و بين دول الاتحاد الاوروبي،  كلما وقعت أوروبا أكثر في براثن روسيا و مواقفها السياسية ، طالما أمتلكت روسيا حنفية الطاقة . لذلك تعارض أمريكا بشدة ، تشغيل خط أنابيب الغاز الروسي الجديد " نورد ستريم 2 " الذي من المقرر فور تشغيله ، زيادة  صادرات روسيا من الغاز لأوروبا بمعدل 56 مليارمتر مكعب ، لتقفز  إلى 110 مليار متر مكعب أي ضعف الصادرات الحالية  .و قد  حققت أمريكا ما أرادت من الحرب على أوكرانيا ، فقد أسفرت الحرب  على أوكرانيا ، عن إجبار ألمانيا على عدم تشغيل نورد ستريم 2 ، الذي إنتهت بالفعل روسيا من إقامته  في سبتمبر الماضي،  تحت مياه بحر البلطيق،  لمسافة 1200 كيلومتر ، وصولا للأراضي الألمانية . و ترى أمريكا أنه في حال تم تشغيل هذا الخط ستكون أوروبا قد إعتمدت بنسبة تزيد عن 70 في المائة في تدفئة منازلها و تشغيل مصانها بالغاز و البترول الروسي ، مقابل 40 في المائة في الوقت الحالي . و أدل من أهمية نورد ستريم 2 لأوروبا من مشاركة  شركات من ألمانيا ، و فرنسا،  و هولندا ، و النمسا،  لشركة "غاز بروم"  الروسية في إنشاء هذا الخط الذي يدخل الرعب في قلب أمريكا .و في نفس الوقت ينزل خط نورد ستريم 2 ضررا بالغا بالأقتصاد الاوكراني ، لأنه لا يمر عبر الأراضي الأوكرانية مثل معظم  الغاز الروسي المصدر لأوروبا ، بل يمر تحت مياه البلطيق ، مما يهدر ما يقرب من 2 مليار دولار عائدات سنوية لأوكرانيا،  نظير السماح لروسيا بمرور الغاز عبر أراضيها .و يعني ذلك مزيدا من الصعوبات الإقتصادية لاوكرانيا  ، و في هذه الحالة ستضطر أوكرانيا  للعودة لأحضان روسيا ، بعد أن فشلت الدول الاوروبية في مساعدة أوكرانيا إقتصاديا حتى الان بالشكل اللازم بعد انفصالها عن الاتحاد السوفييتي السابق . 


 أما الهدف الثاني لأمريكا : فهو العمل  بكل قوة لمنع روسيا من التحول  لنمر اقتصادي ، حتى  لا يدعم بوتين  عضلات بلاده  العسكرية و النووية بعضلات إقتصادية . فيكفي أمريكا ما تعانيه بعد  تحول الصين لمصنع العالم ، و إعتماد الدول الأوروبية المتزايد على المنتجات  الصينة  و على المكونات الصينية اللازمة لتشغيل مصانعها .  كما أن أكثر ما يزعج أمريكا في الوقت الحالي ،  هو العجز في الميزان  التجاري،  بين روسيا و دول الإتحاد الأوروبي،  الذي وصل إلى 70 مليار دولار لصالح روسيا بعد أرتفاع أسعار البترول . أما  أخطر ما يقلق أمريكا ، هو  الاستفادة التكنولوجية التي تحصل عليها روسيا من العلاقات الاقتصادية مع أوروبا ،  فروسيا تصدر لأوروبا بترول و غاز ، و تستورد منها في المقابل  تكنولوجيا متقدمة ، من أجهزة ،و معدات ، و مكونات دواء . ففي حال تحولت روسيا لنمر اقتصادي،  فإن ذلك يعني تدعيم نظام " سويفت الروسي - الصيني " الذي أطلقت عليه روسيا اختصارا "spfs" و الذي يمكن أن يغري  الدول الأوروبية لدخول هذا  النظام بمرور الوقت،   بدلا من نظام "سويفت الأمريكي"  الذي تعتبره أمريكا القنبلة الذرية النووية الإقتصادية التي تستخدمها حاليا لخنق الاقتصاد الروسي من خلال  منع البنوك العالمية من التعامل مع البنوك الروسية . يذكر أنه رغم أن أمريكا لم تستطع منع روسيا بشكل كامل من إستخدام نظام سويفت ، الا أن عددا  كبيرا  من البنوك العالمية ، قررت الخضوع للضغوط الأمريكية ، بوقف التعاملات البنكية مع البنوك الروسية ، مما يمثل ضربة قوية للصادرات و الواردات الروسية . 


 أما الهدف الثالث و الأخير لأمريكا من وراء دفع روسيا لشن الحرب على  أوكرانيا فهو ، زعزعة إستقرار العالم ، لترتفع الأسعار و على رأسها البترول ، لتحقيق المكاسب المادية الهائلة ، بعد أن قفز سعر البرميل  لأكثر من  100 دولار . فلوبي البترول الذي نجح في شراء البترول خلال أزمة كورونا و متحوريه في كثير من الأحيان ب 20 دولار للبرميل خاصة من بعض دول الخليج ، يريد اليوم أن يحقق المليارات من إعادة بيعه بفارق السعر ، بعد أن قام هذا اللوبي بتخزين البترول لفترات طويلة . و لا أدل من صحة ذلك ، على ما أعلنته أمس الأحد  الولايات المتحدة عن استعدادها لأستخدام الإحتياطي الاوروبي و الأمريكي من البترول لمواجهة إرتفاع الأسعار . و مما لا شك فيه فإن هذا البترول  ليس من  الاحتياطي الاوروبي الامريكي ، لكن مما تم تخزينه خلال فترة تدهور أسعار البترول في أوج أنتشار فيروس  كورونا . يذكر أن روسيا تصدر بترول و غاز للعالم بما يقرب من 250 مليار دولار،  لا تحصل منهم أمريكا على دولار واحد ، في وقت تعتبر فيه أمريكا ، و لوبي البترول الخاضع لها ، أن كل برميل بترول ، و كل متر مكعب من الغاز يخرج من باطن  الأرض هو ملك لهما . و يكفي أن نعلم ، أن روسيا  تستخرج البترول ،  و تسيل الغاز،  و تقيم خطوط الأنابيب،  برا و بحرا ، بواسطة شركاتها ، و هو ما لا ترضاه أمريكا و اللوبي التابع لها  . 


 وأخيرا يبقى السؤال هل سيصمد  بوتين في مواجهة أمريكا و اللوبيز الذي يدور في فلكها،  أم ستجبره العقوبات الإقتصادية للخضوع لهما بترك النيتو يقترب من حدود بلاده   ؟. سؤال ستجيب عليه الأسابيع و الأشهر و السنوات القليلة القادمة .