قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ،إنه مع مناسبة الإسراء والمعراج , جال بفكري عدد من الخواطر الشاملة تتناسب مع جلل هذا الحدث وانفراده في تاريخ البشرية, فالمرحلة التي قام بها ﷺ في إسرائه إلى بيت المقدس ثم معراجه إلى ما فوق السموات السبع لينتهي به المطاف عند سدرة المنتهى في عدة دقائق محدودة ليعود فيجد فراشه مازال دافئا أمر لم يتكرر مرة أخرى مع بشر, هذا إن دل على شيء فيدل على مدى تميز هذه الحادثة عن بقية التاريخ الإنساني جملة وتفصيلا.
وأضاف جمعة عبر الفيسبوك: وتتلخص هذه الخواطر فيما يلي: الأمة الإنسانية أمة واحدة, ويتوج حدث الإسراء والمعراج هذا المعنى, إذ التقى رسولنا الكريم ﷺ بإخوانه الأنبياء, وصلوا صلاة واحدة يؤمهم فيها ﷺ , إشارة إلى أن هذه الأمة تتبع جميع الأنبياء وتؤمن بهم, وذلك باتباعهم لنبيهم الخاتم. إن الله سبحانه وتعالى كما أرسل الرسل بالعهد القديم, والعهد الجديد, فقد ختمهم رسول الله ﷺ الذي أنزل معه العهد الأخير, وجعل الله سبحانه وتعالي الأمة واحدة من لدن آدم إلى يومنا هذا: (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) بالإسراء والمعراج. وفي الحديث الشريف عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بني بيتا فأحسنه وأجمله, إلا موضع لبنة من زاوية, فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له, ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة, وأنا خاتم النبيين (رواه البخاري).
وأكمل: أنعم الله تعالى على نبيه في هذه الرحلة بنعمة النظر إلى وجهه الكريم, وأجمع العلماء أن متعة النظر إلى الله سبحانه وتعالى هي أجل نعمة للإنسان, فلا مزيد عليها في التمتع الحسي والمعنوي, وهو ما يتمثل في قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) قال العلماء: الزيادة هي النظر إلى وجهه الكريم. وفي حديث صهيب عن النبي ﷺ أنه قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه قالوا ألم تبيض وجوهنا وتنجنا من النار وتدخلنا الجنة قال فيكشف الحجاب, قال فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه (رواه الترمذي).. والنظر إلى الله لا يكون بالأبصار إنما يكون بشيء يخلقه الله سبحانه وتعالى يمكن من ذلك; فقال عز وجل: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) والناضرة من نضرة النعيم, وناظرة أي أن الوجوه تنظر, وليس العين لأنه سبحانه وتعالى لا يدركه البصر (لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ) إنما الذي يدركه شيء وراء ذلك يخلقه الله سبحانه وتعالى في العبد كما خلقه في سيد المرسلين ﷺ في ليلة المعراج فرآه كما قال ابن عباس رضي الله عنهما وكما ورد في سورة النجم في قوله تعالى: (مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى), على إرجاع الضمير إلى الله سبحانه وتعالى كما ثبت في البخاري.
وتابع: أخر الله سبحانه وتعالى النبي ﷺ في الظهور الكوني فقدمه في الظهور المعنوي, فعلى الرغم من أنه ﷺ آخر الأنبياء إلا أنه صلي بهم إماما في ليلة الإسراء والمعراج. ويجب على المسلم أن يتدبر في هذا الأمر, فهو لا يعرف أين الخير! قد يعطيه الله عز وجل في الدنيا ثم يمنعه بهذا العطاء في الآخرة; فيفرح اليوم ولا يدري ماذا يخبئ الله له غدا, وأحيانا يمنعه في الدنيا فيتبرم ولا يدري أن هذا المنع عطاء. وقد لخص ابن عطاء الله السكندري في حكمه هذا الدرس بقوله رضي الله عنه: ربما أعطاك فمنعك, وربما منعك فأعطاك, فلعله أخرك في الدنيا ليقدمك في الآخرة, أو أخرك في ترتيب الناس ليقدمك عنده سبحانه وتعالى. وفي المعاملة مع الله يجب على المسلم أن يفهم عن الله, وهذا ما سيؤدي به إلى الرضا والتسليم, ومن دعاء الصالحين: اللهم يسر ولا تعسر.. خر لي واختر لي.
واستطرد الدكتور علي جمعة : المؤمن يعظم الأحداث فتراه يحتفل بالمولد الشريف حيث شرف رسول الله ﷺ الكون والكائنات..
ولد الهدي فالكائنات ضياء * وفم الزمان تبسم وثناء
والمسلم يحتفل بالإسراء والمعراج ويتدبر فيها معجزة تثبت حول الله وقوته وتثبت علو مقام نبينا الشريف عند ربه وانفراده في ظاهرة لن تتكرر, وإثبات أن هذه الأكوان إنما تسير بأمر الله ولا تكون ولا تخرج عنه سبحانه وتعالي, فالمسلم يحترم الأشياء والأشخاص والأحداث ويقدس الزمان والمكان قداسة هي عين التوحيد لأنها تطهير للأوقات والأماكن, وهي عين التبري من الحول والقوة لله رب العالمين, وهي تعظيم لحرمات الله كما أمر الله وتعظيم لشعائر الله كما أمر, وسعيا إلى تقوى القلوب كما وصف, وسعيا للخير عند الله مدخر عنده سبحانه.