قال الدكتور نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، إن كلمة «الوطن» ليست كلمة حديثة أو دخيلة على اللهجات واللغات الإنسانية اليوم؛ بل هي قديمة متجذرة في أعماق التاريخ الإنساني والبشري، ومن ثم فإننا نجد اهتمامًا بالغًا من قبل المعاجم اللغوية بتعريف الوطن وما يتعلق به من مفردات متعددة، ومن هنا فإن حب الوطن والإخلاص له وضرورة الانتماء إليه قد وردت فيه نصوص كثيرة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة تؤكد على أهمية هذه الكلمة.
أضاف «نظير»، في تصريح له على هامش المؤتمر الثاني والثلاثين للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية تحت عنوان: «عقد المواطنة وأثره في تحقيق السلام المجتمعي والعالمي»، أن المواطنة مصطلح يقصد به: أن يتساوى جميع الناس في الوطن الواحد في جميع الحقوق والواجبات بغض النظر عن معتقداتهم وأديانهم وأعراقهم، وأن مفهوم المواطنة من المفاهيم الجدلية التي أخذت حيزًا كبيرًا من الجدل والمناقشة في العصر الحديث، وذلك لما يتعلق به من تنظير وتأصيل وتطبيق وممارسة؛ حيث حرصت الجماعات المتطرفة على تشويه هذا المفهوم وصبغه صبغة غير شرعية، وقد استخدمت في ذلك جميع أساليب الكذب والخداع والتدليس بغير وعي علمي أو منهجي بهدف خدمة مصالحها المتطرفة؛ مما دعا كثيرا من الكتاب والمفكرين – وفي مقدمتهم المؤسسات الدينية - لتناول هذا المفهوم بالعناية والدرس من أجل تعزيزه وترسيخه بين أفراد المجتمع؛ حتى يتحقق التسامح والتعايش والتراحم بين جميع أفراد المجتمع بغض النظر عن المعتقد أو الدين.
وألمح إلى أن "المواطنة الشاملة" من المفاهيم الدقيقة التي تطورت بتطور الدراسات والبحوث المتعلقة بمبدأ المواطنة، وهذا المفهوم يُفهم منه بطريق المخالفة أن هناك مواطنة غير شاملة أو ناقصة، وهذا أقصى ما يمكن أن تقدمه بعض الأيدولوجيات المتطرفة والمنحرفة إذا أرادت أن تساير الواقع والتطور المجتمعي المتتابع؛ لذا يجب علينا أن نؤكد حتمية تطبيق مبدأ "المواطنة الشاملة" التي يتساوى فيها جميع الناس في كل الحقوق والواجبات المجتمعية بغض النظر عن الدين، أو اللون، أو العرق.
وتابع: إن الله تعالى أنعم علينا في بلدنا الحبيبة مصر الغالية بتطبيق هذا المبدأ على النحو المطلوب الوافي الذي يتوافق مع الأصول الدينية والقيم الإنسانية والمواثيق الدولية المعاصرة، وذلك برغم ما حرصت عليه الجماعات المتطرفة من محاولة زعزعة الاستقرار المجتمعي وتأجيج صراعات الفتنة، مؤكدًا على الدور المحوري الذي تقوم به المؤسسات الدينية في مصر - وفي مقدمتها الأزهر الشريف - على تعزيز قيم المواطنة الشاملة، وذلك من خلال الخطاب الديني والدعوي الوسطي الذي تقدمه في هذا المضمار، وقد ترتب على هذا الخطاب ما نعيشه اليوم من حالة الوئام والتسامح والتعايش بين جميع أفراد المجتمع المصري.
وأوضح الأمين العام أن الأزهر الشريف أسهم في دعم هذا المفهوم على مرّ تاريخه من خلال جهود متنوعة، ولعل من أبرزها إطلاق فضيلة الإمام الأكبر مع بابا الفاتيكان وثيقة الأخوة الإنسانية والتي تؤكد بنودها على مفهوم المواطنة وأهميتها في دعم التعايش المشترك بين الجميع، ونشر السلام العالمي وتحقيق العيش المشترك من خلال تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة التي أدت إلى الإرهاب والعنف وعدم الاندماج الإيجابي في بعض المجتمعات الإنسانية، وهو ما يولي له الأزهر أهمية خاصة تنطلق من دوره ورسالته العالمية في إقرار السلم المجتمعي بين جميع الأمم والشعوب، كما أنها ترسُم للبشرية خارطة طريقٍ نحو عالم مليء بالتسامح والمحبة والإخاء، بعيدًا عن الحروب والنزعات والكراهية البغيضة وأعمال العنف والإرهاب المروعة.
ونبه على أن من المعاني المهمة التي رسختها وثيقة الأخوة الإنسانية هو مفهوم المواطنة الكاملة للجميع، فقد أكدت تلك الوثيقة على أن هذا المفهوم يقوم على المساواة في الواجبات والحقوق التي ينعم في ظلالها الجميع بالعدل، وهو ما يدعونا جميعًا للعمل على ترسيخ مفهوم المواطنة الكاملة في مجتمعاتنا، والتخلي عن الاستخدام الإقصائي لمصطلح "الأقليات" الذي يحمل في طياته كل مشاعر الإحساس بالعزلة والدونية، ويفتح الباب للفتن والشقاق بين أبناء الوطن الواحد.