يعيش العالم فترة مليئة بالمخاوف والاضطرابات في ظل انتشار وباء كورونا وتداعياته على النواحي الحياتية المختلفة للفرد، وخاصة الجانب الاقتصادي الذي تأثر بشكل كبير ويواجه موجة محتملة من التضخم القابل للزيادة.
وأثار التضخم الاقتصادي مخاوف بشأن ارتفاع تكاليف المعيشة للأسر وزيادة الضغط على البنوك المركزية لرفع أسعار الفائدة.
وارتفعت أسعار المستهلكين في أمريكا بقوة في يناير الماضي، مما أدى إلى زيادة في التضخم السنوي في الولايات المتحدة منذ 40 عاما، كما ارتفع معدل التضخم السنوي في مصر خلال يناير إلى 8%، على المستوى المحلي، مسجلا أعلى مستوى منذ سبتمبر من العام الماضي.
موجة من التضخم المستورد
وقال الدكتور علي الإدريسي، مدرس الاقتصاد بمدينة الثقافة والعلوم والمحلل الاقتصادي، إن هناك موجة يعيشها الاقتصاد العالمي تسمي موجة "التضخم المستورد"، وهو عبارة عن العديد من السلع الأساسية التي تستوردها الدولة من الخارج، فتؤثر بشكل كبير على الأسعار في السوق المحلي، بسبب ارتفاع أسعار تلك المنتجات عالميا، وأهمها: القمح والفول والبترول والزيوت.
وأضاف "الإدريسي"، خلال تصريحات لـ"صدى البلد"، أنه مع ارتفاع معدلات التضخم يحدث انخفاض في القوة الشرعية للعملة، وبالتالي تؤثر على المستوى المعيشي للمواطنين، وينخفض حجم الدخل الحقيقي للمواطن، موضحا أن المشكلة الأكبر ليست وجود التضخم، إنما حالة الوجود التضخمي التي يشهدها الاقتصاد المصري في الوقت الراهن.
وأشار الإدريسي إلى أن هناك ارتفاعات في معدلات التضخم من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك حالة من الركوض الشديدة التى تؤثر بالسلب على المنتج "البائع" والمشتري، مكملا أن قد يكون هناك رفع أسعار الفائدة من جانب الجهاز المركزي، لإحتواء معدلات التضخم.
واختتم: "معدلات التضخم الاقتصادي في الدولة المصرية كانت 4.5% في الماضي، ولكن الآن تخطت 6.5%، ولكن تلك الأرقام سوف تشهد ارتفاع كبير خلال الفترة القادمة".
وتراجعت أسعار النفط في بداية الجائحة، لكنها لم تستمر كثيرا، وعاد الطلب إلى الارتفاع بقوة مرة أخرى، بعد مرحلة من التعافي النسبية وبدء توزيع اللقاحات، وحينها وصلت الأسعار إلى أعلى مستوي في أخر 7 سنوات.
ومن هنا يؤثر زيادة النفط على زيادة تكلفة البنزين، في العديد من الدول، وأهمها الولايات المتحدة حاليا، حيث وصل سعر جالون النفط إلى 3.31 دولارا من 2.39 دولارا قبل عام، سواء في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول العربية والدولة المصرية.
ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية
كما ارتفعت أيضاً أسعار الغاز، وسط شتاء قارس البرودة، أدى ذلك إلى الاعتماد عليه بشكل كبير في التدفئة وتحديداً في أوروبا، ما ساهم في استنزاف احتياطيات الغاز الأوروبي.
وقفزت أسعار العديد من السلع الاستهلاكية خلال العام الماضي، وتحول إنفاق المستهلكون الذين بقوا في منازلهم خلال فترة الإغلاق العام الماضي على السلع المنزلية وتحسينات المنازل؛ لأنهم لم يتمكنوا من الذهاب إلى المطاعم أو في عطلة بسبب القيود.
كل تلك الأمور أدت إلى نقص في المواد مثل البلاستيك والخرسانة والصلب، وبالتبعية زادت الأسعار، وارتفعت تكلفة الأخشاب بنسبة 80٪ عن المعتاد في عام 2021 في المملكة المتحدة ووصلت إلى أكثر من ضعف سعرها المعتاد في الولايات المتحدة.
وقام كبار تجار التجزئة الأمريكيين مثل "نايك" و"أديداس" و"كوستكو" بزيادة أسعارهم بسبب ارتفاع تكاليف سلاسل التوريد.
من ناحية أخرى شهد العالم نقصا في الرقائق، وهي مكونات حيوية في السيارات وأجهزة الكمبيوتر والسلع المنزلية الأخرى.
ويعد التضخم وارتفاع أسعار الفائدة من أهم مشاغل كبار المستثمرين على مستوى العالم، وفقاً لاستطلاع آراء المستثمرين ربع السنوي الجديد من بنك UBS لإدارة الثروات العالمية. وقد توصل الاستطلاع، الذي شمل 3000 مستثمر و1200 من أصحاب الأعمال في 15 سوقاً على مستوى العالم.
وتراجعت اختناقات النقل في ديسمبر الماضي، ومن هنا تمكنت الولايات المتحدة نسبيا في التغلب على الازدحام القياسي في موانئها، وأدت ظهور متغيرات كورونا المستقبلية يمكن أن يكون له رأيا أخر في تخفيف أزمات التوريد.
تراجع حركة الصادارات والواردات
وعلى الصعيد التجاري، تراجعت حركة الصادرات والواردات الدولية في معظم اقتصاديات العالم، وارتفعت معها التعريفات الجمركية على كثير من البضائع، وهذه الزيادات جاءت على عاتق المستهلكين.
وذكر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وهو الجهاز الرسمي المعني بجمع ومعالجة وتحليل ونشر كل البيانات الاحصائية والتعدادات- أن الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهورية بلغ 117.8 نقطة لشهر ديسمبر 2021، مسجلاً بذلك انخفاضاً قدره -0.2% عن شهر نوفمبر 2021، فيما ارتفع معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية.