قال الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم، ، إمام وخطيب المسجد الحرام، إن الله سبحانه وتعالى كرم بني آدم وحملهم في البر والبحر، ورزقهم من الطيبات وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلا.
الإسلام دين الله وصبغته
وأوضح «الشريم» خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أنه تعالى شرع لهم من الحقوق المتقنة والواجبات البينة، ما لا يمكن تحققه بكماله في شرعة غير الإسلام؛ لأن التكريم إنما جاء بنص قرآني من الحكيم الخبير، لا من وضع بشري تعتريه العاطفة، والافتقار إلى الكمال، ومن سبر واقعه بفهم سليم أدرك أنه ما سنت أنظمة ترتقي بأخلاق البشر وتحمي حقوقهم إلا كانت شرعة الإسلام سابقة إليها ورائدة فيها.
وتابع: “كيف لا والإسلام دين الله وصبغته، ومن أحسن من الله صبغة”، وقد قال حذيفة رضي الله عنه: "لقد خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم خطبة ما ترك فيها شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره، علمه من علمه وجهله من جهله" متفق عليه، منوهًا بأن من جملة ذلك الحقوق العامة للناس، التي أكد عليها رسول الهدى والرحمة صلى الله عليه وسلم بقوله :" إن دماءكم، وأَموالكم، وأَعراضكم، وأبشاركم، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا" رواه البخاري.
تصريح غليظ من النبي
وأضاف أن هناك تصريحا غليظا من النبي صلى الله عليه وسلم على تحريم الدماء، وتشمل النفوس وما دونها، وتحريم الأبشار، وتشمل الأجساد وأعضاءها، وتحريم الأموال، وتشمل القليل والكثير، وتحريم الأعراض، وتشمل الزنا واللواط والقذف ونحو ذلك؛ فكلها محرمة تحريما غليظا، لا يجوز للمسلم أن ينتهكها من أخيه المسلم.
وأشار إلى أن هناك، ثمة ظاهرة بليت بها مجتمعات الناس، واستطال ضررها في غير ما سبيل، وتسارعت إلى حصارها هيئات حقوق ومعاهدات، وأنظمة وعقوبات، لأجل الحد من انتشارها وتجفيف منابعها، إلا أن وميض جمرها لم ينطفئ بعد، ورجع صداها يخترق أسماع النفوس المريضة والذمم البالية، إنها ظاهرة الإتجار بالبشر وما أدراكم ما الإتجار بالبشر.
وحذر قائلاً: إن البحر اللجي من الاعتداء على حقوق الآخرين، وهو المتعارف عليه في عصرنا هذا، بأنه تجنيد أشخاص أو نقلهم، أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو باستعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف، أو الاحتيال أو الخداع، أو استغلال السلطة أو استغلال حال الضعف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا، لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال.
معنى الإتجار بالبشر
وأفاد بأن معنى الإتجار بالبشر أوسع من مفهوم البيع والشراء وحسب وإن كان هو جزءا منه ثم إن للإتجار بالبشر دركات كثيرة أعلاها ما أزهق نفسا محرمة، وأدناها النيل من ورائهم والتسول بهم، وإنه لمن السوء بمكان الصعود على أكتافهم لحصد مغانم دنيوية على حساب عقولهم وأعراضهم وأموالهم وأنفسهم وخاصتهم، وإذا كان الأصل في مطلق الإتجار أنه مهنة شريفة، فإن أسوأ صورها حين تكون إتجارًا بالبشر.
وشدد على أنه لا أخطر ولا أقبح من الإتجار بهم حال أزمات المجتمعات العامة على حين اشتغال المعنيين برفعها، ولا عجب عباد الله: فإن للأزمات لصوصا كما أن للأموال والبيوت لصوصًا، لافتًا إلى أن محصلة الإتجار بالبشر: أنه اقتصاد أسود يفسد ولا يصلح، وهو إلى غسيل الأموال المجرَّم أقرب منه إلى تدويرها المباح؛ لأنه غاية دنيئة، تسرق بها حقوق الضعفاء وحرياتهم باستغلال جهلهم؛ ليصبحوا خاضعين للمتجر بهم خضوع الرقيق لسيده.
لو تأمل المتاجرون لحظة
ونبه إلى أنه لو تأمل المتاجرون في لحظة صفاء عظم سوء ما يقومون به لما قدموا إليه رجلا ولا مدوا له يدا، فعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: كنت أضرب غلاما لي بالسوط، فسمعت صوتا من خلفي فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يقول: "اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام"، فقلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله تعالى، فقال: أما لو لم تفعل للفحتك النار، أو لمستك النار" . رواه مسلم
ونبه إلى أن أشكال الاتجارمتعددة، منطلقة من انتهاز الضعف المتأصل لدى الضحية والإتجار به في زراعة المخدرات، أو في الابتزاز المالي والابتزاز الغريزي المحرم، أو في التسول القسري، أو في استئصال الأعضاء؛ لأجل الحصول على حصة ضئيلة في مقابل عظم حصة المتجر بهم، هذا إن لم تنلهم عقوبات قاسية من قبل المتجر بهم حال ضعف أدائهم.
وأكد أنه لا يقل جرما عن الاتجار الجسدي بالبشر، الاتجار بالزج بهم إلى المهالك، وذلك بتغريرهم لخدمة أهداف المتاجرين الفكرية والأمنية، وهو وإن لم يكن ذا مردود مالي في الواقع، إلا أن مآله الإفسادي أمنيًا واجتماعيًا وفكريًا، أشد جرما دون ريب من ضرر الكسب المالي المحرم ، مؤكدًا أن الإسلام وإن لم ينص صراحة على عبارة الإتجار بالبشر.
الشريعة تعارض الاتجار بالبشر
وواصل: إلا أنه نص صراحة على حظر أفعال كثيرة تتكون منها هذه الجريمة، ومن يطلع على المقاصد الشرعية يجدها تعارض الإتجار بالبشر وإن لم تسمه باسمه، فمن ذلكم على سبيل المثال لا الحصر، النهي عن استغلال النساء للتكسب كما في قوله تعالى: «وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»، مشيرًا إلى أن من ذلكم أيضًا تحريم استغلال المدين بالقوة حال تعثره، حيث قال الله: «وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ».
وبين أن بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية ـ حرسها الله ـ تحظر الإتجار بالبشر بشتى صوره، في منظومة متكاملة، عبر سن أنظمة مكافحة، و انضمام إلى اتفاقات تعنى بذلكم الجرم المشين، ولها في هذا الباع تقدم ملحوظ في التصنيف العالمي المتبع ، وما هذا الاتجاه إلا امتداد لمواقف سابقة تجاه ما يعزز هويتها الإسلامية وكونها بلاد قبلة المسلمين .
وأكد أن من حق المملكة التحفظ ورفض المعاهدات التي تعارض مبادئها الإسلامية كمصطلحات “الهوية والميول الجنسية”، فليس ببعيد عنا تحفظ المملكة من بعض المعاهدات والاتفاقات، تجاه مصطلحات الهوية والميول الجنسية غير المتفق عليها والتي تعارض مبادئ دينها الإسلامي.
واستطرد: “كل ذلك ثمرة انتمائها الإسلامي منذ تأسيسها قبل ثلاثة قرون، حيث نشأت منقادة بمنهج الوسط الذي هو العدل الخيار بين الغلو الجفاء والانحراف والتطرف فجمع الله بها ما كان متفرقاً وأضاء بها مصابيح الاعتقاد والمعرفة”.