شهد العالم طفرة نوعية في عالم التكنولوجيا على مر الوقت، فلم تعد حالة الويب كما كانت عليه في الماضي بنشر مجموعة من المعلومات الجامدة فحسب؛ بل تم الانتقال من ويب ١ إلى ويب ٢، ومن ثم ينتقل حاليا إلى ويب ٣.
يصف البعض ويب ١ أو شبكات الجيل الأول من الويب بأنه "ويب بلا عقل"، بمعنى أنه ويب قارئ للصفحات فقط ولا يمكن للمستخدمين التفاعل معه بأي شكل من الأشكال، حيث يعد المستخدم هنا هو المستهلك الوحيد دون القدرة على التفاعل مع صانعي المحتوى على الويب من خلال إنشاء حساب أو غيره، مثل صفحات الأخبار.
بدأت نشأة ويب ١ في عام ١٩٩١ واستمر حتى عام ٢٠٠٤، أما بالنسبة لويب ٢ أو الجيل الثاني من الويب يعتبره المحللون "ويب القراءة والكتابة" الذي بدأ منذ عام ٢٠٠٤ ومستمر معنا حتى الآن، ويستطيع فيه المستخدمون التفاعل والمشاركة، وليس مجرد مكان لتلقي المعلومات فقط، فبدلا من استهلاك المستخدمين فقط للمحتوى أصبحوا يستطيعون المشاركة في إنشاء المحتوى، مما أدى إنشاء الواقع الافتراضي وإدمان الإنترنت أكثر من أي وقت سابق كما فعلت الشبكات الجديدة مثل فيسبوك ويوتيوب وتويتر.
وعلى الرغم من إتاحة المساحة للمستخدمين من إبداء رأيهم إلا أنه لم تترك لهم الحرية كاملة، إنما كانت مقيدة من قبل الشركات الكبرى لتقييم المحتوى، وتركه أو حذفه مثلما تفعل فيسبوك وتويتر مع أي منشور لا يوافق سياستها.
وهو السبب الأساسي في الانتقال إلى ويب ٣ أو الجيل الثالث من الويب "الويب الحر" الذي يتصف بشكل أساسي باللامركزية، فيستطيع هنا المستخدمون من مشاركة آرائهم ومعلوماتهم دون الحاجة إلى رقيب من الشركات الكبرى، وستكون المعلومات متاحة لجميع المستخدمين بدون وسيط يحدد اهتماماتهم والإعلانات التي ستظهر لهم وفي نفس الوقت لن تظهر لغيرهم، فلا توجد مراقبة أو مركزية، وستكون حر طليق في بحر من المعلومات المتوفرة للجميع دون التمييز بينهم.
هل ويب ٣ حقيقة أم مجرد وسيلة للنصب والاحتيال؟
انتشرت حالة من الجدل والمناظرات حول ويب ٣ في الآونة الأخيرة حول احتمالية تمثيله ثورة التكنولوجيا القادمة، بإبعاد عمالقة الشركات مثل جوجل وفيسبوك من الاستحواذ على بياناتك والاستفادة من ورائها، ومن هنا يأتي المؤيدون والمعارضون لأنه سيجعل مجموعة من الأشخاص يجنون أموالاً طائلة بينما على الجانب الآخر ستعلن شركات أخرى إفلاسها.
وسواء كنت من المؤيدين أو المعارضين لا يمكن إنكار أن العالم كله سيقع تحت تأثير هذه التقنية الحديثة القادمة، التي ستؤثر بشكل عام على سوق الأوراق المالية بشكل عام وعلى مجال التكنولوجيا بشكل خاص.
فى إطار ذلك قالت "سوزان وجسيكي" الرئيس التنفيذي ليوتيوب:" إن ويب ٣ سيخلق فرصة رائعة بين صانعي المحتوى ومتابعيهم وسيعزز من التواصل بينهم، كما تبعها ٢ من المديرين بالانضمام إليه، وهي لفتة واضحة لالتحاق يوتيوب أيضاً في المستقبل إليه .
كما ألقى ويب ٣ إعجاب مجموعة من الرأسماليين، فوضحت الرأسمالية "لي جين" التي تعد أحد النساء الرأسماليات البارزات في عالم ويب ٣ أن الجيل الثالث من الويب سيعود بقيمة مالية ضخمة على المجتمعات العالمية.
وعلى النقيض الآخر هاجم كل من "جاك دورسي" الرئيس التنفيذي لتويتر و"إيلون ماسك" أغنى شخص في العالم، حيث يؤمنون أن الإنترنت هو شيء حيوي واقتصاد عالمي، ولا يجب أن يتحكم به حفنة من الأشخاص فقط، ويعتقد مناصرو ويب 3 أن الإنترنت يجب أن يُدار بواسطة مجموعة صغيرة من الأشخاص، وليس الشركات.
فيرى دورسي أن ويب ٣ سيكون مركزيا في النهاية بتحكم مجموعة من الأشخاص به، وبلا شك أن هؤلاء الأشخاص لديهم الكثير الذي سوف يخسرونه إذا اعتمد العالم عليه.
وبالفعل يقوم حاليا مجموعة من المؤمنين بالثورة القادمة للجيل الثالث من الويب بصرف أموال كثيرة من أجل إحياء ويب ٣ على أرض الواقع، فأطلقت "تينا هي" Station التي ستكون نسخة مطورة من LinkedIn.
فبدلا مما يقوم به LinkedIn من جمع العاملين من أنحاء العالم وخلق فرص وظيفية لهم عن طريق سيرتهم الذاتية والمسمى الوظيفي لهم، سيقوم Station باستخدام تكنولوجيا متقدمة جدا لتوضيح العمل الفعلي للمستخدمين عن طريق ما قدموه في العمل من مخرجات حقيقية بدلا من الاعتماد على سيرتهم الذاتية فقط أو درجتهم الوظيفية، فسيؤدي بذلك إلى عالم أكثر شفافية وعدل وإنصاف.
ما هو ويب ٣ بعد كل ذلك؟
يعتبر ويب ٣ قائماً بشكل أساسي على إعادة بناء تقنية تعرف بالـ "blockchain"، والتى تسمح لشخص أو شركة ما بنقل أصول ذات قيمة إلى شخص آخر بدون تدخل أيّ وسيط وبأمان تام، لأن كل البيانات تكون مشفرة.
ويعتقد الكثير أن الـ blockchain ترتبط ارتباطا وثيقا بالـ "بيتكوين"، من دون وجود بنك مركزي، حيث يمكن إرسالها من شخص إلى أخر عبر شبكةبيتكوينبطريقة الند للند دون الحاجة إلى طرف ثالث وسيط كالبنوك.
لكن تختلف الـ blockchain عن البيتكوين، فلا يمكن لشبكة بيتكوين أن تكون أكثر من عملة يتم شراؤها أو بيعها أو ملاحظة إذا كانت سترتفع قيمتها أم ستنخفض، بينما يمكنك فعل الكثير بالأولي، فبجانب العملات الرقمية يمكنك بيع وشراء الأعمال الفنية الرقمية، أو ممتلكات رقمية أو كسب قيمة من المال عن طريق ألعاب الفيديو.
ومن الممكن أن يكون مغيرا للإنترنت كله، وبالتالى سيستطيع إلغاء فكرة احتكار الشركات العظمى لبياناتك في خوادم واستغلالها وبيعها للمواقع وكسب أموال طائلة، مثلما تقوم الشركات الكبرى مثل جوجل وأمازون بعرض الإعلانات بناء على معلوماتك الشخصية ويمكن أيضا أن تبيع بياناتك من أجل التعقب أو التسلل سواء كنت تعرف ذلك أم لا.
كما أن ويب ٣ سيسمح بتداول المال بينك وبين أي شخص دون تدخل أي وسيط سواء من الحكومة أو البنك.
والأهم من ذلك كله أنه سيسمح للفقراء أو المبتدئين في الظهور والبداية مرة أخرى وتحقيق الربح بناء على كفاءتهم فقط دون النظر إلى أصلهم أو عرقهم أو ديانتهم، ومن دون تدخل الشركات الكبرى التي تقوم بسحق أي شركة ناشئة تحقق نجاحا.
وتعد الاحتمالات لويب ٣ غير محدودة، فكلها تعتبر نظرية حتى الآن ولم يتم تطبيقه على أرض الواقع، لكن يمكننا التخيل أنه سيحدث، ويمكن أن يكون واقعا ملموسا في المستقبل القريب، وإنشاء مؤسسات يمكنها منافسة أو استبدال الشركات الحالية مثل فيسبوك وجوجل.
ومن أهم المخاطر التي ستنتج عن ويب ٣ هي الاستهلاك الهائل للطاقة، عن طريق تشفير العملات الرقمية في الوقت الذي يعاني فيه العالم من أزمة في الطاقة وأزمة تغير المناخ، فأشارت بعض التقديرات إلى أن استخدام البيتكوين للكهرباء سنويًا يعادل حجم دولة السويد، بينما نفى فريق آخر هذه المخاوف ووصفوها بأنها مبالغ فيها ، وأوضحوا أن جهود التشفير المستقبلية ستصبح أكثر كفاءة في استخدام الطاقة.
كما ادعى البعض أن ويب ٣ لن يكون سهلا في الاستخدام خاصة عن بعد، فسيعاني في بداية الأمر من مشكلة خاصة "بالحماية والأمان"، لأنه يقوم على اللامركزية، وبالتالى احتمالية التعرض للخداع المباشر ونقل الأموال للنصابين.
ومع انتشار فكرة العملات الرقمية، وشراء المنتجات الرقمية على الإنترنت هناك بعض المخاوف من تحويل كل شيء ليكون قابلا للدفع، فمعظم البشر حاليا اعتادوا على خدمات وسائل التواصل الاجتماعي المجانية.
ولكن سيسمح ويب ٣ لكل المستخدمين في أنحاء العالم كله من استخدام الإنترنت دون التمييز بينهم، مع عدم التقليل من حجم المخاطر والمشاكل الأمنية، والثراء السريع الذي سيحققه ناس مقابل أشياء رقمية في واقع افتراضي.