لطالما بدت شبكة "دويتشه فيله"، المؤسسة الإعلامية الدولية التابعة لألمانيا، خلال السنوات الماضية، كمنصة تتشدق بالدفاع عن حرية التعبير والرأي وتزعم أنها تمثّل قيم الحرية والديمقراطية، لكن مع أول اختبار لها أظهرت وجهها الحقيقي بشكل تعسفي يعكس ازدواجية معاييرها وعدم حياديتها ويبرز أنها منبر وأداة باطشة للعاملين بها ولا تخدم إلا أجندتها المغرضة.
وكشف هذا الوجه الحقيقي، عندما أعلنت شبكة دويتشه فيله، فصل 5 صحفيين على خلفية تقرير ألماني يتهمهم بالتضامن مع فلسطين وقضيتها من خلال نشر مجموعة من المنشورات على صفحاتهم الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي.
وشمل قرار دويتشه فيله فصل كل من الصحفيين: "باسل العريضي، ومرهف محمود، ومرام سالم، وفرح مرقة"، وفض التعاقد مع داود إبراهيم.
جاء ذلك بعد أن تم توقيف العاملين مطلع ديسمبر الماضي، لكن من الواضح أن قرار الفصل ضدهم كان محسومًا من قبل الشبكة الألمانية.
تفاصيل الواقعة
وأكدت الصحفية الأردنية فرح مرقة هذا النبأ في تغريدة على حسابها بموقع "تويتر"، قائلة إنها تلقّت إخطارًا دون توضيحات بأنه سيتم إشعارها بإنهاء عملها في "دويتشه فيله" فورًا.
فيما ذكرت الصحفية الفلسطينية مرام سالم، والتي تعمل في مكاتب “دوتيشه فيله”، أن المنشور الذي استند له التقرير الألماني، لم يكن يحتوي على أي شيء يذكر إسرائيل، وإنما تحدثت عن حرية التعبير في أوروبا فقط.
وقالت مرام سالم في منشور لها على صفحتها بموقع “فيسبوك”: “لقد تم إعلامي الآن بقرار فصلي من الدويتشه فيله وذلك عقب نشر صحفي ألماني تقريرا يتهمني مع زملاء آخرين بنشر بوستات ضد إسرائيل على الفيسبوك".
وأوضحت في نص منشورها: "حرية التعبير وإبداء الرأي في أوروبا وهم.. خطوط حمر كثيرة إن قررنا الحديث عن القضية، التشفير الذي نقوم فيه بالعادة لا يهدف لإخفاء البوستات من الفيسبوك، بل لمنع الترجمة التلقائية من كشف معاني كلماتنا للمراقبين هنا، ممن على أهبة الاستعداد لإرسال طلب بفصلنا، أو ترحيلنا“.
وأشارت سالم إلى أن الخطوة التعسفية التي جاءت ضدها كانت نتيجة لصراعات داخلية وكيدية، ومجموعة من الإشاعات غير الصحيحة.
وأضافت: "وجدت نفسي لسبب لا أعلمه في وسطها، وتم استخدامي كبش فداء من دويتشه فيله للخروج من أزمتها الحالية".
وأردفت: “هل يعقل أن تقوم وسيلة إعلام تنادي بالحريات أن تفصل موظفة لديها لأنها انتقدت حرية التعبير في أوروبا؟، مع التأكيد على أن إجراءات التحقيق لم تكن حيادية، إذ تم تعيين إسرائيلي في لجنة التحقيق الخارجية، غير أن الأسئلة كانت بمجملها عنصرية، فوجدت نفسي في مرمى الاتهام لمجرد كوني فلسطينية.
وأكدت أن كل هذا جاء دون مراعاة الخصوصية التاريخية، وطبيعة الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، معتبرة أن دويتشه فيله نفسها بأنها فقط من يحدد معايير ”حقيقة الصراع“ ومن هو الطرف المحق، رغم فشل الجسم الدولي والعربي في حل الأزمة بين الطرفين لأكثر من سبعين عاما.
وتابعت: "في التحقيق الداخلي فقد طرح عليّ سؤال فوجئت به حقا، إذ لا يتم طرحه عادة إلا من جسم أمني يعمل لدولة قمعية، وهو “كيف تكتبين أنه لا يوجد حريات وأنت تعملين لدى دويتشه فيله؟، والذي يشبه سؤال رجال المخابرات: كيف تجرؤ أن تتحدث عن انعدام الحريات في البلاد؟".
ولفتت: "نتائج التحقيق لدى دويتشه فيله، أثبتت أن هويتك كفلسطيني كافية لأن تكون سببا في اتهامك ضد إسرائيل"، محملة دويتشه فيله مسؤولية صحتها العقلية والنفسية والجسدية خلال فترة التحقيق والفترة المقبلة، وأي تبعات تتعلق بمستقبلها المهني.
واختتمت منشورها قائلة: "دويتشه فيله قمعت حريتي في التعبير عن رأيي.. أصدقائي وصديقاتي، لطالما وجدت نفسي وحيدة في مواجهة صراعاتي السياسية والإنسانية والحقوقية والاجتماعية، ولكن هذه المرة أنا بحاجتكم، لأن ما يحدث الآن هو هجوم صارخ على حرية التعبير وعلى الصحفيين وعلى هويتي لمجرد أنني فلسطينية".
عاصفة انتقادات ضد دويتشه فيله
كان لخبر فصل دويتشه فيله للصحفيين العرب، له مردود واسع بعد انتشاره، وظهرت ردود فعل عاصفة من قبل نشطاء وصحفيين وحقوقيين ضد الشبكة الألمانية، فمنهم من قرر مقاطعة هذه الوسيلة مزدوجة المعايير، ومنهم من دشن هاشتاجات من تنتقدها وتبرز مساوئها.
فمن جهته، قال منتدى الإعلاميين الفلسطينيين، إنه تلقى باستياء بالغ قرار فصل الإعلامية مرام سالم من موقع "دويتشه فيله".
وأكد المنتدى في بيان صحفي،أن فصل الإعلامية مرام سالم جاء رغم تأكيدها على خلو منشوراتها من أي انتقاد لإسرائيل، لافتًا إلى أنها تناولت حرية التعبير في أوروبا.
وأضاف "نرى في ذلك تماديًا خطيرًا في التنكر لحرية الرأي والتعبير خلافًا للقوانين الدولية والمواثيق الإنسانية المؤكدة على حرية الإنسان في التعبير عن أفكاره".
فيما أعلنت الناشطة الحقوقية المحامية الأردنية هالة عاهد، مقاطعتها للشبكة الألمانية دويتشه فيله، بعد فصل صحفيين عرب بسبب تضامنهم مع القضية الفلسطينية.
وقالت عاهد في تغريدة على حسابها بموقع "تويتر": "أعلن مقاطعتي لدويتشه فيله، فمن يتسامح مع جرائم الاحتلال ويتعسف ضد موظفيه العرب بسبب مواقفهم ليس أمينا على قضايانا في المنطقة ولا يمكن أن يكون موضوعيا بشأنها أو مدافعا عنها".
ودعت عاهد، جميع الخبراء والجمهور إلى مقاطعة الإذاعة الألمانية كمشاركين في برامجها أو متابعين، قائلة إنه لا يحق لمحطة تتسامح مع جرائم الاحتلال وتعاقب منتقديه، أن تتحدث عن الحقوق والحريات في العالم العربي.
تضييق على حرية التعبير
قال الدبلوماسي السوري يزن الحكيم في تغريدة على حسابه بموقع "تويتر": "#دويتشه_فيله تطرد صحفيين انتقدوا التضييق على حرية التعبير وعبروا عن رأيهم.. الغرب يملك وسائل الإعلام الأكثر انتشاراً ويبرع في "إخراج" وحسن إظهار وعرض تخبيصاته، لهذا يعتقد البعض أنه موطن العدل والحريات".
وأضاف الحكيم: "لا عدل ولا حرية في الغرب سوى ما يريده سياسيوه ولوبياته".
من جانبها، انتقدت الصحفية الأردنية هبة الحياة عبيدات الفصل التعسفي من قبل شبكة DW، قائلة عبر حسابها بموقع "تويتر": "تروج دويتشه فيله خطابا يدعو لاحترام حرية التعبير والحريات العامة، وتحاول تقديمه في منطقتنا عبر برامجها المتعددة.. في الوقت ذاته تنهي عمل 4 صحفيين عرب ومنهم الزميلة فرح مرقة".
فيما أكد نشطاء من موقع "تويتر" أن هذا القرار ما هو إلا انتهاك صارخ للحريات في ألمانيا، وعلى الرغم من أنه يكشف طبيعة انحياز المؤسسة الألمانية، لكنه في الوقت ذاته يوضح مرارة ابتزاز حريات الناس بأرزاقها.
أما صحيفة "الأخبار" اللبنانية فانتقدت شبكة دويتشه فيله، في مقال نشرته أمس تحدثت فيه عن القرار من قبل "القناة التي ترفع شعار الحرية، لكنها ألصقت بهؤلاء الصحفيين التهم الجاهزة بعد التضامن مع فلسطين.
وأشارت إلى أن الصحفيين العرب ومن بينهم مدير مكتب بيروت لقناة "دويتشه فيله" باسل العريضي تم فصلهم بناءً على تعليقات على صفحاتهم الافتراضية أو مقالات نشروها (يعود بعضها إلى أكثر من 10 سنوات).
ولفتت في المقال الذي نُشِر قبل صدور القرار، إلى أنه في حال اتخذت دويتشه فيله خطوة الفصل فستُعد الأخطر في سياق تكميم الأفواه.
كما تفاعل نشطاء وصحفيون على موقع "فيسبوك"، مع هاشتاجي #لا_لفصل_موظفي_الدويتشه_فيله، و#دويتشه_فيله ليست عادلة، عقب إعلان القرار، معربين عن تضامنهم مع الصحفيين المفصولين.
وهذه التفاصيل تعكس أن الشبكة الألمانية التي كانت تظهر كمنبر من منابر الحريات، ما هي إلا أداة لقمع الديمقراطية والتعبير الجرئ الحر، فضلا عن استخدام أي أسلوب من أجل الفصل التعسفي لعامليها وصحفييها.