تقوم وزيرة الخارجية الألمانية الجديدة، أنّالينا بيربوك، بزيارة إلى مصر يوم 11 فبراير الجاري تستغرق يومين، وتعتبر الزيارة هي الأولي من نوعها لوزيرة الخارجية الألمانية منذ توليها مهام عملها مع قدوم الحكومة الألمانية الجديدة.
وتلتقي وزيرة الخارجية الألمانية في أثناء زيارتها بنظيرها الوزير سامح شكري وآخرين من أعضاء الحكومة المصرية للتباحث بشأن العلاقات المصرية الألمانية وقضايا إقليمية مهمة.
وتستعرض الوزيرة الألمانية مجالات محتملة للتعاون فيما يتعلق بالمؤتمر السابع والعشرين لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ "COP 27" الذي تستضيفه مصر.
العلاقات المصرية الألمانية
تجمع مصر وألمانيا علاقات وطيدة خاصة بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد، وبعد التحول الملحوظ في عهد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
أبرز تطورات العلاقة المصرية الألمانية، عندما وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي خالص التقدير والشكر للمستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل"، على تعاونها وجهودها خلال توليها المسؤولية، ما أحدث تحولا نوعيا في الشراكة بين مصر وألمانيا على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والتجارية، متمنيا لها خالص التوفيق والسداد في كافة خطواتها ومشروعاتها المستقبلية.
تطور العلاقات المصرية الألمانية
ساعد في تطور العلاقات زيارة الرئيس السيسي الأولي إلى ألمانيا عام 2015، وبعدها اتسع نطاق التعاون الثنائي بشكل لا يقتصر على تعزيز الشراكات الاقتصادية والتنموية والعلمية والثقافية فحسب، بل امتد ليشمل قطاعات جديدة، مثل صناعة السيارات والطاقة وإدارة وتدوير المخلفات والتحول الرقمي والإنتاج الحيواني، وذلك إلى جانب تكثيف التنسيق والمشاورات الدورية السياسية إزاء مختلف القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
ويعد هذا التطور الذى تشهده العلاقات بين البلدين نتيجة مباشرة لتكثيف التشاور واللقاءات بين الرئيس السيسي والمستشارة الألمانية، خلال السنوات الأربع الأخيرة، وقام السيسي بأربع زيارات لألمانيا أعوام 2015 و2017 و2018 و2019.
السيسي وميركل
كما قامت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بزيارتين إلى مصر الأولى في مارس 2017، والثانية في فبراير 2019، والتقى الرئيس السيسي والمستشارة الألمانية مؤخرا مرتين على هامش أعمال قمة العشرين في اليابان، ولاحقا في فرنسا على هامش أعمال قمة السبع الصناعية.
وللمرة الأولى في تاريخ العلاقات بين البلدين، يقوم رئيس الوزراء بزيارة ألمانيا مرتين في مدة أقل من ستة أشهر، وذلك في يناير 2019، ثم يونيو 2019، على رأس وفد كبير من الوزراء ورجال الأعمال.
كما قام وزير خارجية ألمانيا "هايكو ماس" بزيارة إلى القاهرة يومي 29 و30 أكتوبر 2019، حيث التقى بالرئيس السيسي، فضلا عن إجراء مباحثات مع وزير الخارجية المصري تناولت العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية.
التعاون السياحي والثقافي
وعلى صعيد التعاون السياحي، تحتل السياحة الألمانية إلى مصر المركز الأول من إجمالي السياحة الأجنبية الوافدة للبلاد وذلك للعام الرابع على التوالي.
وقفز عدد السائحين الألمان الذين زاروا مصر إلى 2.5 مليون سائح خلال 2019، لتحتل بذلك المركز الأول في قائمة الدول التي ترسل سائحيها إلى مصر، مقارنة بحوالي 1.8 مليون سائح خلال 2018، وهو ما يمثل زيادة بنحو 38.8% على أساس سنوي.
وفيما يتعلق بالتعاون الثقافي والآثار، زار وزير الآثار ألمانيا في الفترة من 12 إلى 14 مايو 2019، تم خلالها مناقشة الإجراءات التنفيذية لتأثيث متحف "إخناتون" بالمنيا بعد موافقة البوندستاج على تقديم تمويل مبدئي بقيمة مليوني يورو، خلال موازنة عام 2019 مع توفير تمويل إجمالي بقيمة 10 ملايين يورو لإتمام عملية التأثيث خلال السنوات المقبلة.
وبناء على جهود مكثفة من قبل السفارة في برلين بالتنسيق مع الجهات الوطنية، قام وزير الخارجية الألماني "هايكو ماس" خلال زيارته للقاهرة يومي 28 و29 أكتوبر 2019، بتسليم الكتاب الأثري "أطلس رائف أفندي" لوزير الخارجية، بحضور وزيرة الثقافة، حيث كان قد تمت سرقة "الأطلس" من دار الكتب والوثائق القومية.
التعاون في مجال التعليم
في مجال التعليم العالي والجامعة الألمانية التطبيقية الجديدة، وقع وزير التعليم العالي والبحث العلمي، على هامش زيارة الرئيس السيسي لبرلين في أكتوبر 2018، اتفاقية إنشاء الجامعة الألمانية الدولية GIU في العاصمة الإدارية الجديدة كأول جامعة للعلوم التطبيقية في مصر، بالاشتراك مع تحالف الجامعات التطبيقية الألمانية والجامعة الألمانية بالقاهرة، وبدأت الدراسة بالفعل في مقر مؤقت لها بالجامعة الألمانية بالتجمع الخامس GUC.
التعاون الاقتصادي والتجاري
وبالنسبة لعلاقات التعاون الاقتصادي والتجاري، ترتبط مصر وألمانيا بلجنة اقتصادية مشتركة تعقد اجتماعاتها بشكل سنوي بالتناوب بين البلدين.
وتعد مصر ثالث أكبر شريك تجارى لألمانيا في الشرق الأوسط، وسجل حجم التبادل التجاري بين البلدين في 2017 أعلى مستوياته بقيمة 5،8 مليار يورو، وعلى الرغم من انخفاض حجم التبادل التجاري عام 2018 إلى 4.48 مليار يورو بنسبة انخفاض 21.7%، إلا أن ذلك حمل بطياته مؤشرات إيجابية للجانب المصري، حيث يرجع لانخفاض الواردات المصرية من ألمانيا بنسبة 29% مقابل زيادة ملحوظة في الصادرات المصرية غير البترولية للسوق الألماني للعام الثالث على التوالي بنسبة 9.4%.
وارتفع حجم التبادل التجاري في الفترة من يناير- يوليو 2019 إلى 3.012 مليار يورو بزيادة 15% مقارنة بنفس الفترة العام الماضي.
الاستثمارات الألمانية في مصر
تحتل ألمانيا المرتبة العشرين ضمن قائمة أهم الدول المستثمرة في مصر، حيث يوجد في مصر حوالى 900 شركة ألمانية تعمل في جميع أنحاء الجمهورية، ودائما ما يسعى المسئولون المصريون إلى جذب استثمارات المزيد من الشركات والمؤسسات إلى السوق المحلية.
وخلال عام 2015، وقعت وزارة الكهرباء عقدا لإنشاء 3 محطات لتوليد الكهرباء في مصر بالتعاون مع شركة سيمنز الألمانية، في حين توصلت وزارة التعاون الدولي في نوفمبر 2019 إلى اتفاقية تعاون مع الجانب الألماني لتمويل عدة مشروعات في مجالات كفاءة الطاقة وتأهيل المدارس المهنية والتعليم وتطوير البنية الأساسية في المناطق الحضرية.
ووفقا لبيانات الهيئة العامة للاستثمار، يبلغ إجمالي حجم الاستثمارات الألمانية في مصر 640.6 مليون دولار حتى نهاية سبتمبر 2019، تتركز في حوالى 1183 شركة بمجالات متنوعة "الصناعة، والسياحة، والانشاءات، والقطاع الخدمي، والزراعة، وتكنولوجيا المعلومات".
وتعد مصر من الدول ذات الأولوية بالنسبة للحكومة الألمانية فيما يتعلق بتقديم ضمانات للاستثمار، حيث تأتى ضمن أكثر 10 دول حصولا على ضمانات الاستثمار الألمانية، ويبلغ حجم الالتزامات الألمانية إزاء ضمانات الاستثمار الممنوحة لمصر حاليا 18 ضمانا بقيمة 1.4 مليار يورو، بما يعكس ثقة الحكومة الألمانية في مناخ الاستثمار المصري.
كما تهتم شركة "بي إم دبليو" بتوسيع أنشطة عملها في مصر، وتسعى "بي إم دبليو" إلى التواجد في سوق السيارات الكهربائية بمصر، وبدأت هذا التوجه بإهداء سيارة من طراز i3 الكهربائية بالكامل إلى وزارة الاستثمار والتعاون الدولي.
وتم التوقيع في 9 أكتوبر 2019 على اتفاق التعاون بين الهيئة القومية لسكك حديد مصر وهيئة السكك الحديدية الألمانية "دويتشه بان"، لتقديم الخدمات الاستشارية وخدمات التدريب المهني والتعليم الفني.
وبدأت شركة سيمنز الألمانية في تنفيذ أحد أهم المشروعات الكبرى في عهد الرئيس السيسي، وهو مشروع القطار الكهربائي السريع، بإجمالي أطوال حوالى 1000 كم على مستوى الجمهورية، وبتكلفة إجمالية تقترب من 360 مليار جنيه.
القطار الكهربائي
واستقبل الرئيس السيسي جو كايسر رئيس شركة سيمنز، والدكتور رولاند بوش نائب الرئيس التنفيذي وعضو مجلس إدارة الشركة، وحينها طلب الرئيس نقل تحياته إلى المستشارة الألمانية ميركل، معربا عن التقدير البالغ لمسيرة التعاون بين مصر وشركة سيمنز والخبرة الألمانية في مجال الصناعة بوجه عام لما تتسم به من جودة ودقة وانضباط.
ومؤخرا اتفقت الحكومتان المصرية والألمانية، خلال انعقاد جولة المفاوضات السنوية بين الحكومتين لعام 2021، على تخصيص تمويلات تنموية ميسرة ومنح من الجانب الألماني بقيمة 151.5 مليون يورو، لتمويل 15 مشروعا تنمويا في قطاعات: التعليم الفني والتدريب المهني ودعم الابتكار بالقطاع الخاص والهجرة وسوق العمل والإصلاح الإداري والتنمية الحضرية وكفاءة الطاقة والطاقة المتجددة، وذلك في إطار العلاقات الاقتصادية المشتركة بين الدولتين بهدف دعم رؤية مصر التنموية وسعيها نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
كما تعقد مصر أيضا شراكة مع شركة سيمنس الألمانية، في مجال صناعة الهيدروجين الأخضر، في إطار تنفيذ استراتيجية الدولة للتوسع في مجالات الطاقة الخضراء، وزيادة مساهمة نسبة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة، والاهتمام الذى يوليه قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة لتنويع مصادر إنتاج الطاقة الكهربائية، والاستفادة من ثروات مصر الطبيعية، وبخاصة مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، ومن بينها إنتاج واستخدام وتصدير الهيدروجين الأخضر، تماشيا مع التوجه العالمي في هذا المجال.
التعاون العسكري بين مصر وألمانيا
شهد التعاون العسكري بين مصر وألمانيا، خلال السنوات السبع الماضية تطورا كبيرا للغاية، ودخل مرحلة مختلفة عن السابق، بفضل جهود الرئيس عبدالفتاح السيسي.
والتعاون العسكري بين مصر وألمانيا ليس جديدا، لكنه تعزز بوضوح خلال الأعوام القليلة الماضية، عندما تعاقدت مصر مع شركة تيسين جروب الألمانية على شراء 4 غواصات من طراز 209، واستلمت مصر بموجب التعاقد الغواصات الأربع خلال الفترة من عام 2017 إلى عام 2021.
تدشين الغواصة
كما تواصل التعاون بين الجانبين، إذ عقد الرئيس السيسي اجتماعا مؤخرا مع بيتر لورسن، مالك ورئيس مجلس إدارة مجموعات شركات لورسن الألمانية العالمية للصناعات البحرية، بحضور الفريق أحمد خالد قائد القوات البحرية، لبحث تطوير منظومة الصناعات البحرية والخطط الخاصة بالتطوير التكنولوجي التي تحتاجها هذه الصناعة الاستراتيجية.
توافق مصري ألماني على القضايا الإقليمية
وبشأن العلاقات المصرية الألمانية، أكد السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن هناك توافقا مصريا ألمانيا على معظم القضايا الإقليمية والدولية.
وأضاف حجازي، في تصريحات تليفزيونية، أن دعوة الرئيس السيسي للقمة الرابعة الألمانية في إطار مبادرة مجموعة العشرين للاستثمار التنمية في إفريقيا، هي تأكيد على مكانة الدولة المصرية، بوصفها عنصر الاستقرار والأمن في المنطقة وصاحبة رأى للتنمية نحو القارة الأفريقية.
كما أشار إلى أن الرئيس السيسي كان شريكا للقمم الأربع التي دعت إليها ألمانيا في إطار الشراكة بين مجموعة العشرين وإفريقيا منذ عام 2017 عندما تولت ألمانيا رئاسة مجموعة العشرين، مؤكدا أن العلاقات المصرية الألمانية لها باع طويل من الاستقرار، منذ الزيارة الهامة والتاريخية التي قام بها الرئيس السيسي لبرلين.