EN
رغم التراجع الملحوظ الذى تشهده حرفة الفركة عن العقود القريبة الماضية ، إلا أن ذلك لا يوحى مطلقاً بأن " الفركة " فى طريقها للاندثار و الانقراض ، فالمحاولات الشبابية تسعى إلى إعادة إحياء هذه الحرفة العريقة و الإبقاء عليها ، لكن من خلال ابتكارات جديدة للمنتجات تتماشى مع طبيعة المرحلة الحالية ، مع محاولات أخرى من قبل كبار السن للإبقاء على حرفتهم التى توارثوها عن آبائهم و أجدادهم بمركز نقاده جنوب قنا .
الفركة النقادية
الشباب يرون فى السياح الأجانب أكبر استثمار، لإعادة الإعلان الترويج عن الفركة النقادية بأشكال و ألوان و أحجام مختلفة عن ذى قبل ، لكن مع الاحتفاظ بأصل الحرفة ، والذى كان ومازال سبباً فى تفضيلها عن الكثير من المنتجات المنافسة رخيصة الثمن لكنها قليلة الجودة.
عشرة عمر
كبار السن الذين عملوا في الفركة لأعوام عديدة، اعتادت أياديهم على غزل خيوط الفركة حتى تصبح منتجاً له قيمة ، ولم يعد بوسعهم تعلم مهن أو حرف أخرى ، توفر لهم عائد مادى يلبى احتياجاتهم المعيشية ، فضلاً عن قضاء أوقات فراغهم فى عمل مفيد ونافع يعتبرونه بمثابة "عشرة عمر".
الأنوال الحديثة تنقذ المهنة
توقعات كثيرة كانت ومازالت تشير إلى موت قريب لحرفة " الفركة" ، لكن الأنوال المستحدثة التى تنسج عليها الفركة ، بدأت تعود للكثير من المنازل بعدما غادرتها منذ سنوات، بجانب مشاريع بعض الجمعيات الأهلية التى تعتمد على شباب وفتيات للإبقاء على هذه الحرفة التراثية، لتؤكد مقولة عشاق الحرفة بأن "الفركة لن تموت".
الفركة كغيرها من الحرف التراثية التى اشتهر بها صعيد مصر، لكنها تميزت عن غيرها من الحرف، بأنها تراث فرعوني استقر فى مدينة نقادة ومازال باقياً حياً حتى الآن، وفرضت المدينة على الفركة ، لتصبح النقادية ، بعدما كانت تحمل أسماء أخرى.
قالت أم محمد:أحببت الفركة منذ أن كنت صغيرة، لكن الظروف لم تتيح لى العمل بها فى البداية، إلى أن عملت فى جمعية الشابات المسلمات بنقادة، و تعلمت الحرفة هناك من خلال مشاهدتي للبنات أثناء العمل على النول اليدوى المخصص لصناعة الفركة، ومن وقتها و أنا أعمل فى الفركة من الساعة السابعة صباحاً وحتى نفس الساعة مساءًا حباً فى الفركة التى تعلقت بها منذ بدأت العمل فيها و نسج خيوطها.
شال أو " طرحه
و أضافت أم محمد، الفركة كأى حرفة يدوية تمر بمراحل وخطوات كثيرة فى العمل، تبدأ بتدوير الخيوط ثم صفها على النول و إحضار الرسمة أو التصميم المطلوب، ووضعه على خيوط أثناء شدها على النول ، ليخرج فى النهاية " شال" أو " طرحه" مصنوع من خيوط الفركة الطبيعية، يختلف فى الحجم والشكل وهو ما يميز منتجات الفركة و يجعلها مختلفة عن غيرها من المنتجات، مشيرة إلى أن "الشال" الكبير المصنوع من خيوط الفركة، من الممكن تحويله إلى منتجات و أشكال أخرى، فالبعض يحوله إلى فستان أو جلابية، خاصة المنتجات التى يتم تصديرها إلى الخارج، وهو التوجه الحديث الذى طور وغير فى شكل الفركة القديمة.
و أضاف عزمى عبدالسيد٨٠ عاماً : أعمل بالفركة منذ أن كنت طفلاً صغيراً، حيث كانت هى الحرفة الأهم والأساسية فى مدينة نقاده والقرى المحيطة بها ولا يخلوا منها أى منزل ،وكانت بمثابة مصدر رئيس للدخل ، و مع الوقت بدأت تتراجع و تختفى فترات ، لكنها مازالت باقية يعمل فيها كبار السن أمثالنا.
و قال أحمد سليمان، 64 عاماً : عملت في حرفة الفركة و أنا عمرى 9 أعوام، لكن سافرت فترة للخارج، و عندما عدت لم أجد غيرها ، فبدأت أعمل و أتاجر و أغير في نظامها ، و أحضرت عدد من كبار السن الذين يعلمون فى الفركة منذ الصغر، لنعمل سوياً فى الحرفة التى لا نجيد غيرها، ونحافظ عليها من الإندثار، فتعبها يجعل الشباب يعزفون عن العمل فيها.
و أضاف سليمان ، الفركة رغم ما تعانيه من إندثار وتراجع ، إلا أنها مطلوبة لدى فئات كثيرة خاصة خارج مصر، لكن نحتاج دعم المحافظة للتوسع فيها ، و المساعدة فى عملية التسويق والترويج، فالفركة كان لها سوقاً رائجاً فى القرن الماضى بالبلاد الإفريقية، لوجود اعتقادات لديهم بأنه لابد من شراء قطعة فركة أو كما يسمونها شال لكل سيدة تلد أو فتاة تتزوج حتى تكتمل هذه الطقوس.
الفركة تصارع من أجل البقاء
فيما قال حازم توفيق، مدير مركز الفركة بجمعية الشابات المسلمات بنقاده، الفركة حرفة تراثية و فن من فنون النسيج المتوارث منذ عصر الفراعنة، و مدينة نقاده كانت تشتهر فى كل دول افريقيا بتصدير الفركة، لكن فى الفترة الأخيرة تراجعت صناعة الفركة لأسباب كثيرة منها تدنى أجور العمال، وتراجع مستوى البيع عن السابق، واستغراقها وقت وجهد كبير، لكننا نحاول بقدر الإمكان من خلال تصميمات و أشكال جديدة فى صناعة الفركة البقاء والاستمرار.
و أضاف توفيق، الفركة تتميز عن غيرها، بأنها حرفة طبيعية لا تعتمد على أى مواد أو صبغات صناعية بعكس المنتجات الأخرى، وهو ما يجعلها ذات قيمة و جودة عالية، لكن تحتاج لفتح مجال أكبر لتطوير حرفة الفركة و تعليم صناعتها فى المدارس الصناعية، و طالبنا من قبل بإنشاء قسم للنسيج اليدوى فى المدارس الصناعية، أسوة بالأقسام الموجودة بأخميم وكرداسة.
