لا يزال التوتر يسيطر على الحدود الفاصلة بين روسيا وأوكرانيا خاصة مع مواصلة الحشد الروسي استعدادا لشن هجوما محتملا ضد كييف "عاصمة أوكرانيا وأكبر مدنها، وتقع في شمال وسط البلاد على نهر الدنيبر".
وتؤكد كافة الأنباء الواردة من المنطقة الفاصلة بين الدولتين إضافة إلى تصريحات المسؤولين خاصة الصادرة عن حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية والمراقبين الدوليين والمهتمين بما تشهده الحدود بين روسيا وأوكرانيا قرب شن الدب الروسي هجوما عسكريا.
ووسط التأهب العسكري بين روسيا والغرب وحلف الناتو وأوكرانيا يعود إقليم دونباس الواقع جنوب شرق أوكرانيا هذه الأيام إلى الواجهة مرة أخرى بعد 8 سنوات مضت تصدر خلالها عناوين الأخبار الدولية، كان الإقليم حينها، عنوانا رئيسيا للتوتر بين البلدين.
أهمية إقليم دونباس الاستراتيجية
وفي التقرير التالي نستعرض بعض الحقائق عن إقليم دونباس الذي اكتسب أهمية كبيرة في ظل الصراع الدائر بين موسكو وكييف.
على مدار 8 سنوات مضت، كان إقليم دونباس عنوانا رئيسا للتوتر بين أوكرانيا وروسيا في مناطق الشرق، وبه ارتبطت كثير من الاتهامات بين موسكو وكييف، خاصة فيما يتعلق بالالتزام بالهدن، وتنفيذ اتفاقات "مينسك" للتسوية.
وعاد الإقليم بقوة لتصدر مشهد التصعيد الراهن، لا سيما بعد دعوات في حزب "روسيا الموحد" الحاكم لتسليح دونباس، ومشروع روسي آخر للاعتراف بمنطقتي دونيتسك ولوهانسك فيه كـ "جمهوريتين مستقلتين" تمهيدا لضمهما على غرار القرم عام 2014.
ويقع إقليم دونباس جنوب شرق أوكرانيا، على مساحة تقدر بنحو 52.3 ألف كلم مربع، ويضم منطقتي دونيتسك ولوهانسك المتاخمتين للحدود مع روسيا، وحتى 2014، كان دونباس يوصف بـ "سلة الصناعة والغذاء" في أوكرانيا، لما فيه من ثروات طبيعية وصناعات ثقيلة ومساحات زراعية، إضافة إلى غناه بمناجم الحديد والفحم المستخدم في المصانع ومحطات توليد الطاقة والتدفئة.
ويضم الإقليم نحو 4 ملايين نسمة، 56.8% منهم أوكرانيون، ونحو 38.2% من أصول روسية، لكن اللغة السائدة فيه كانت -ولا تزال- الروسية. ولهذا كان الإقليم (مع القرم) عاملا رئيسيا في وصول الموالين لموسكو إلى سدة الحكم قبل أحداث 2014 وما تبعها.
وكان دونباس مهدا رئيسا لشعبية ورموز "حزب الأقاليم" الموالي لروسيا، الذي حكم أوكرانيا بين 2010 ونهاية 2013.
الحراك في دونيتسك ولوهانسك
بعد هروب الرئيس الأوكراني السابق، فيكتور يانوكوفيتش، إلى روسيا في فبراير 2014، وأحداث القرم التي أدت إلى ضمه في وقت لاحق من مارس من العام نفسه، بدأ في منطقتي دونيتسك ولوهانسك حراك الانفصال أوائل الشهر التالي.
وسريعا ما انتقل الحراك إلى شكل مسلح، بعد أن استفاقت كييف من صدمة الفراغ الحكومي الذي خلفه هروب معظم المسؤولين في نظام يانوكوفيتش، وقد ساعد على ذلك سيطرة الانفصاليين الموالين لروسيا، والمناوئين لسلطات كييف الجديدة الموالية للغرب، على المقار الحكومية والمواقع العسكرية، في المدن الرئيسية وغيرها، قبل أن يعلنوا من جانب واحد في 7 أبريل 2014 عن قيام "جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين".
ولم يعترف أي طرف بهاتين "الجمهوريتين" لكنهما طمحتا سريعا إلى عضوية الاتحاد الروسي، وحاولتا الوحدة فيما بينهما باسم "روسيا الجديدة" كما سعتا إلى الاستحواذ على مناطق أوكرانية أخرى شرق البلاد.
وشكلت كييف آنذاك ما عرف بـ "عملية مكافحة الإرهاب" واستطاعت بعد شهور استعادة عدة رئيسية مدن سيطر عليها الانفصاليون (سلافيانسك، كراماتورسك، ماريوبول) فتوقفت -عمليا- أطماعهم التوسعية.
منذ بداية الأمر، أصرت موسكو على اعتبار أن ما يحدث شرق أوكرانيا "حرب أهلية" مؤكدة أنها لا تدعم الانفصاليين، وأنها "وسيط" بينهم وبين كييف.
وبطبيعة الحال، رفضت كييف هذا الأمر، بل تحولت تدريجيا إلى اتهام روسيا بإرسال مسلحين متقاعدين ومرتزقة وأسلحة وعتاد ثقيل لم يكن موجودا بالمنطقة، تحت غطاء قوافل كثيرة من "المساعدات الإنسانية" عبر مسافة حدودية خارجة -حتى اليوم- عن سيطرة أوكرانيا، تقدرها كييف بنحو 400 كلم من أصل نحو 2295 كلم، هي كامل الحدود البرية والبحرية بين البلدين.
التحول إلى نمط الحياة الروسية
وبسيطرة الانفصاليين الموالين لروسيا عليها، تحولت تلك المناطق إلى نمط الحياة الروسية، بدءا من الاتصالات، ومرورا بالخدمات، وحتى الاعتماد على الروبل الروسي بدلا عن الهريفنيا الأوكرانية، حيث يحصل السكان على رواتب شهرية وتقاعدية بدعم روسي غير معلن.
والحدود البرية، التي تسيطر عليها روسيا، مفتوحة أمام حركة السكان والبضائع في "الجمهوريتين" اللتين أصدرتا "جوازات سفر" خاصة بهما تعترف بها روسيا فقط.
لكن التغيرات المحورية، التي طرأت على المنطقتين بشكل عام، تشمل ما يلي:
- النزوح: بناء على الإحصائيات الرسمية، تفوق أعداد النازحين (داخليا) 1.5 مليون نسمة، بينما تقدر أعداد النازحين إلى روسيا المجاورة بنحو 600 ألف.
- التجنيس: تسارع روسيا الخطى وبشكل علني لتوزيع جنسيتها على سكان دونيتسك ولوهانسك.
- وفي يوليو 2021، أعلن دميتري كوزاك نائب رئيس إدارة الكرملين أن حوالي مليون أوكراني حصلوا على الجنسية الروسية بين عامي 2016 و2020 فقط.
- ذكر دينيس بوشيلين رئيس "جمهورية دونيتسك الشعبية" أن 400 ألف من السكان حصلوا فعلا على الجنسية الروسية.
- التسييس: تغيب مظاهر الحياة السياسية "الأوكرانية" تماما عن المنطقتين اليوم. وبالمقابل، تنشط فيها عدة أحزاب روسية محدودة الشعبية، لكنها موالية لنظام الحكم في روسيا.
وبناء على كل ما سبق، يعتبر الأوكرانيون أن روسيا، التي ضمت القرم بسرعة، قضمت لاحقا دونباس ببطء وحولته إلى فضائها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فعقّدت أي إمكانية للتسوية السياسية على أساس اتفاقيات مينسك.
الصراع المسلح في منطقتي دونيتسك ولوهانسك أدى إلى مقتل 13 ألف أوكراني من بينهم 8 آلاف جندي.