الفرار من النيران هو السبب الأول والدافع الأقوى لهجران الوطن والسكن واللجوء إلى مآوٍ هي في أحوال كثيرة ليست أفضل حالًا من الموت، أو هي بعض الأحيان موت أبطأ وأقسى.
مع حلول كل شتاء، تغدو مخيمات اللجوء، والتي تنشأ أساسًا كمأوى من الموت بنيران الحروب، أقرب إلى مقابر جليدية منها إلى تجمعات للنجاة، فمن لم تطاله قذيفة أو رصاصة في وطنه تجمد بردًا ودُفن في قبره المكسو بالبياض. الأبيض يصير حينئذ مرادفًا للموت كما الأحمر.
شمال سوريا.. من لم يمت بالنار مات بالثلج
وفقًا لقناة "فرانس 24"، ضربت عواصف ثلجية شمال سوريا بدءا من يوم 18 يناير، ما تسبب في أضرار بالغة فيما لا يقل عن سبعة وأربعين مخيما لأشخاص نازحين. وتظهر مقاطع فيديو نشرت على الإنترنت مخيمات لاجئين في منطقتي عفرين وأعزاز وقد غطتها الثلوج. وقد تم الإعلان عن وفاة ثلاثة أطفال وانقطاع طرق بسبب تساقط الثلوج، ما يزيد مأساوية الوضع في هذه المخيمات البدائية.
وشهدت عدة مناطق من محافظة حلب شمال سوريا قرب الحدود مع تركيا موجة برد قوية بنزول درجات الحرارة إلى ما دون درجة التجمد بعد تساقط كميات كبيرة من الثلوج بدءا من صباح يوم 18 يناير. وقد تغطت مخيمات السوريين النازحين بطبقات كبيرة من الثلوج ما أدى إلى سقوط بعض الخيام بسبب الوزن الكبير للثلوج.
ومنذ سنة 2011، أجبر ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص بسبب الصراع على النزوح إلى مناطق شمال غرب سوريا. ويعيش أكثر من 1,7 مليون منهم في مخيمات متهالكة وبدائية أو في بنايات غير مكتملة. كما أن عددا كبيرا من هذه الملاجئ المؤقتة في هذه المخيمات دون سقف أو دون عوازل أو أنها تعرضت لأضرار بسبب الكوارث الطبيعية.
وبدأت المنظمات الإغاثية في التحرك لتنظيف الطرقات وتقديم المحروقات والغذاء والأغطية للناس المتواجدين في المخيمات. وتبدي هذه المنظمات قلقها من إمكانية حدوث فيضانات عندما تبدأ الثلوج في الذوبان.
كما أن محاولات الحصول على الدفء تبدو خطيرة إذ توفي طفلان في مخيم شمال مدينة حلب بعد اندلاع حريق في خيمتهم بعد أن أوقدت النار داخلها حسبما نقلته قناة سي إن إن الأمريكية.
وقد أجبر أكثر من 6,7 مليون شخص في سوريا على النزوح داخل البلاد بعد حرب أهلية هزت البلاد منذ سنة 2011. فيما يعيش 6,8 مليون شخص آخرين كلاجئين في دول أخرى مثل تركيا ولبنان والأردن.
هبة تجتاح لبنان
تضرب عاصفة ثلجية قوية معظم المناطق اللبنانية والجبلية، وتخلف أوضاعا مأساوية في مخيمات اللاجئين السوريين، الذين يعيشون في خيم من القماش والبلاستيك غير معدة لمقاومة الثلج والصقيع وتدني درجات الحرارة إلى عدة درجات تحت الصفر.
وأطلق علماء الأرصاد الجوية على العاصفة التي تضرب لبنان باسم "هبة"، وهي من أقوى العواصف التي تضرب لبنان مع مطلع هذا العام، ويتوقع أن تلامس الثلوج المناطق الجبلية التي تعلو عن 600 متر عن سطح البحر، لتخلف بعدها موجة من الصقيع والجليد.
وفي حديث خاص لموقع "سكاي نيوز عربية" مع عائلة غرقت خيمتها في مياه الأمطار والثلوج، قالت صباح، وهي أم لـ6 أولاد: " نحن من سكان مخيم في منطقة بحنين المنية (شمالي لبنان).. نعيش ظروفا صعبة للغاية، وإضافة الى البرد الشديد فقد غرقت خيمنا بالمياه وتمزقت الخيم المصنوعة من البلاستيك والنايلون.. نحن بحاجة لمساعدة".
وأضافت: "يتكون مخيمنا من 15 خيمة وهو واحد من أصل 185 مخيما في منطقة بحنين يأوي عشرات العائلات. نعاني من انقطاع مساعدات المنظمات الدولية ونفتقد مادة المازوت للتدفئة، وحتى عندما قمنا بجمع بعض الأخشاب وأغصان الأشجار.. استهلكت العاصفة ما جمعناه".
وقالت فاطمة، المتطوعة للعمل مع إحدى منظمات المنظمات الشريكة لمفوضية الأمم المتحدة في مخيم البياض الضنية (شمالي لبنان) "نقوم بجولات على المخيمات قبل العواصف والمطر لمساعدة اللاجئين، وأغلبهم يسكنون في بيوت عشوائية أشبه بالخيم ليس فيها تدفئة ولا خدمات صحية لائقة ومنها مخيمات في شمالي لبنان كمخيم البياض على طريق سير الضنية إضافة إلى المجمعات السكنية في منطقة الضنية الجبلية شمالي لبنان.
وأضافت فاطمة: "ليل الأربعاء غمرت المياه أرض المخيم لتصبح طوفانا أغرق الخيم بالماء وأتلف الأثاث والطعام".
وختمت: "تعيش في هذه المخيمات عائلات سورية في الغالب مع بعض العائلات اللبنانية، وفي هذا المخيم ما يقارب 50 خيمة تفتقر للتدفئة ويفترش ساكنيها الأرض في حالة من الفقر يرثى لها".
اللاجئون الفلسطينيون.. المأساة مستمرة
لا يخفى على أحد أن المخيمات الفلسطينية في لبنان تعيش أوضاعاً مأساوية تزداد صعوبة مع كل زخة مطر تتساقط على منازلهم إلا أن موسم الأمطار لم يكن عادياً هذا العام، بعد أن حلت المنخفضات الجوية ضيفاً ثقيلاً على منازل اللاجئين الفلسطينيين في مختلف المناطق اللبنانية، لتضاعف الأزمات المتفاقمة بما يخص البنى التحتية المهترئة وانعدام وسائل التدفئة.
7 تحت الصفر درجة الحرارة في مخيم الجليل للاجئين الفلسطينيين في مدينة بعلبك خلال العاصفة الأخيرة التي ضربت لبنان، وفي الأيام المشمسة ترتفع الحرارة إلى درجة أو درجتين بالكثير، بالتالي فإن البرد القارس يستمر طيلة شهور الشتاء التي تمتد إلى 4 أشهر أحياناً، وهذا ينعكس بشكل كبير على مختلف نواحي الحياة خاصة الأعمال التي تتوقف بشكل كلي، ما يزيد من معدلات البطالة المرتفعة أصلاً.
وبحسب بوابة اللاجئين الفلسطينيين، برزت دعوات لنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بتوخي الحذر خلال المرور في أزقة المخيّمات، لا سيما مخيم برج البراجنة في العاصمة اللبنانية بيروت، نظراً لتساقط الأحجار من أحد المنازل الآيلة للسقوط، جرّاء العاصفة " هبة" التي ضربت لبنان منذ فجر الأربعاء الماضي.
حول العالم
بحلول شهر نوفمبر الماضي، أُجبر أكثر من 84 مليون شخص على ترك منازلهم، وفقا لبيانات صادرة عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين. يمثل هذا الرقم زيادة عن عامي 2020 و2019 - وقد شهدا أرقاما قياسية من حيث أعداد النازحين قسرا، في جميع أنحاء العالم.
اقترن هذا الارتفاع في أعداد النازحين واللاجئين بانخفاض في التنقل العالمي، بشكل عام، بسبب الصرامة في إجراءات السفر، مما دفع المدير العام لمنظمة الهجرة الدولية، أنطونيو فيتورينو، إلى الإعلان أن العالم "يشهد مفارقة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية".
كما حذرت منظمة الهجرة الدولية من أن اللاجئين والمهاجرين الذين ينتقلون، بدافع الضرورة، قد تضرروا، بشكل خاص، من قيود السفر المتعلقة بفيروس كورونا، ووجد الملايين أنفسهم عالقين بعيدا عن ديارهم، وفي أوضاع محفوفة بالخطر.
وتأثرت بلدان أفريقية عديدة بموجات العنف: في جمهورية أفريقيا الوسطى، نشب قتال في أعقاب الانتخابات الرئاسية. بينما شهدت منطقة دارفور السودانية أعمال عنف قبلية؛ أما في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، فقد ارتكبت الجماعات المسلحة فظائع؛ وشهدت بوركينا فاسو ارتفاعا في الهجمات الجهادية العنيفة. وقد أسفر كل ذلك عن نزوح مئات الآلاف من الأشخاص.
تسبب الصراع المتصاعد في منطقة تيجراي الإثيوبية في عام 2021 في حالة قلق واسعة النطاق ونزوح جماعي، حيث أبلغت المفوضية عن عبور أشخاص يائسين إلى السودان وليست معهم سوى الملابس والقليل من الأمتعة.
في غضون ذلك، سرعان ما وجد الإريتريون، الذين لجأوا إلى إثيوبيا هربا من العنف في بلادهم، أنفسهم محاصرين في القتال في إقليم تيجراي، وفي مارس الماضي أظهرت صور التقطتها الأقمار الصناعية أن المخيمات التي كانت تأوي آلاف اللاجئين الإريتريين قد أحرقت تماما.
وحتى قبل سيطرة طالبان على أفغانستان في أغسطس، أجبر تدهور الوضع الأمني في البلاد أكثر من ربع مليون شخص على ترك ديارهم، بحلول تموز/يوليو، مما رفع العدد الإجمالي للنازحين داخليا إلى 3.5 مليون. وحذر مدير المنظمة الدولية للهجرة، أنطونيو فيتورينو، في نوفمبر من أن الصراع المستمر والفقر المدقع وحالات الطوارئ المتعلقة بالمناخ دفعت البلاد إلى حافة الانهيار.
برغم أن الصراع يبدو أنه سيظل محركا رئيسيا للنزوح الطوعي والقسري في السنوات القادمة، فمن المرجح أن يلعب تغير المناخ دورا متزايد الأهمية.
تُظهر بيانات مفوضية اللاجئين أنه على مدار العقد الماضي، تسببت الأزمات المتعلقة بالطقس في حدوث أكثر من ضعف حالات النزوح التي تسببت فيها النزاعات والعنف: منذ عام 2010، أجبرت الأحوال الجوية القاسية حوالي 21.5 مليون شخص سنويا على الانتقال.