أعلن جيش بوركينا فاسو، الإثنين الماضي، أنه أطاح بالرئيس روك كابوري، وعلق العمل بالدستور وحل الحكومة والبرلمان وأغلق الحدود.
الجيش يتحرك.. ما الذي حدث
وجاء في الإعلان، الذي وقعه اللفتنانت كولونيل بول هنري سانداوجو داميبا وقرأه ضابط آخر في التلفزيون الحكومي، أن الاستيلاء على الحكم تم دون عنف، وأن الذين اعتقلوا في مكان آمن.
وأفادت مصادر أمنية، بأن الرئيس كابوري قد اعتقل على أيدي عسكريين تمردوا على سلطته، في انقلاب سارع الاتحاد الأفريقي إلى التنديد به.
وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، قد يكون استيلاء الجيش على بوركينا فاسو مثيرا للقلق، ولكنه لم يكن بعيدا عن التوقعات، فالإطاحة بالرئيس روش كابوري هي رابع انقلاب في غرب أفريقيا خلال الأشهر الـ 17 الماضية.
وقد شهدت مالي المجاورة انقلابين عسكريين خلال تلك الفترة، نجما عن تزايد المخاوف بشأن عدم قدرة من هم في سدة الحكم على التعامل مع عنف الجماعات الإسلامية المتشددة الآخذ في التنامي.
ما مدى خطورة تهديد الجماعات الإسلامية؟
كما هو الحال في مالي، كانت تنحية كابوري نتيجة الاستياء المتزايد بين قوات الأمن، بسبب إخفاقه المزعوم في تقديم الدعم الكافي لهم ضد المسلحين المرتبطين بكل من القاعدة وتنظيم داعش. وجرى الإبلاغ عن تمردات في العديد من معسكرات الجيش يوم الأحد، في العاصمة واجادوجو وبلدتي كايا وواهيجويا الشماليتين.
وجاءت الاضطرابات بعد شهور من الاحتجاجات المناهضة للحكومة والمطالبة باستقالة الرئيس.
وقد تسببت هجمات المتشددين التي بدأت في عام 2015 في مقتل أكثر من 2000 شخص وأجبرت 1.5 مليون شخص على ترك منازلهم، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة.
كما أن المدارس مغلقة في أجزاء كبيرة من البلاد لأن فتحها يشكل خطورة كبيرة على الطلاب.
وتراجعت ثقة الشعب في إدارة الرئيس كابوري للأزمة الأمنية بشكل حاد، بعد هجوم في قرية سولهان الشمالية في يونيو 2021. وقتل أكثر من 100 شخص في الهجوم الذي ألقي باللوم فيه على متشددين عبروا الحدود من مالي. وقد أثار هجوم سولهان احتجاجات المعارضة في العاصمة، مما أجبر كابوري على إجراء تعديل في حكومته وتعيين نفسه وزيرا للدفاع.
كما أدى هجوم آخر على قاعدة إيناتا العسكرية الشمالية في نوفمبر 2021 إلى ازدياد حدة الغضب تجاه الحكومة.
وقد أسفر الهجوم عن مقتل أكثر من 50 عنصراً من قوات الأمن، وذكرت تقارير أن القاعدة بعثت برسالة استغاثة تطلب فيها حصصا غذائية ومعدات إضافية قبل أسبوعين من الهجوم، لكن تلك المساعدات لم تصل أبدا.
وأقال الرئيس حكومته إثر الهجوم، وعيّن رئيس وزراء ووزير دفاع جديدين قبل محادثات المصالحة الوطنية مع المعارضة.
كيف انتشر عنف المتشددين في بوركينا فاسو؟
على الرغم من التقلبات الأمنية والسياسية في غرب أفريقيا، تمتعت بوركينا فاسو باستقرار، وإن كان هشا، إلى أن شهدت انتفاضة شعبية عام 2014 أطاحت بالرئيس السابق بليز كومباوري. وخلفت محاولة انقلاب عام 2015 الجيش منقسما بشدة، وقد انتخب روش كابوري لأول مرة في ذلك العام بناء على تعهد بتوحيد البلاد. لكن وقع هجوم شنه متشددون من مالي المجاورة، التي صادر فيها الجهاديون محاولة تمرد انفصالي عام 2012، في عاصمة بوركينا فاسو بينما كان كابوري يستعد لتولي زمام القيادة.
وقد استغلت الجماعات المسلحة ضعف الوجود الأمني في المناطق الحدودية المكشوفة في بوركينا فاسو لشن المزيد من الهجمات، وترسيخ وجودها. وأثار الجهاديون أيضا توترات طائفية بين المجتمعات المسيحية والمسلمة التي كانت موجودة سابقا ومتعايشة بشكل سلمي في بوركينا فاسو.
كما استفاد المسلحون من حالة شبه غياب للدولة ونقص الدعم الإنساني، الأمر الذي ترك المجتمعات ضعيفة وعرضة للتجنيد، كما قوض الوجود المسلح المشاركة السياسية.
وفي عام 2020، لم يتمكن الناخبون الذين فروا من منازلهم في أجزاء من الشمال والشرق من المشاركة في الانتخابات الرئاسية، التي أعيد فيها انتخاب كابوري وحصل على نسبة 58 في المئة من الأصوات. وقد أدى ضغط المتشددين على المجتمعات إلى تنامي السخط العام خلال الولاية الثانية للرئيس.
وهناك مخاوف متزايدة من أن تصبح تلك الانقلابات نمطا ونموذجا. ومن الواضح أن الاستعدادات للانقلاب في بوركينا فاسو تشبه الأحداث التي وقعت في مالي قبل استيلاء العسكريين على السلطة في أغسطس 2020. وكانت احتجاجات حاشدة قد عمت مالي، عقب سلسلة من الهجمات القاتلة على أهداف عسكرية ومدنية، أثارها الافتقار المتزايد للثقة في حكومة الرئيس المالي آنذاك إبراهيم بوبكر كيتا. وفي بوركينا فاسو، حاول زعيم المعارضة الرئيسي، إيدي كومبويجو، استغلال السخط العام بشأن انعدام الأمن لإثارة الغضب. لكن في حين دعم الشعب في مالي الانقلاب العسكري على نطاق واسع، قد يكون الناس في بوركينا فاسو حذرين من تفاقم انعدام الاستقرار مع تولي الجيش مقاليد السلطة في البلاد.
هل لعبت المشاعر المعادية لفرنسا دورا ما؟
كانت بوركينا فاسو ومالي في السابق من المستعمرات الفرنسية، وواصلت فرنسا الحفاظ على علاقات اقتصادية وأمنية قوية معهما بعد فترة طويلة من الاستقلال. وحالها حال مالي، تعتمد قوات الأمن في بوركينا فاسو على الدعم من فرنسا التي نشرت 5100 فرد في المنطقة في إطار ما أطلق عليه عملية برخان، وقد بدأ ذلك عندما أرسلت فرنسا قوات لمنع الجهاديين من الزحف إلى العاصمة المالية باماكو عام 2013.
لكن التأييد العام للتدخل الفرنسي تراجع مع تدهور الوضع الأمني. وقد منع سكان كايا في ديسمبر قافلة عسكرية فرنسية تنقل الإمدادات إلى جيش بوركينا فاسو، واتهموا قوات برخان بالعمل مع الجهاديين بدلا من دعم جيش البلاد. كما تم طرد فرنسا من منطقة الساحل، التي تضم كلا البلدين، بعد خلاف دبلوماسي مع مالي أدى إلى انسحاب ما يقرب من نصف قوات برخان.