التحف الفنية والمشغولات اليدوية التى تتصدر واجهة منزله بوسط مدينة قوص جنوب محافظة قنا ، لا توحى بأن الرجل الثمانينى نحيف الجسد الذى يقف على مقربة منها ممسكاً بمقص و أدوات قديمة ، وراء صنع هذه المنتجات التى تؤكد بأن ورائها فنان بارع ، لكنه العم سيد النحاس كما يلقبه أبناء المنطقة، الذى اعتاد منذ سنوات بعيدة استثمار مخلفات الصفيح وتحويلها لأشكال وتحف فنية تضاهى بل تفوق أرقى المنتجات التى تباع فى محلات الهدايا .
منتجات ومشغولات العم سيد النحاس ، تكاد تكون محصورة فى عالم السيارات و خاصة النقل الثقيل ، باستثناء مشغولات فنية أخرى لطيور وفوانيس رمضان ، لكن التخصص فى هذا الاتجاه لم يكن عفوياً كما يعتقد البعض ، لكن جلسة بسيطة مع الرجل الثمانينى صاحب الحكايات والمواقف المتعددة ، يكشف السر فى ذلك بأنه عمل لسنوات طويلة سائقاً على معظم المعدات الثقيلة قبل أن يحال إلى المعاش.
قيادته للسيارات والمعدات الثقيلة لفترات طويلة ما بين القطاع العام والخاص ، دفعه لا إرادياً أن يوجه فنه وابتكاراته لصنع نماذج فنية لسيارات نقل ثقيل ، باحترافية شديدة لم يغفل فيها التفاصيل الداخلية لكابينة القيادة أو عجلات السيارة ، متناسياً الساعات و أحياناً الأيام التى يقضيها فى صناعة نموذج سيارة أو معدة ثقيلة ، متلاعباً بألوان الصفائح القديمة لكى يظهر الشكل المطلوب بألوان متناسقة.
بداية سيد النحاس، فى تحويل مخلفات الصفائح إلى تحف فنية، كانت بالتوازى مع صنع " صوانى الكعك" التى يتزايد طلبها خلال فتة الأعياد، لكى توفر له عائد مادى يعينه على مواجهة أعباء المعيشة ومتطلباتها اليومية ، التى رغم ضيقها وضعف عائدها ، إلا أنه يرفض بشدة أن يبيع نماذج السيارات للأطفال ، مهما كان الثمن ، حتى لا يضعون فيها التراب كعادة أطفالنا فى القرى و المناطق العشوائية، خوفاً على الأطفال وحباً فى فنه ومنتجاته التى عانى بشدة حتى يخرجها بشكلها الأخير.
قال سيد عباس محمد النحاس 80 عاماً ، كنت أعمل سائق نقل ثقيل فى القطاع العام ، وبعد إحالتى للمعاش اشتغلت فى القطاع الخاص على كل العربيات الجديدة والقديمة ، وخلال هذه الفترة كنت استثمر وجود الأدوات التى كان يعمل بها والدى فى صناعة " الصوانى" و أحول مخلفات الصفيح إلى أشكال مختلفة ، لكن فترة الازدهار الحقيقية حدثت بعد بلوغى سن للمعاش ، حيث قررت أن استثمر وقتى فى عمل مفيد ونافع يوفر لى احتياجاتي اليومية.
و تابع النحاس ، أشترى الصفائح القديمة من محلات الجبن والسوبر ماركت بمقابل مادى بسيط ، بدلا من إلقائها فى الشوارع ، و أتولى بعد ذلك تحويلها إلى عمل مفيد وتحفة فنيه يمكن اقتنائها، لكننى تأثرت بشدة بعملى فى مجال قيادة السيارات الثقيلة ، وركزت فى معظم أعمالى على تنفيذ مجسمات لسيارات نقل ثقيل بمختلف أنواعها وماركاتها ، لمعرفتى بأدق تفاصيل هذه السيارات.
و أضاف النحاس ، رغم ظروف السن والصحة التى تتراجع يوماً بعد آخر، لكننى حريص أن تتم أعمالى بدقة ومهارة فائقة ، كما تعودت على ذلك فى عملى ، وهو ما أبهر الكثير من المشاهدين لهذه المنتجات ، من أبرزهم وزير النقل السابق خلال زيارته لمدينة قوص منذ سنوات، وكذلك محافظ قنا السابق اللواء عبدالحميد الهجان ، الذى أصر على اقتناء إحدى السيارات.
و أشار النحاس ، إلى أنه يصنع أشكال عديدة من الصفيح بجانب الأشكال الفنية التى يعتبرها هواية قبل أن تكون للتجارة ، منها ألعاب الأطفال والحصالة وأقماع الخبز والصوانى ، بجانب ما يطلبه الزبائن ، متمنياً أن يشمله الرئيس السيسى بعين العطف والرعاية حتى يستكمل رسالته فى الحياة آمناً كريماً ، بتوفير سكن يأويه فى هذا العمر بدلاً من هذا السكن غير الآدمى، والذى تشققت جدرانه ويكاد أن ينهار فوق رؤوس ساكنيه ، وتحقيق وعد رئيس المدينة السابق بتوفير شقة سكنيه .