لم يؤد رحيل الزعيم جمال عبد الناصر لغيابه بل زاده بريقا وحضورا والمثير للدهشة أن يتساوي مؤيدوه ومعارضوه في تقدير هذه المكانة وجاءت تجربته الناصرية فكر ونهجا وممارسة لتشكل فكرا انسانيا صانعا للتاريخ وأحد اهم التجارب العربية التي لازالت تحيا في قلوب الملايين.
أدرك جمال عبد الناصر الحاضر في التاريخ القومي العربي في وقت مبكر عمق العلاقة بين وحدة الهدف والمصير وكان الوعي القومي في فكر عبد الناصر له بالغ الأثر في تعميق الاحساس بالهوية والقومية وشكلت أفكاره مذهبا سياسيا سما بالناصري تيمنا باسمه وكان محركا إلي استنهاض الحس الوطني لأبناء الأمة وانطلاق حركات التحرر العربي والأفريقي فكانت النموذج الذي احتذت به شعوب العالم الثالث انطلاقا من تلك التجربة الناصرية للزعيم الاستثنائي.
تصدي ناصر بجسارة لكل أشكال الاستعمار وكان لسياساته تاثيرا كبيرا علي مجريات الأحداث فمصر عبد الناصر ساندت كل حركات النضال فى العالم العربى وأفريقيا ودول العالم الثالث وكانت قاعدة كل الأحرار المناضلين ومصر ناصر كانت أهم مؤسسي حركة عدم الانحياز في مرحلة الحرب الباردة.
وتعد الناصرية كحركة قومية عربية أحد أبرز مكونات التيار القومي العربي التي ارتكزت علي تجربة الزعيم عبد الناصر فلم تكن فكرا أجوفا أو شعارات تردد وإنما حلما ترجمه ناصر لواقع.
فقد استطاع النهوض بالبلاد وبناء دولة حديثة مستقلة بالرغم من التحدي الأكبر في كون مصر بلد زراعي شبه اقطاعي وأغلب سكانه من الأميين ، لكنه مد لهم يد العون ليشاركونه الحلم بمصر الجديدة من خلال إصدار حزمة قوانين اصلاحات قضت علي التفاوت الطبقي الكبير الذي خلفه العهد الملكي البائد فأعاد صياغة الحياة الاجتماعية من خلال خلق انماط جديدة امتدت في عمق المجتمع المصري ومن رحم اصلاحاته ولدت الطبقة الوسطي لأول مرة في تاريخ مصر .
وأستطاع ناصر بأفكاره وتطلعاته الوطنية أن يعيد بناء مصرعسكريا بتسليحه وتطوير جميع منظوماته ومكوناته بل استطاع أن يعيد صياغة الهوي المصري اتجاه جيشه.
وكانت قراراته تاريخية وجريئة فاصدر قراره التاريخي بتأميم قناة السويس وأصدر قوانين الإصلاح الزراعي واهتم بتأسس قاعدة قوية للصناعات الوطنية والتحويلية فحقق لمصر معدلات نمو اقتصادية غير مسبوقة وكان بناء السد العالي أحد أهم الانجازات العملاقة وأحد المشروعات القومية التي التف حولها عموم الشعب ومازالت شاهدة علي عبقرية هذا الزعيم كما وقع اتفاقية الجلاء العسكري البريطاني عن مصر عام 1956.
وكان صاحب أول فكرة وحدوية مع سوريا والتي لاقت صدى واسعا فأصبح الزعيم العربى الوحيد الذى يوجد له محبين من المحيط للخليج فلأول مرة في التاريخ العربي استطاعت التجربة الناصرية توحيد أغلب الشارع العربي واصطفافه تحت راية القومية العربية وحلم الوحدة العربية.
التجربة الناصرية طبعت بصمة خالدة في التاريخ الحديث وجاء خلود الفكرة من خلود صاحبها فناصر صاحب نهر لاينضب من العشق المترسخ في وجدان المصريين وصاحب مقام رفيع في قلوب الجماهيرالعربية ويتمتع بمكانة خاصة جدا في قلوب جميع الشعوب الأفريقية والعالم الثالث
فمبدعها الخالد شكل حلماً لجميع السياسيين المحب له والكاره فظلت الفكرة وصاحبها حاضرة بقوة في دائرة الضوء بالرغم من مرور 50 عاما علي رحيله المفاجئ غادر مسرح التاريخ ولكن التاريخ لم يغادره لم يكن مرحلة بل محورا هاما غير وجه التاريخ فتوقف أمامه متأملا وصنع له المجد والخلود فزعامته لم ينته بريقها بل ازدادت قوة واتسع تأثيرها وانتقلت لأجيال لم تعاصره .