الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ختامها مسك

نهال علام
نهال علام

هل أُحدثكَم سراً؟ مُنذ سنوات يَحدُث معي أمراً، ظننته عارِضاً ولكنه بات مُلازماً، فحسبته مرضاً، ولكن بعد أن أعياني التفكير فسرته عَرضاً لسنوات مرّت مرقاً، فبدَلت واستبدلت رهقا، منحت وانتزعت رُغما، في فصول سنواتِها التي لا أبالي بعبث أيامِها ولا بمرحِ شهورها وهي تلعب بساعات العُمر، فما أزعجني حقاً وأرق نومي صِدقاً هو البحث عن الدهشة!

تلك اللزمة التي اصطحبناها دون غيرها من خزائن البراءة؛ يا للغرابة! على تلك العّرابة الأمينة آخر مقتنيات الطفولة البعيدة، فالدهشة كانت مفتاح الجواب خلف كل لحظة سعيدة عشناها، تناقصت فنقصت فانتقصت من أرواحنا قِبلة كانت للبهجة قُبلة، حاولت اعتياد الأمر ؛ فلم يعد هناك ما يدهشني حد الانبهار ولا ما يزعجني لانتظر عنه اعتذار!

فسرت الأمر على أنه النُضج رفيق سنوات العُمر، سلمت أمري للخالق وبدأت الاعتياد على أحوال الخلائق، ووليت وجهي شَطر ما يسُر وواريته عن ما يَضُر، حتى كان ماكان، في سالف الأسبوع الماضي وهو في عمر الزمان ليس بالكثير من الزمان.

ليلة كما روت الحكايات عن ألف ليلة وليلة، دافئة بحماس الحضور باردة بكلمة من الطبيعة، خلابة فهي في الجبل تُغلظ القَسَم أن سحرها اكتمل دون عَجَل.

آخر ليالي منتدى شباب العالم في حفلته الختامية، والتي أقيمت في منطقة النصب التذكاري لإحياء الإنسانية، ولتشهد البشرية عن مراسم الحضارة التي قدمتها الإرادة المصرية فوق تلك البقعة الاستثنائية، لقد أصابني عِشقاً… في تلك الليلة المتفردة لكل ما رأته عيني على تلك الأرض الطاهرة.

روعة التنظيم ودقة التنسيق جعلت ما يقارب الأربعة آلاف ضيف الحاضرين وكأنهم لوحة بشرية متكاملة الأركان، انعكاس للكرة الأرضية كما ارتسمت عليها البلدان، مواطني ١٩٦ دولة مجتمعون في ذات اللحظة عِند هذا النُصب الإنساني والذي بمثابة متحف مفتوح للقلوب المنحوتة والتي تمثل ثقافات من مختلَف بلدان العالم، ساهم فيها فناني٧٢ دولة وتم افتتاحها المبدئي في نسخة المنتدى الثانية في ٢٠١٨ لتكون اللبنة لمتحف الإنسانية والذي حضر حَفل تدشينه رسول من كل بِقاع الكرة الأرضية.

فكرة المكان عبقرية رسالة من قلب الجبل للعالمية، واختيار الجبل هو طبيعة فطرية فكل الرسالات ارتبطت بالجبل، فلقد خاطب الله سيدنا موسى من الجبل وكلم سيدنا عيسي قومه من حضن جبل، وسيد الخلق وخاتم الرسل اختار الجبل ليحتمي به، ومركب سيدنا نوح آوت للجودي وهو جبل، فالجبل على مرّ الإنسانية ذو هيبة وقدسية، بقدر صلادته على الإعداء بقدر ِرقته مع الرحماء، أصحاب الرسالات الروحية والساعين خلف صلوات السلام لتحمل الخير للبشرية.

صُمم النصب التذكاري باستلهام المساقط الرأسية للمجموعة النجمية، كدلالة ورمزية لاتصال السماء بالأرض على أرض العهد والتى حافظت على مرّ الزمان بالوعد في أن تكون رمزاً للسلم، فمن تلك النقطة المرتفعة عن المدينة بوادي الخروم، والتي تجعلها تبدو أقرب للسماء لتنشر الرسالة الإحيائية بأن الإنسانية حق على العالم من أجل سلام هذا العالم.

تم وضع النصب وتوزيع القلوب في شكل دائري كمسارات الكون الدائرية، وأيضاً لتؤكد على فكرة المساواة والعدل فكلنا نمتلك ذات المُضغة لذا فلنتشارك الخطوة، ولنتدارك الاختلافات التي لم يكن وجودها صدفة، تم وضع القلب المصري في منتصف الدائرة دلالة على تلاقي المسارات الإنسانية في نقطة الحضارة المصرية كما كتب أجدادي على معابدهم الفرعونية، وجاء بناء قوس الإنسانية لفتة للصدق والوفاء لتخليد ذكرى ضحايا الارهاب الغادر في كُل بقاع الكرة الأرضية.

بدأ العَرض بأغاني السلام التي تليق بتلك الأرض، ثم تفاجئ الحضور بالسماء التي يتساقط منها الحبور، المظلات الطائرة تشق السحاب بطريقة مبهرة، من كل أنحاء العالم توافد المشاركين في العَرض  لتتطاير حمامات السلام المطاطية فوق الأرض التي ما عرفت يوماً العنصرية.

ثم بدأ عرض فيلم قصير عن ٤ فتيات من بلاد مختلفة ولغات مختلفة وتجارب متشابهة جمعتهم أروقة المنتدى ورهبة التجربة ورغبة المشاركة، إحدى المشاركات في الفيلم سالي الفتاة المصرية والتي تعاني من مرض الألبينو أو عدو الشمس كما يطلق عليه مجتمعيًا فيرصد الفيلم القصير عفوية الرئيس التى سألته الفتاة كأب ومثل قدير ماذا أفعل أنا خايفة؟ فجائت الاجابة كرسالة لمائة مليون مصري "ماتخافيش وانتي في مصر ".

تلا عرض الفيلم عرض بديع في السماء أيضاً لطيف الخيال، والذى زين سماء شرم الشيخ بتعابير الحب والسلام ومفتاح الحياة، ومن السماوات إلى الأرض كان عرض خيال الظل البشري رسالة أخرى للآخاء والتسامح، عروض موسيقية رائعة؛ فِرق راقصة راقية، وموسيقى السلام ملئ السماوات والأرض قاطبة.

للمرة الأولى تزورني لهفة الأطفال وتنتشلني أجنحة الدهشة لتطوف بي في مُدن البهجة، تلك المُدن الملونة بقلوب البشر المُغلفة بالرجاء لعالم يستحق البقاء.

حفل ختام المنتدى هو حدث مصري الهوي عالمي التفاصيل، أبهر القاصي والداني بلا شك، وذلك أقل حَق، وكما كانت البداية مبهرة جائت النهاية مُدهشة، فكان ختامها مسك، لكن هناك شُكر موصول للقائمين على هذا الحدث المسحور، نبضات الإيمان ملأت أرجاء المكان فهناك من آمن ونفذ، أخلص للرسالة فأخلصت له الاجابة، فأعاد لي دهشتي المفقودة ولشباب العالم سعادتهم المسروقة وللعالم يقينه المأثور، ولمصر سيادتها المعهودة وجدد للمصريين ثقتهم في جمهوريتهم الجديدة المُنطلقة من رؤية الرئيس أن  " الأحلام لا تسقط بالتقادم " وخاصة أحلام الفرسان القادرين مع إشراقة كل نهار على تحقيق حُلم، حسبناه يوماً بعيد فأصبح أدنى للقلب من الشريان والوريد !