قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الله عز وجل أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليخرجنا من الظلمات إلى النور، وترك لنا معجزة الرسالة باقيةً مستمرة إلى يوم الدين خاطب بها الله العالمين وكانت هي الكلمة الأخيرة، ورسم الله لنا فيها أن نكون من المقربين، والقربى من الله سبحانه وتعالى تطمئن النفس في الدنيا وتعود إلى ربها في الآخرة فيدخلها الجنة ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ ﴾ فنرجو الله أن يوفقنا أن نكون من المقربين.
وأوضح الدكتور علي جمعة عبر الفيسبوك: أركان القربى هي :الركن الأول: العفو والصفح من صفات المقربين أن يعفوا وأن يصفحوا وربنا يقول ﴿فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، ﴿إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ يقول ربنا سبحانه وتعالى في وصف ذلك العفو وفي جعله ركنًا من أركان القربى ﴿وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ ﴿أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ هذا شأن المقربين؛ يريدون أن يتقربوا إلى الله بالتقوى؛ فأول صلةٍ هنا هي القرب بالعفو .. نحن نعفو ونصفح لله رب العالمين، وهذا هو أول أركان التقوى، وأول أركان القرب منها، وأول أركان القرب من الله سبحانه وتعالى ﴿وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾ فنحن لا ننسى الفضل بيننا كمسلمين ، ولا بين المسلمين وغيرهم؛ فالرحمة قد عمتنا جميعًا ،هذا هو العفو وهو أول ركنٍ من أركان القرب إلى الله.
وأصاف :الركن الثاني: العدل والإنصاف. يقول تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ المسلم يبحث عن الحق، والمسلم لا يتأخر في الإقرار بالحق، المسلم صاحب عدل وإنصاف .. المسلم يدعو إلى الحق لا يكذب، ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد قلنا أيكذب المؤمن؟ قال: (لا). نعم المؤمن لا يكذب لأنه يكون بذلك قد خالف الحق، وحرم الله علينا الغيبة والنميمة لأن هذا الذي اغتبته وبهته قد يكون قد غير ما هو عليه من حال يستوجب الغيبة والنميمة فتكون بذلك كاذبًا .. والعادل يريد معرفة الحق، والذي يريد معرفة الحق لا يلبس الحق بالباطل ويكتم الحق وهو يعلم ، فنحن عندنا العفو والصفح وعندنا العدل أيضًا ولا نقول على الله سبحانه وتعالى إلا ما علّمنا.
وأكمل: الركن الثالث من أركان القربى : رجاء رحمة الله والخوف من عذابه؛ المقرب دائمًا قلبه معلقٌ بالله ، فيرجو رحمته ويخاف عذابه، أما الذي لا يرجو رحمة الله ولا يخاف عذاب الله فهو يفعل ما يشاء ويتوكل على من يشاء ويرى لنفسه حولاً وقوة، والحول والقوة عند المقربين إنما هما بيد الله سبحانه وتعالى، الله سبحانه وتعالى يقول ﴿أُولَـئِكَ الَّذِينَ﴾ يعني من دون الله ﴿يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً﴾ الذي يعلم عظمة الله ،والذي يعلم وفاء الله بوعده ووعيده ، والذي يعلم ما أعد الله للكافرين من عذاب وللمؤمنين من رحمة ؛ لا يتردد أبدًا وهو في مقام القرب إلا أن يرجو رحمه الله وأن يخاف عذابه.
واستطرد الدكتور علي جمعة: الركن الرابع: السبق إلى الخيرات وتتوج القربى بعد ذلك كصفةٍ من صفات المسلمين الذين امتثلوا لربهم وأرادوا أن يكونوا من المقربين بالسبق إلى الخيرات ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ﴾ أي أنه أكثر من النوافل وظلم نفسه لله رب العالمين ليس كما هو شائع أنه في ارتكاب المعاصي هؤلاء صفوة الخلق ومصطفوهم .. أخيار من عند رب العالمين، فقوله ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ﴾ يعني ظلم نفسه فلم يعطها حقها بل إنه أكثر من النوافل والعبادات وأذهب جسده لله رب العالمين ؛فقام الليل وقام النهار ولهج لسانه بذكر الله وأخذ في التصدق إلى درجة الإفلاس؛ فهو قد ظلم نفسه ولكن هذا الذي ظلم نفسه إنما هو في المرتبة العليا عند الله ﴿وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ﴾ فعل ما أمر به لا زيادة ولا نقصان ﴿وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾.
ووجه الدكتور علي جمعة رسالة فيها أيها المسلم تمسك بدينك وافهمه وقل للناس لو سألوك: ما الإسلام؟ قل لهم: هو دين القربى .. هو الذي يجعل من العامّي الذي يسير في الشارع لا علاقة له بسلطانٍ ولا مالٍ ولا علمٍ ولا أي شئ يجعله من المقربين؛ بأن يعلمه الخُلُق القويم، ويعلمه أن يعفو عن الناس، ويعلمه أن يعدل فيما يقول وفيما يسمع ،ويعلمه أن يرجو رحمه الله وأن يخاف عذابه، ويعلمه أن يسابق بالخيرات على قدر المستطاع ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ هذا هو الإسلام، وهذه هى القربى.