قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق إن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء كما أخبر سبحانه عن نفسه في كتابه العزيز حيث قال تعالى : ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى :11].
وأضاف علي جمعة عبر صفحته على فيس بوك أنه لا ينبغي أن يتطرق الذهن إلى التفكر في ذات الله سبحانه وتعالى بما يقتضي الهيئة والصورة فهذا خطر كبير يفضي إلى تشبيه الله سبحانه وتعالى بخلقه، ويجب علينا أن نتفكر في دلائل قدرته سبحانه وآيات عظمته فنزداد إيمانه به سبحانه.
وتابع علي جمعة: أما السؤال عن الله سبحانه وتعالى بأين كمسألة عقائدية، فيؤمن المسلمون بأن الله سبحانه وتعالى واجب الوجود، ومعنى كونه تعالى واجب الوجود : أنه لا يجوز عليه العدم، فلا يقبل العدم لا أزلا ولا أبدا. وأن وجوده ذاتي ليس لعلة، بمعنى أن الغير ليس مؤثرا في وجوده تعالى. فلا يعقل أن يؤثر في وجوده وصفاته الزمان والمكان.
أما إذا قُصد بهذا السؤال –أين الله- طلب معرفة الجهة والمكان لذات الله، والذي تقتضي إثبات الجهة والمكان لله سبحانه وتعالى، فلا يليق بالله أن يسأل عنه بأين بهذا المعنى؛ لأن الجهة –المكان- من الأشياء النسبية الحادثة، بمعنى أننا حتى نصف شيئا بجهة معينة يقتضي أن تكون هذه الجهة بالنسبة إلى شيء آخر، فإذا قلنا مثلا : السماء في جهة الفوق، فستكون جهة الفوقية بالنسبة للبشر، وجهة السفل بالنسبة للسماء التي تعلوها وهكذا، وطالما أن الجهة نسبية وحادثة فهي لا تليق بالله سبحانه وتعالى.
وأوضح علي جمعة أن المسلمون يؤمنون بأن الله سبحانه وتعالى قديم، أي أنهم يثبتون صفة القدم، وهو القدم الذاتي ويعني عدم افتتاح الوجود، أو هو عدم الأولية للوجود، وهو ما استفيد من كتاب الله في قوله : ﴿هُوَ الأَوَّلُ﴾.
وقوله صلى الله عليه وسلم : (أنت الأول فليس قبلك شيء) فصفة القدم تنفي أن يسبق وجوده وجود شيء قبله أو وجود شيء معه. لذا فهي تسلب معنى تقدم الخلق عليه.
وصفات الله سبحانه وتعالى كذلك قديمة فهي لا تتغير بحدوث الحوادث ، وإثبات الجهة والمكان معناه يقتضي هذا التغير، بمعنى أن الله لم يكن متصفا بالعلو والفوقية من حيث الجهة إلا بعد أن خلق العالم، فقبل خلق العالم لم يكن في جهة الفوق لعدم وجود ما هو في جهة السفل، وبهذا تكون الفوقية المكانية أو العلو المكاني صفة حادثة نتجت عن حادث؛ ولذا فهي لا تصلح صفة لله سبحانه وتعالى.
كما يؤمن المسلمون بمخالفته سبحانه وتعالى للحوادث، وتعني مخالفة الحوادث في حقائقها، فهي تسلب الجرمية والعرضية والكلية والجزئية ولوازمها عنه تعالى، فلازم الجرمية التحيز، ولازم العرضية القيام بالغير، ولازم الكلية الكبر والتجزئة، ولازم الجزئية الصغر إلى غير ذلك، فإذا ألقى الشيطان في ذهن الإنسان : إذا لم يكن المولى جرما ولا عرضا ولا كلا ولا جزءا فما حقيقته، فقل في ردك ذلك لا يعلم الله إلا الله.
واستفيدت هذه الصفة من قوله تعالى : ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى :11]، ومن السنة النبوية ما روي عن أبي بن كعب رضي الله عنه : أن المشركين قالوا : يا محمد انسب لنا ربك فأنزل الله عز و جل ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)﴾ لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت ،و ليس شيء يموت إلا سيورث و أن الله لا يموت و لا يورث ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ قال : لم يكن له شبيه و لا عدل و ليس كمثله شيء). فوصف نفسه سبحانه، ووصفه رسوله صلى الله عليه وسلم، بسلب المثل والنقائص التي لا تليق به، ففهم المؤمنون أنه سبحانه مخالف للحوادث.
وعليه فلا يجوز وصف الله سبحانه وتعالى بالحوادث، ولا السؤال عنه بما يقتضي وصفه بذلك، فلا يسأل عن الله بأين بقصد معرفة جهة ذاته سبحانه ومكانها؛ وإنما يجوز أن يسأل عنه بأين بقصد معرفة ملكوته سبحانه، أو ملائكته أو أي شيء يجوز السؤال عنه ووصفه بالحوادث، وعلى هذا يؤول معنى ما ورد في الشرع من السؤال بأين أو الإخبار بما ظاهره الجهة.