بدأ الاهتمام بمنطقة شرق المتوسط باعتبارها منطقة غنية ب"النفط والغاز" في أواخر القرن العشرين، ويقدر تقرير لهيئة المسح الجيولوجية الأمريكية عام 2010 وجود 3455 مليار متر مكعب من الغاز و1.7 مليار برميل من النفط في هذه المنطقة، تتراوح قيمتها ما بين 700 مليار دولار و3 تريليونات دولار على حسب أسعار الخام المتعيرة.
وبخلاف الثروة الطبيعية تمثل هذه المنطقة أبرز نقاط عبور البترول والغاز من الشرق الأوسط إلى دول الاتحاد الأوروبي، إذ إنها تطل على ثلاث قارات.
زيادة الطلب على مصادر الطاقة المتنوعة
يزداد الطلب على الطاقة بكل أنواعها في الشرق الأوسط، مرتكزاً بشكل رئيس إلى النمو الكبير في عدد السكان وطبيعة الأجواء المناخية؛ لذلك تبقى هذه المنطقة في العالم الأسرع نمواً في الطلب على الطاقة، ويبقى النفط أهم مصادر الطاقة في العالم.
وتقدر الاحتياطيات العالمية من النفط، انها قد تكفي لنحو 50 سنة قادمة، إن لم يتم اكتشاف مزيد من حقول النفط التقليدية، وتستحوذ بلدان الشرق الأوسط على نحو نصف احتياطيات النفط العالمية المثبتة. وتعتبر فنزويلا الدولة الوحيدة في العالم التي تملك احتياطيات كبيرة مماثلة لدول الشرق الأوسط.
وتعد دول الشرق الأوسط أو دول الخليج العربي على الأخص اللاعب الرئيس في امتلاك النفط الخام التقليدي وإنتاجه، في هذا السياق، وتتبوأ السعودية المرتبة الأولى عالمياً من حيث إنتاج النفط والتصدير والاحتياطيات المثبتة بامتلاكها احتياطيات هائلة من النفط.
تغير عصر الطاقة
يشهد العالم مع بداية القرن الحادي والعشرين، تغير عصر الطاقة من الهيدروكربون إلى الطاقات المستدامة - النظيفة، ويتوقع أن يستمر هذا الانتقال عقودا من الزمن مرورا بخطوات متعددة ومتداخلة، فنحن الآن في مرحلة تغير واسع في الطاقات المستعملة لتوليد الكهرباء، ثم تليها مرحلة تغيير وقود السيارات، ومراحل التغيير هذه تعتمد على اكتشاف التقنيات اللازمة، وإنتاج بدائل تنافس الوقود الهيدروكربوني سعريا وجودة في الاستعمال، كما تتداخل في مسيرة التغيير العوامل الجيوسياسية، ومن ثم تعدد الخطوات وتداخلها الواحدة بالأخرى.
تنوع مصادر الطاقة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
من المتوقع ارتفاع الطلب على الطاقة العالمية بنسبة 25% بين عامي 2014 و 2040،لمواكبة الطلب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وعلى الأرجح أن يلزم267 جيجا وات أو حوالي 66% من قدرة توليد الطاقة حتى عام 2030، ولقد أدركت الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ضرورة تنويع مصادر الطاقة، فهناك العديد من البلدان التي تعمل على دمج الطاقة النظيفة في أهداف توليد الطاقة والطاقة المتجددة التي تلعب دورًا مهمًا على نحو متزايد.
الغاز الطبيعي المصدر الرئيسي
من المتوقع أن يتحول الغاز الطبيعي، وهو المصدر الرئيسي للوقود اللازم لإنتاج الطاقة، إلى أكبر مساهم في خليط الطاقة، حيثتبحث عدة بلدان عن كيفية زيادة استخدام الغاز الطبيعي لتوليد الطاقة، وهو المصدر الذي تفضله على مصادر الطاقة المتجددة.
وتعتزم المملكة العربية السعودية، أكبر مصدِّر للبترول في العالم، زيادة توليد الطاقة من الغاز من 50% إلى 70%،وتهدف مصر التي تحاول مضاعفة قدرة توليد الطاقة لديها حتى عام 2025 إلى توليد حوالي 20% من الطاقة المتجددة حتى نهاية عام 2022، وهي تعمل حاليًا على بناء ما ستكون أكبر محطات الطاقة بالدورة المركبة التي تعمل بالغاز في العالم عندما يتم إتمامها. وبالنسبة للبلدان الأخرى، مثل الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة، فهي أيضًا تستثمر في محطات توليد الطاقة الجديدة.
الطاقة الشمسية
تكوِّن جزء لا بأس به من أهداف الطاقة المتجددة،بالرغم من أن الطاقة الشمسية لن تحلّ محل الهيدروكربونات كمصدر رئيسي للطاقة - حسب مؤسسةستراتفور للأبحاث - إلا أنها تبشر بمستقبل مشرق في المنطقة، وتحث الابتكارات الجديدة في مجال توليد الطاقة الحكومات على الاستثمار في هذاالقطاع.
وتعتزم المملكة العربية السعودية توليد ما لا يقل عن 10% من الطاقة الموجودة لديها من الطاقة الشمسية. واتمت الإمارات العربية المتحدة بناء أكبر محطة شمسية منفردة في العالم، والمتوقع أن تنتج 1000 ميجا وات من الطاقة بعد تشغيلها، وهناك عدة بلدان أخرى من بينها المملكة المغربيةوالأردنوتونستشارك على قدم وساق في مشاريع واعدة للطاقة الشمسية.
الطاقة النووية
تتزايد أيضًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا،ووضعت الإمارات العربية المتحدة موضع التنفيذ مخططات لبناء الطاقة النووية، ومن المتوقع تشغيل أول محطة للطاقة النووية بحلول عام 2022، والهدف من ذلك تلبية ربع احتياجات الكهرباء في البلاد، ويوجد لدى المملكة العربية السعودية مخططات واعدة لبناء 16 مفاعلًا نوويًا حتى عام 2040.
وتمتلك الجزائر وتونس والمملكة المغربية في كل مكان في المنطقة مفاعلات نووية منذ عدة سنوات، أما الأردن ومصر فقد وقعتا حديثًا على اتفاق مع روسيا لبناء مفاعلات نووية، وتم بالفعل تجهيز بعضها.
الأهمية الاستراتيجية للمنطقة
يقول الباحث في شؤون النفط، الدكتور وليد خدوري، إن اكتشاف الأهمية الاستراتيجية للمنطقة، بدأ باكتشاف الغاز في خليج السويس في مصر، ثم دلتا النيل، وشمال الإسكندرية وبورسعيد، مما شجع عمليات التنقيب عن الغاز قبالة ساحل غزة، ثم في المياه في جنوب ساحل الشام قبالة ميناء عسقلان.
وبعدها اكتشفت قبرص عدة حقول بحرية تكفي لتلبية الطلب الداخلي والتصدير بكميات محدودة، وتوفر هذه الاكتشافات مصادر طاقة للدول المنطقة التى تعاني من عجز مثل تركيا ومصر، كما أنه يغذي محطات الكهرباء والصناعات الثقيلة ووسائل النقل فيها.
على سبيل المثال، يمكن اكتشاف مصر أكبر احتياطات غاز في شرق المتوسط عام 2015 في حقل "ظهر"، من تلبية الاستهلاك المحلي الذي يتزايد سنويا بنحو 5%، إذ يستعمل الغاز في توليد 85 % من الكهرباء في البلاد، كما توفر هذه الثروة الطبيعية فائضا للتصدير، كما في حالة سوريا التي تملك احتياطيا في باطن الأرض كافيا للاستهلاك، وفي اسرائيل التي تبنت استراتيجية التصدير للسوق الأوروبية في بادئ الأمر، ثم استبدلتها بالتصدير للدول المجاورة كالأردن ومصر، كذلك اتفاق مصر وقبرص وإسرائيل على تصدير الغاز إلى الأسواق الأوروبية بعد تسييله في المحطات المصرية.
سبب التوترفيهذه المنطقة
يتعلق الخلاف الأبرز بجزيرة قبرص المقسمة إلى شطرين، إذ تسيطر الحكومة القبرصية اليونانية على القسم الجنوبي، وهو ما يعادل ثلثي مساحة الجزيرة، وتحظى باعتراف دولي، كما أنها عضو في الاتحاد الأوروبي. بينما يخضع الشطر الشمالي "قبرص التركية" لسيطرة تركيا منذ عام 1974، ولا تعترف بها إلا تركيا وتحتفظ أنقرة بـ30000 جندي فيها، ويفصل بين الشطرين منطقة أممية عازلة "الخط الأخضر".
وهناك خلاف على الحدود البحرية بين شطري الجزيرة، إذ قامت قبرص اليونانية - في الجنوب - بترسيم منطقتها الاقتصادية في شرق المتوسط بشكل أحادي في عام 2010، وردت قبرص التركية بتوقيع اتفاق مع تركيا لترسيم جرفها القاري في عام 2011.
وتُجري تركيا عمليات تنقيب في المنطقة المحيطة بقبرص والقريبة من اليونان باعتبارها شريكا ولحماية "مصالح القبارصة الأتراك".
وعلى الجانب الآخر، تعترض قبرص اليونانية واليونان على ذلك، وتعتبرانه انتهاكا لسيادتهما ومياههما الإقليمية، بينما تؤكد تركيا أنها تنقب داخل جرفها القاري، الأمر الذي دعا على إثره الاتحاد الأوروبي تركيا إلى احترام الحقوق السيادية لقبرص.
وتعهدت قبرص بحماية حقوق القبارصة الأتراك إذا انسحبت القوات التركية من شمال البلاد، إلا أن أنقرة رفضت المقترح وواصلت التنقيب في المنطقة المتنازع عليها كما هددت بمقاطعة الشركات النفطية العاملة في المياه القبرصية، وقاطعت شركة "إيني" النفطية الإيطالية قبل أن تربح الشركة دعواها أمام القضاء الأوروبي.
ويقدر احتياطي الغاز في المنطقة التي أعلنتها قبرص منطقتها الاقتصادية، ما بين 102 و170 مليار متر مكعب، بحسب تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية.
ولتضمن قبرص حقوقها في هذه الثروة دون تدخل من تركيا، وقعت اتفاقيات منطقة اقتصادية مع لبنان ومصر وإسرائيل، كما وقعت صفقات مع شركات الطاقة العملاقة، إيني وتوتال وإكسون موبيل لإجراء أعمال الحفر.
وبخلاف قبرص واليونان، تحتج تركيا أيضا على حدود المنطقة الاقتصادية المصرية المطلة على المياه القبرصية، وهو ما رفضته القاهرة باعتباره "تدخلا في شؤونها السيادية".