صدر مؤخرا كتاب "أسيوط من الفتح العثماني حتى القرن التاسع عشر.. دراسة أثارية حضارية"؛ وهو كتاب جديد للدكتور ضياء جاد الكريم زهران، المشرف العام على المراكز العلمية بقطاع الآثار الإسلامية والقبطية بوزارة الآثار، وقد الصدر الكتاب عن المؤسسة الدولية للكتاب، إذ يتناول الكتاب أهمية أسيوط وشهرتها الواسعة ووصف الرحالة العرب والأجانب لها.
ويتناول الكتاب أسيوط من الفتح العثمانى إلى نهاية القرن التاسع عشر الميلادى ويهتم على الأخص بالآثار الإسلامية فى المدينة بالإضافة إلى نشأة المدينة وتطورها إدارياً وتاريخياً وإلقاء الضوء على أوجه النشاط الاقتصادى لأهالى أسيوط، وهو عبارة عن أطروحة للماجستير نوقشت عام 1998 بكلية الآثار جامعة القاهرة، حيث تكمن أهمية هذه الدراسة فى قلة المصادر والمراجع التى تناولته بالإضافة إلى قله من تعرض لدراسة آثار الصعيد.
وقد تطلبت الدراسة الإلمام بالنواحى الهندسية من أجل الرفع المعمارى وعمل المساقط الأفقية للآثار، كما تطلبت الاطلاع والبحث فى أرشيف الشهر العقارى ودفترخانة وزارة الأوقاف ودار المحفوظات العمومية بالقلعة ودار الوثائق القومية بكورنيش النيل، وذلك من أجل العثور على وثيقة تفيد فى هذا الموضوع وتعويض النقص فى المصادر والمراجع، وبالفعل كان الاعتماد على الوثائق فى جمع المعلومات ، وكان الهدف هو إلقاء الضوء على تاريخ أسيوط بصفة عامة ودراسة وتسجيل الآثار الإسلامية بهاوابراز العناصر المعمارية والزخرفية، بالإضافة إلى توضيح أهم أوجه النشاط الاقتصادى التى اشتهر بها أهالى أسيوط.
وعليه فقد تم تقسيم الكتاب إلى تمهيد وأربعة أبواب، ويتناول التمهيد أهمية أسيوط وشهرتها الواسعة ووصف الرحالة العرب والأجانب لها.
وقد خصص الباب الأول لدراسة نشأة أسيوط وتاريخها منالفتح العثمانى حتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادى، إذ ينقسم الباب إلى فصلين الفصل الأول، ويتناول نشأة مدينة أسيوط وتطورها من الناحية الإدارية أما الفصل الثانييتناول تاريخ أسيوط من الفتح العثمانى إلى نهاية القرن التاسع عشر الميلادى، أما الباب الثاني ويشمل دراسة وصفية للآثار الإسلامية من جوامع ووكالات وحمامات وقناطر وجدت بأسيوط فى فترة الدراسة، وينقسم هذا الباب إلى فصلين:
الفصل الأول: يتناول الآثار الباقية والتى لاتزال قائمة بأسيوط، أما الفصل الثانى فيتناول الآثار الدارسة والتى ورد وصفها فى الوثائق والحجج.
أما الباب الثالث فيشتمل على دراسة تحليلية للعناصر المعمارية والزخرفية والنقوش الكتابية، وينقسم هذا الباب إلى فصلين
الفصل الأول: يتناول تحليل العناصر المعمارية من مواد بناء وتخطيطات ومداخل وأعمدة وعقود وأرضيات وتغطيات وغيرها، أما الفصل الثانى فيتناول تحليل العناصر الزخرفية من هندسية ونباتية ورسوم حيوانات ونقوش كتابية بالإضافة إلى طرق تنفيذ هذه الزخارف. وبخصوص الباب الرابع فيشتمل على أهم أوجه النشاط الاقتصادى التى كانت موجودة بأسيوط
من زراعة وصناعة وتجارة وغيرها من الحرف، وينتهى الكتاب بملحق للأشكال واللوحات .
مدينة جليلة
كذلك نالت مدينة أسيوط شهرة واسعة فى مختلف العصور خاصة فى العصر الإسلامى، ويشهد بذلك ما ذكره الكثير من الرحالة والمؤرخين العرب والأجانب الذين زاروا المدينة ووصفوها لنا أبدع وصف فيذكر الكندى (ت 350 هـ ) أنه لما صورت الدنيـا كلهـا للرشيد لـم يستحسـن منهـا إلا كورة أسيوط ويزرع فيها الكتـان والقمح وسائر أصناف الغلات، ووصفها الإدريسى (ت560 هـ ) بقوله :"هى مدينة كبيرة عامرة آهلة جامعة لضروب المحاسن كثيرة الجنات والبساتين"
ويضيف ياقوت الحموى (ت 626 هـ) على الوصف السابق بقوله "إن أسيوط مدينة جليلة كانت أحد متنزهات أبو الجيوش خماروية بن أحمد بن طولون"، وقد زارها ابن بطوطة في (779 هـ ) وقال "سافرت إلى أسيوط وهى مدينة رفيعة أسواقها بديعة"وذكر المقريزي (ت 845 هـ )"أن أبا بكر المارداني وزير هارون بن خماروية بن أحمد بن طولون قد أوقف على الحرمين الشريفين ضياعا نحو 100ألف دينار منها سيوط واعمالها. وفي (9 هـ / 15 م ) ذكرها ابن دقماق بقوله : "إنها مدينة الإقليم بها سكن نائب الوجه القبلي وبها قاضي مستقل وهي بين بحر النيل والجبل وبها عدة مدارس وجامع قديم.
وقد أسهب على مبارك فى وصف المدينة وذكر مساجدها وحماماتها ووكائلها كما ذكر أهم الحرف والصناعات بها.
فذكر أنها مدينة الصعيد وقصبته على الإطلاق وهي ذات أبنية فاخرة وأكثر منازلها بالطوب الأحمر على دورين وبعضها على ثلاثة، وأكثر حاراتها معوجة ضيقة، والمتسع منها هو المشتمل على القيساريات وبعض الشوارع العمومية ، وفى زمن المرحوم عباس باشا أزيلت الكيمان القديمة التى فى وسطها وأذن للأهالى بالبناء فيها فبنيت مبان فاخرة من منازل وجوامع ووكائل ، وبنى بها محمد الهلالى قيسارية عظيمة مشتملة على وكالة وعدة دكاكين، وشارع المجذوب نافذ من الشرق الى الغرب وفى كل من طرفيه باب كبير يشبه أبواب القاهرة، الباب الشرقى يسمى باب المجذوب بإسم الشيخ المجذوب وهو صاحب المقام الذى فى الجامع المعروف بإسمه بقرب هذا الباب، والباب الغربى يسمى باب الجبل وبين هذين البابين أبواب أصغرمنهما ، منها باب عند جامع سيدى جلال الدين السيوطى ، وآخر عند بيت سليم كاشف الذى كان سجناً للمذنبين سنة(1265 هـ /1849 م) فاشتراه الأمير إبراهيم باشا قبطان مدير أسيوط سابقاً وجعله منزلين للإيجار ، وبجوار البيت المذكور من خلفه السجن الجديد الذى بناه الأمير لطيف باشا ويشتمل على حوش كبير وعدة حواصل وزاوية للصلاة وفى جهته الغربية خزنة المديرية، وفى الضلعين البحرى والشرقى حبوس ذوى الجرائم الخفيفة.
وشارع القيسارية يشق المدينة من الجنوب للشمال أوله من الفوريقة القديمة الواقعة في بحريها وآخره باب السوق من قبليها وفي ذلك الشارع باب كبير يسمى العتبة الزرقاء في طرف القيسارية البحري، وباب آخر يسمى باب اللبن في طرفها القبلي، وباب اللبن يوصل إلى قيسارية الهلالي المجاورة لجامع القاضي، وبجوار القيسارية العمومية من جهة الغرب قيسارية محمد كاشف بكزادة من ذرية أيوب كاشف أحد ملتزمي أسيوط، وقيسارية محمد بيك الدفتردار التي بناها سنة (1238هـ / 1833م) وقت أن كان مديراً لأسيوط وبني بأسيوط جامعاً جليلاً بمئذنة يعرف بجامع الدفتردار، وبني بجواره من قبيلة حمام يسمى حمام الدفتردار.
وبالجهة الغربية من المدينة قيسارية المجاهدين والجامع المشهور بجامع المجاهدين، وتشتمل تلك القيسارية فضلاً عن الحوانيت والقهاوي على نحو عشرين وكالة، وجميع تلك القيساريات والخانات مشحونة بأصناف البضائع من قطن وحرير وكتان وغير ذلك من أصناف البضائع السودانية مثل السن والريش والصمغ وغير ذلك، البضائع المغربية كالأحرمة والبطانيات والبرانس والطرابيش وغيرها مما يرد إليها من الإسكندرية، والبضائع الشرقية كالبن والبهارات والعطريات وغيرها مما يرد من اليمن والحجاز وكذا بضائع الواحات مثل العجوة والنيلة وفي الوكائل أود تنزل بها الأغراب والمترددون إليها من الأهالي.
وبالمدينة ست معاصر لزيت الشلجم والزيت الحار واحدة لمحمد الهلالي وواحدة لرزق البيسري، والبقية لأناس من أهل البلد، وبها كثير من المصابغ وأغلب الأقمشة الواصلة منها إلى دارفور تصبغ بها.
وبالمدينة جوامع كثيرة أغلبها بمنارات من أشهرها الجامع الكبير ويعرف بالعمري تصلى به الجمعة الأخيرة من شهر رمضان كعادة جامع عمرو بالمحروسة وهو فى داخل المدينة من جهتها البحرية في محل يعرف بكوم الغز، وبقربه من الجهة الغربية جامع اليوسفي، ومنها جامع المجاهدين وجامع محمد كاشف بيك زاده في جهتها الشرقية وجامع سيدي جلال الدين السيوطي وهو عامر بالصلوات وتدريس العلوم ، كان يدرس به العالم الشيخ على عبد الحق القوصي ويدرس به الشيخ الشطبي والشيخ حسن بشتك الموشي والشيخ محمود قراعه قاضي المديرية، ومنها جامع القاضي وهو عامر بالصلاة والتدريس أيضاً كان يدرس به الشيخ أحمد الزقيم الأسيوطي وجامع المجذوب وجامع عبد العاطي في جانبها الغربي أنشأه المرحوم عبد العاطي التليت أحد مشاهيرها وجامع الدفتردار المتقدم ، وجامع القرماني جدده المرحوم سعيد باشا وجعل له مائة وخمسين فدانا والناظر عليه الآن الشيخ الشطبي.