الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علي لوز في حياتنا

محمد مبروك
محمد مبروك

لا يستطيع المتابع للدراما المصرية أن ينسى الشخصية التي قدّمها الفنان الراحل "وحيد سيف" في مسلسل "المال والبنون"، فقد كانت شخصية "علي لوز" استثنائية، ألقى من خلالها المؤلف "محمد جلال عبد القوي" الضوء على هؤلاء الذين يحاولون إضافة قيمة زائفة لأنفسهم عن طريق التلاعب في الألقاب أو نَسْب ألقاب لأنفسهم لا يستحقونها، فقد أوهم "علي لوز" الجميع بأنه يعمل "ضابطًا"، بينما كان يعمل "طبّالًا" في إحدى الفرق الموسيقية التي تحيي حفلات الزفاف والطهور وخلافه، متلاعبًا بالمعنى الذي يصف عازف الطبلة بأنه ضابط إيقاع، فلقّب نفسه بالضابط وأشاع ذلك بين الناس حتى تخيّل الكثيرون أنه بالفعل ضابط شرطة.

 

وكم من "علي لوز" في حياتنا، نقابله في الكثير من المناسبات، والأماكن.

 

فمنذ أيام جاءتني إحداهن بتوصية من قريب لها تصفه بسيادة "المستشار"، ولا مانع من مكالمة تليفونية من ذلك المستشار لي يُمجّد فيها من نفسه، ويروي الكثير من المآثر التي لا تنطوي عن أي دور قضائي أو قانوني لهذا الرجل الذي يلقّب نفسه بالمستشار مما أثار فضولي - فيما بعد - للسؤال: في أية دائرة قضائية يعمل هذا المستشار وفي أي نوع من المحاكم؟ وكانت المفاجأة، فسيادته ليس له علاقة من قريب أو بعيد بالقانون ورجاله، لكنه كان مُحاسبًا في إحدى الدول الخليجية لعدة سنوات، وعندما عاد ببعض الأموال، عمل في المعمار والعقارات، واصفًا نفسه بأنه كان "مستشارًا ماليًا" بإحدى الشركات الخاصة في الخارج، ثم تم حذف كلمات "مالي بإحدى الشركات الخاصة" والاكتفاء بـ"سيادة المستشار"، وأصبح لقبه هكذا، مما يضفي جانبًا من الأبهة والهيبة لنفسه بتلك الوظيفة الجليلة، وذلك اللقب الكبير.

 

لا شك في أن وظيفة "المحاسب" لا تقل احترامًا أو قيمةً عن أي وظيفة أخرى، بل إنها غاية في الأهمية في الحياة العملية، وكل المحاسبين في القطاع المصرفي أو الحكومي أو الخاص لهم كل المحبة والاحترام، والانتساب لهم في حد ذاته شرف لأي شخص، لكن الادعاء بالانتساب لأية مهنة أو وظيفة أخرى هو المشكلة.

فما أكثر من يُلَقبون بالدكتور، والمهندس وغيرهم وهم لا يحملون شهادات دكتوراه ولم يدرسوا في أي من فروع الطب أو الهندسة، لكن الاهتمام بوضع بعض الألقاب الزائفة قبل الأسماء ينتشر في مجتمعنا بشكل مثير للدهشة حقًا.

إن القيمة الحقيقية للإنسان ليست في لقبه الذي يسبق اسمه - أيًا ما يكون -، ولكنها فيما يقدّمه لنفسه ولأسرته وللمجتمع من قيمة مضافة ومن عمل يغير من حياته وحياة الآخرين للأفضل، بل إن الحصول على تلك الألقاب بلا عمل أو نفع للناس يظل بلا جدوى طالما لم يترجم إلى عمل ملموس.

إن المجتمعات الصحية تقدّر الأدوار المختلفة التي يقوم بها جميع أفرادها في شتى المهن على حد سواء، ولكلٍ احترامه وقيمته المحفوظة لدى الجميع، تلك المجتمعات التي لا يهتم فيها الناس بألقابهم لاكتساب احترام الآخرين، بل يهتمون بما يخلّفونه وراءهم من أثر على المستوى الفردي أو العام.

إن محاولة خداع الناس بتلك الألقاب الرنانة غير الحقيقية، يشي بضعف هؤلاء المحتالين وشعورهم بالنقص الذي يحاولون إخفاءه وراء ذلك الكذب الذي يتحول مع الوقت إلى واقع يعيشون فيه ويصدقونه حتى ينكشف ذلك الزيف في لحظة تجعلهم يتضاءلون في عيون الآخرين حتى يتلاشى أثرهم.

ويبقى دور التعليم في تغيير نظرة المجتمع إلى أفراده وتعديل ذلك السلوك غير السوي الذي يجعل قيمة الناس في ألقابهم وليست في أعمالهم.