الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ذكرى ميلاد "سانو"|حكاية أول "قفا" وآخر "بلانس" في حياة إحسان عبد القدوس

الكاتب الراحل إحسان
الكاتب الراحل إحسان عبد القدوس

كان الأول من يناير عام 1919 شاهدا على ميلاد إيقونة ونهر من أنهار الثقافة المصرية، الكاتب والروائي الكبير الراحل إحسان عبد القدوس، أحد أوائل الروائيين العرب الذين تناولوا في قصصهم الحب البعيد عن العذرية.

إحسان والنجوم
إحسان والنجوم

مثل أدب  إحسان عبد القدوس نقلة نوعية ومتميزة في الرواية العربية، إذ نجح في الخروج من المحلية إلى حيز العالمية، وترجمت معظم رواياته إلى لغات أجنبية متعددة.

كتب إحسان عبد القدوس أكثر من 600 قصة ورواية، تحولت 49 منها إلى نصوص للأفلام السينمائية، و5 تم تحويلها إلى نصوص عُرضت على المسرح، و9 كانت من نصيب الإذاعة التي قدمتها مسلسلات، و10 ظهرت مسلسلات تلفزيونية.

تولى عبد القدوس رئاسة تحرير مجلة روز اليوسف، وبسبب مقالاته السياسية تعرض للسجن والاعتقال، ومن أهم القضايا التي طرحها قضية الأسلحة الفاسدة التي نبهت الرأى العام إلى خطورة الوضع.

حصل عبد القدوس في عام 1973، على الجائزة الأولى عن روايته "دمي ودموعي وابتساماتي"، ونال إعجاب الجماهير عن قصة فيلم "الرصاصة لا تزال في جيبي" ليحصل على جائزة أحسن قصة فيلم

كما حصل  إحسان عبد القدوس على تكريم الدولة لأكثر من مرة، ومن الرؤساء؛ كرمه الرئيسان الراحلان جمال عبد الناصر، ومنحه محمد حسني مبارك وسام الجمهورية وجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1989، قبل أن يرحل عن دنيانا في 12 يناير عام 1990.

حكايات إحسان عبد القدوس 1

وفي ذكرى ميلاد الكاتب الراحل إحسان عبد القدوس أعاد نجله محمد عبد القدوس نشر مقال قديم للكاتب والروائي الكبير تحدث فيه عن يوم مولده.

وقال نجل الكاتب والروائي الكبير: "حبيبي أبي يحكي عن نفسه بطريقة غريبة وملفتة للنظر"، مضيفا: مقال قديم لحبيبي "سانو" وهو الاسم الذي "إشتهر به في بيته وبين المقربين منه".

إحسان عبد القدوس في الطفولة
إحسان عبد القدوس في الطفولة

ويقول الكاتب الكبير في مقاله: في مثل هذا اليوم وفي منتصف الليل تماما وبينما كان التاريخ يقلبه صفحات الزمن من عام إلى عام، والعالم يرقص ويتبادل الأنخاب والقبلات تحية لعام 1920، وكان المصريون في ثورتهم يحصدهم رصاص الإنجليز ليخمد في حناجرهم صوت الحرية والاستقلال، دوت "واء.. واء" في أذن الوجود تبشر بمولدي السعيد!!.

واستمرت حياتي إلى اليوم، صورة من ليلة مولدي، رقص ودموع، ودم وقبلات ولكمات وضحكات وعرق، وظلمات تبددها الأنوار، ولا أذكر في حياتي أني ربحت ربحا سهلا أو حققت أمنية بمجرد أن طلبتها من الله، أو خطوت خطوة اعتمدت فيها على الحظ وحده.

كتبت أول قصة في حياتي عندما كنت في العاشرة من عمري ، وكانت قصة تمثيلية أردت من أطفال الحي أن يقوموا بتمثيلها، ولكن أحد أقربائي _وكان يقوم بالإشراف على حياتي المدرسية_ لمح القصة في يدي فضربني ضربا مازالت آثاره فوق جسدي، ومزق القصة، فحاولت الانتحار ثم فضلت عنه أن أهرب من المنزل، وقد هربت ليلتها وأعدت كتابة القصة على ضوء مصباح الشارع وقمنا بتمثيلها في اليوم التالي.

وكتبت أول خبر صحفي عندما كنت في السنة الرابعة الابتدائية بمدرسة "خليل أغا" الملكية، وكان خبرا عن نجل المغفور له "زكي الإبراشي" باشا وكان طالبا معي في نفس المدرسة، وقدمت الخبر إلى "مصطفى أمين" بك وكان يتولى تحرير باب الطلبة في جريدة "روزاليوسف" فهنأني عليه ثم مزقه، وأعاد كتابته وعرضه على الأستاذ "التابعي" فهنأه عليه ثم مزقه وكتبه من جديد!!.

وعلم ناظر المدرسة أني أنا الذي أوصل الخبر إلى الجريدة، فناداني وضربني "قفا" ثم صادرني من المدرسة لأنه لم يستطع أن يصادر المجلة، ورفت!.

وعندما كنت في الرابعة عشرة من عمري أردت أن أسافر إلى الإسكندرية في الصيف فمنعني والدي ومنع عنى النقود وكان لى "حصالة" صغيرة كنت أحتفظ بها للأيام السود وكانت تحوي تحويش العمر كله.. واعتقدت أن أيام الصيف في القاهرة هي الأيام السود فحطمت الحصالة وكان بها خمسة جنيهات أخذتها وهربت إلى الإسكندرية، وقضيت هناك ثلاثة وثلاثين يوما كنت خلالها أطهو طعامي بنفسي وأغسل ثيابي بيدي وأكنس وأمسح الكابين الصغير، الذي كنت أقيم فيه، وكتب عني يومها الأستاذ "فكري أباظة" بك في جريدة المصور مشيدا باعتماد الشباب على نفسه، وقد اعتبرت نفسي يومها عظيما من العظماء الذين تكتب عنهم الصحف، رغم أنه كان يسرني أن أعتمد على والدي لا على نفسي في التصييف !!.

حكايات إحسان عبدالقدوس 2

وأول قطعة أدبية نشرت لي في جريدة "روزاليوسف" اليومية عام 1953، وكانت من الشعر المنثور وعنوانها «أخيرا وجدها»، وقد أرسلتها إلى الجريدة بالبريد وبلا إمضاء، فنشرت في الصفحة الأدبية، وذهبت بعدها الى والدتي السيدة "روزاليوسف" لأكشف لها عن شخصية الكاتب العظيم  صاحب هذه القطعة الأدبية الخالدة ولكنها ما كادت تعلم أن هذا الكاتب العظيم هو أنا حتى ثارت في وجهي وحرمتني من مصروف يدي، فقد كان موضوع القصة الأدبية يدور حول فتاة وخمر، وكانت والدتي تظن حتى ذلك الحين أني أجهل ما هي الفتاة وما هي الخمر!!.

إحسان عبد القدوس في شبابه
إحسان عبد القدوس في شبابه

وعندما نلت ليسانس الحقوق ورفضت وظيفة سكرتير عرضها على المرحوم "أمين عثمان" باشا ورفضت أن التحق بعدة شركات وقررت أن اشتغل بالصحافة مدة خمس سنوات فإن لم أنجح فقد بقى لي من عمرى ما يكفي لأن اتجه اتجاها آخر.

وقد بدت جميع المقدمات تبشر بفشلي في الصحافة، فقد طردت من جريدة "روزاليوسف"، لأنه كانت لي آراء لم يوافق عليها رئيس تحريرها في ذلك الوقت، ورفضت الاشتغال في مجلة "الإثنين" لأن رئيس تحريرها _ مصطفى أمين بك_ رفض أن يوقع باسمي مقالا كتبته ونشره، ثم عملت في جريدة "ٱخر ساعة" وارتقيت فيها إلى حد كان الأستاذ "التابعي" يعهد إلي بالإشراف على تحريرها أثناء غيابه في رأس البر، ورغم ذلك فلم يكن لى حق الإمضاء إلا بالحرف الأول من اسمي «إ»، ثم أصبح إمضائي قاصرا على إسمي دون لقبي فكنت أوقع «إحسان»، وكان أغلب القراء يعتقدون أن الكاتب "فتاة" !!.

وأخيرا تركت "آخر ساعة" لأبحث عن جريدة ترضى أن أوقع اسمي كاملا، ولكني لم أجد.

وكنت قد تزوجت في ذلك الحين، وكانت عائلة زوجتي تستنكف أن أكون صحفيا حتى إنهم كتبوا في بطاقة الدعوة إلى عقد القران أني «محامي» لا «صحفي»، وكانوا يلحون علي أن أهجر الصحافة لاشتغل بالمحاماة ولكني رفضت أن أهجرها قبل مضي الخمس سنوات التي حددتها للتجربة، ووافقتني زوجتي على رأيي فكان أن قضيت ثلاثة أشهر عاطلا لم يزد دخلى خلالها عن ستة جنيهات في الشهر، وكنت كلما عرضت علي جريدة أن أعمل بها اشترط أن أضع اسمي کاملا متى أردت وفي أي صفحة أردت فكان رؤساء التحرير يرفضون!!.

وفي الشهر الثالث فكرت في أن أكتب قصصا للسينما، فكتبت ثلاث قصص في يوم واحد اشترتها مني السيدة "عزيزة أمير" بمبلغ 240 جنيها، وعندما أمسكت بالشيك في يدي لم أستطع أن أقول لصاحبته شکرا بل جريت إلى بيتي وما كدت أدخل إليه حتى وضعت رأسي في الأرض وضربت "بلانس"، وكان أول وأخر «بلانس في حياتي».

وضعت الشيك في يد زوجتى فبكت!.

وعدت إلى جريدة "روزاليوسف"، وقد أصبح لى حق الإمضاء، ولكني طالبت بأن أكون رئيسا للتحرير، فرفضت والدتي واستمرت في رفضها إلى أن بدأت حملتي على اللورد "كيلرن" ودخلت السجن، وعندما خرجت كافأتني بأن عهدت إلي برئاسة التحرير وعندما خرج اللورد "کیلرن" من مصر كافأتني بمائة جنيه، وبقى حساب السير "هدلستون" حاكم السودان!!.

هذه هي قبلات الزمن وصفعاته، ودموعي وبسماتي.

الكاتب الراحل وعائلته
الكاتب الراحل وعائلته