المهندسة بيان أبو سلامة، مبتكرة أول قمر صناعي فلسطيني لصدى البلد :
*فلسطين 1 سيستكشف التمدد العمراني وسيساعد في تحديد المناطق المعرضة للتصحر
*حتى الآن لم أتلق أى عرض من الحكومة الفلسطينية ولا من أى شركة فلسطينية خاصة
*الاحتلال الإسرائيلي معرقل عموما للتحرك في كل المجالات وممنوع علينا دراسة مواد معينة
*وجودي كعالمة فلسطينية وغيري في الوطن العربي يكسر النظرة النمطية تجاه المرأة
بنظرات عميقة وقت الغروب، رفعت رأسها إلي السماء لانتظار ظهور القمر بشكل أوضح ، أو لعلها تلمح اشتعال شهاب عند دخوله الجو بعد سبح طويل في الفضاء، وبنظرة أخرى إلى الأرض، أحست باضطراب كبير في داخلها بعد اصطدامها بقليل من الضوء ، وهو ذلك الضوء الذي يسمح به الاحتلال ، الذي لو كان بيده لمنع الشمس والقمر وحرمها وقومها من الهواء.
همت الفتاة -حينها- بيان أبو سلامة لالتقاط أشيائها ومعها كتاب "تاريخ موجز للزمن" بعدما اقتطعت شوطا كبيرا منه، عازمة أنها في يوم من الأيام ستكتب لفلسطين تاريخا بين الكواكب والنجوم.
المهندسة الفلسطينية الشابة، بيان أبو سلامة، مبتكرة أول قمر فلسطيني مصغر، والتي قررت تنفيذ ما تحلم به مذ أن كانت في الخامسة عشرة من عمرها ، تحكي لـ "صدى البلد" في حوار خاص لأول مرة على أى وسيلة إعلامية مصرية، عن قمرها الصناعي "فلسطين ١" وكيف سيغير في مسار حل المشكلات البيئية التي تواجهها فلسطين خاصة والمنطقة العربية بشكل عام في تلك الفترة التي يعصف التغير المناخي فيها بكوكب الأرض، وإلى نص الحوار :
- في البداية نرحب بك، في وطنك الثاني مصر ، حدثينا عن نفسك ، وطبيعة دراستك عن الفضاء في جامعة كوين ماري في بريطانيا ، وعن المنحة التي تلقيتها ؟
بيان أبو سلامة، تخرجت في كلية الهندسة الميكانيكية في جامعة بيرزيت في رام الله بفلسطين، ثم حصلت على منحة تشيفنينج التنافسية لدراسة الماجستير من الحكومة البريطانية لعام ٢٠٢٠/ ٢٠٢١، وكنت أنا الطالبة الوحيدة التي تلقيت هذه المنحة في مجال الهندسة الميكانيكية.
- من المعروف أن كلية الهندسة الميكانيكية أغلب طلابها من الذكور ، هل كان هذا الأمر شيئا عاديًا أم صعبًا بالنسبة لك؟
كليات الهندسة وأقسامها بشكل عام في جميع أنحاء العالم أغلب طلابها من الذكور، وينطبق الأمر على جامعة بيرزيت فكنت أنا ضمن مجموعة صغيرة للغاية من الطلاب الإناث وكان الأمر صعبا جدا بالنسبة لي مما جعلني أبذل جهدا مضاعفا لاثبات نفسي وإثبات قدرتي على التفوق في هذا المجال.
- في بعض المناطق وعند عدد من الأسر في فلسطين، والعالم العربي بشكل عام، هناك بعض الأفكار الرجعيةالتي تقف في طريق تعليم الفتيات أو اختيار تخصص معين، كيف تواجهين هذه الأفكار ، وبرأيك ما الحل للقضاء عليها ؟
المرأة في العالم العربي كله تواجه مشكلات عديدة خاصة عندما تقرر دراسة شيء ما ليس مألوفًا أو عندما تعمل في تخصص معروف أن أغلبه من الذكور ، كما تواجه تحديات خاصة في الأفكار التي طرحها أو تريد أن تغييرها في المجتمع، وبالتأكيد عدد من الأسر الفلسطينية لديهم مشكلات متعلقة بالخوف من خروج فتياتهم لأسواق العمل، ولكن أصبحت الفتيات الصغيرات والنساء يدركن هذه الأمور ويتغلبن عليها، والمجتمعات العربية أصبحت تشهدا تغيرا واضحا ، ووجودي أنا كفلسطينية وغيري في الوطن العربي في مثل هذه المجالات والتفوق فيها ؛ يكسر هذه النظرة النمطية تجاه المرأة ويحطم مثل هذه المعايير التي يضعنا فيها البعض.
- ماذا تقولين للطالبات الفلسطينيات في المدارس والجامعات، وأنت كنت واحدة منهن ومثلهن يوما؟
رسالتي لكل الطالبات: دراسة العلوم والرياضيات ليس شيئا سهلا، إنما بالتأكيد صعب ولكن نحن بحاجة إليكن، لا تتركوا دراستكن، ولا تسمعوا لمثل الكلمات المحبطة التي دائما ما تقال لنا بأن مكانكن ليس هنا، ومجالات العلوم والرياضيات لا تناسبكن، والأفضل أن تظلوا في المنزل، أقول لكم لا تسمعوا أبدًا لمثل هذه الكلمات، لأننا بحاجة إلى فتيات أكثر في أسواق العمل، بحاجة لنساء تكسر الصور النمطية وبحاجة أيضا لأفكار غير تقليدية لحل المشكلات التي تواجه العالم.
- درست الهندسة الميكانيكية ثم انتقلت لدراسة الفضاء، ما الذى جذبك لعالم النجوم وصناعة الأقمار الصناعية ؟
الهندسة الميكانيكية كانت المقدمة لدراسة علم الفضاء لأن الهندسة الميكانيكية تدخل في جميع المجالات سواء كانت فضاء أم تصميم أو غيرها ، وأنا اخترت مجال تصميم الأقمار الصناعية المصغرة في رسالتي للماجستير، لإيماني بأنها تمثل حلا كبيرا في المشكلات الكبيرة التي تواجه العالم وكوكب الأرض.
- من أين جاءت فكرة ابتكار قمر فلسطيني مصغر ، والعمل عليها ؟
تقوم الكثير من الدول بإرسال الأقمار الصناعية المصغرة للفضاء للتصوير والاستكشاف وهذا الأمر يدل على كفاءة الدولة العلمية ومدى تقدمها، ومن هنا جاءت الفكرة لماذا لا تمتلك فلسطين قمر صناعي مصغر لأننا بحاجة شديدة له، وبمجرد أن قمت بنشر رسالتي التي تشمل تصميم قمر صناعي فلسطيني مصغر كان هناك تجاوب من الجميع في فلسطين لاستكماله.
- قررت العمل على إنشاء أول قمر فلسطيني مصغر ، وأسميته "فلسطين ١" ، ما هو "فلسطين ١" وما الذي يميزه عن باقي الأقمار الصناعية الأخرى؟
القمر الصناعي "فلسطين ١" هو قمر له مواصفات معينة في الهيكل الخاص به والتصميم حيث سيعمل على تغيير فكرة صناعة الأقمار الصناعية المصغرة حيث سيقدم نظرة جديدة لصناعة هذه الأقمار بتكلفة أقل ويعمل على تقليل نسب الخطأ التي تواجه هذه النوعية من الأقمار ، كما أنه له طابع فلسطيني خاص في التصميم.
- ما الفارق بين الأقمار الصناعية المصغرة التي ينتمي إليها "فلسطين ١ "والأقمار الصناعية العادية ؟
الأقمار الصناعية المصغرة بشكل عام تدرس كوكب الأرض من مدار قريب، وتقوم بتوفير معلومات بنطاق أوسع للمشكلات التي يعاني منها الكوكب مثل التمدد العمراني والتغير المناخي، والأشعة الضارة ، ووجود أقمار صناعية تعطينا معلومات عن الكوكب بشكل مستديم سيساهم في وضع حلول مبنية على أساس علمي لهذه المشكلات.
- اشرحي لنا كيف سيساهم "فلسطين ١ " في حل مشكلات التغير المناخي ، والتي بدأت في التهديد بشكل حقيقي وظهرت آثارها في بعض الدول مؤخرا ؟
سيدرس القمر الصناعي "فلسطين ١" التمدد العمراني في فلسطين والمنطقة العربية وسيساعد في تحديد المناطق المعرضة للتصحر، وسيستكشف المصادر المائية الغير معروفة ، وكذلك تحديد الأماكن الموجود بها شح مائي وكيف يمكن تعديل التوزيع العمراني لهذه المناطق، واستهداف المناطق المهمشة لإنشاء مجتمعات عمرانية، وإعادة توزيع المصادر المائية بحيث يتماشى مع التمدد العمراني، مما سيضع فلسطين على خريطة العالم العلمية.
- كم المدة التي استغرقتِها للانتهاء من الدراسة النظرية للقمر "فلسطين ١ "، وهل استطعت تسجيل براءة اختراع لفكرة القمر الذي ابتكرتِه ؟
استغرقت حوالي ٦ أشهر في وضع الإطار النظري والتصميم الخاص بالقمر الصناعي "فلسطين ١" ، ثم نشرت الأطروحة الخاصة به في رسالتي للماجستير ، وبعدها بدأت في تسجيل الإجراءات في المملكة المتحدة لـ "فلسطين ١" لإثبات الملكية الفكرية.
- ما هواياتك أو مواهبك الأخرى التى تمارسينها غير حبك لمجال الفضاء ودراسة الهندسة الميكانيكية ؟
أحب القراءة كثيرا في الفيزياء والأدب، وأنا من هواة القراءة في الفيزياء النظرية منذ أن كان عمري ١٥ عاما ، وأقرأ دائما لستيفن هوكينج، وريتشارد فاينمان وغيرهم من علماء الفيزياء الذين أضافوا لمجال الفيزياء وساهموا في حل المشكلات الموجودة في الكون، كما أنني محبة للرياضة بشكل عام.
- في أى دولة سينطلق القمر الصناعي "فلسطين١ " ؟
شخصيا لا أعرف بأي دولة من الممكن أن ينطلق منها، ولكن عادة الأقمار الصناعية يتم إطلاقها من خلال محطة الفضاء الأمريكية ناسا أو محطة سبيس إكس ، أوفيرجن جالاكتيك، ولكن فعليا أى منصة إطلاق أقمار صناعية موجودة في العالم يمكن الإطلاق منها،بشرط أن تم المرور بعدد من التحضيرات المعينة الخاصة بالإطلاق.
- كم التكلفة الخاصة بمشروع "فلسطين ١" ليكون قمرا صناعيا تعتمد عليه فلسطين بشكل عملي ويفيد أيضا المنطقة العربية ؟
تكلفة القمر الصناعي المصغر تتراوح ما بين ١٠٠ إلى ٢٥٠ ألف دولار .
- هل تلقيتِ أي عروض سواء من الحكومة الفلسطينية أو شركات فلسطينية أو عربية خاصة لتمويل المشروع ؟
لا ، حتى الآن لم أتلق أى عرض من الحكومة الفلسطينية ولا من أو شركات فلسطينية خاصة.
- هل تعتقدين أن المشروع من الممكن أن يواجه عراقيل أخرى غير التمويل والأمور اللوجستية، بمعنى؛ أن إسرائيل تعمل على عرقلة جميع المشروعات العلمية الفلسطينية؟
المشكلات الخاصة بالتمويل والأمور اللوجستية يمكن تفاديها عموما والتغلب عليها وهي مشكلات واردة في أى مشروع ، والمفترض أن " فلسطين ١ " هو مشروع أكاديمي والهدف منه إفادة البشرية عموما، ولكن العراقيل واردة لأنه بمجرد أن المشروع فلسطيني من الممكن أن يتم معاملته كمشروع سياسي لأن فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي والاحتلال دائما يسعى لعرقلة جهود الفلسطينيين.
- أثناء دراستك للماجستير في جامعة كوين ماري عاصرت خلالها أحداثا جسامًا، منها تفشي فيروس كورونا وكذلك أحداث الشيخ جراح، احكي لنا عن تجربتك مع هذين الحدثين أثناء الدراسة؟
في شهر مايو العام الماضي، بدأت أحداث الشيخ جراح ، وكان من الصعب عليّ جدا أن أوفق بين عملى على المشروع وكذلك أن أتابع ماذا يحدث في بلدى، والإغلاق الذي طبقته بريطانيا بسبب وباء كورونا صعب من الأمور كثيرا ، ولكن ما هون تلك الفترة أنني تعرفت على عدد من الأشخاص ساعدوني كثيرا على تخطى هذه الظروف الصعبة، كما أن أهل فلسطين ساعدوني جدا إلى أن استطعت أن أتخطى الأزمة.
- كونك مهندسة فلسطينية عربية ، هل تعرضتِ لأي نوع من العنصرية في المملكة المتحدة ، وهل لا تزال الصورة النمطية تجاه المرأة العربية موجودة في جامعات بريطانيا ؟
صراحة لم أتعرض لأى نوع من العنصرية في بريطانيا ، ولكن هناك نظرة معينة في الغرب عامة وبريطانيا خاصة بأن المرأة العربية هي إمرأة مقموعة، ولكن الطالبات العربيات أو النساء اللاتي تعملن في مجالات مهمة هنا يكسرن دائما هذه الصورة ويستطعن إثبات أنفسهن في جوانب عديدة من الحياة وليس جانب واحد فقط.
- التقيت بالسفير الفلسطينى لدى المملكة المتحدة ،الدكتور حسام زلمط ، احكى لنا تفاصيل هذا اللقاء، وهل قابلت مسئولين آخرين؟
السفير الفلسطيني الدكتور حسام زلمط كان داعما كبيرا للمشروع ولي بشكل شخصي، وكان دائما محتفيا بجهودي الشخصية وما أعمل عليه، وأعطاني دعما معنويا كبيرا، ولكن لم أقابل أي مسئول فلسطيني آخر غيره.
- من هم أبرز الداعمين لك داخل فلسطين وخارجها؟
تواصل معي الكثيرون من فلسطين ومن معظم الدول العربية داعمين كثر ومحتفين بمشروع فلسطين ١ ويتمنون إستكماله وإطلاقه في المستقبل، وسألوني إذا كنت أحتاج لدعم مادي أو غيره.
- كطالبة فلسطينية ما الأشياء التي سلبها الاحتلال الإسرائيلي منك ومن زملاؤك ، والتي كانت لتتوفر لأى طالب في الدول الأخرى ؟
الاحتلال الإسرائيلي معرقل عموما للتحرك في كل المجالات، وعندما كنا طلابا في الجامعة كانت تمارس علينا قيود كثيرة حتى أنه كانت هناك أمور معينة ممنوع أن ندرسها، ومواد معينة غير مسموح بها أن تدخل لفلسطين، ودائما كانت هناك عراقيل بشكل مباشر أو غير مباشر يضعها الاحتلال في طريقنا، وبالتأكيد هذه الأمور تحد من العملية الأكاديمية، ولكن جامعتى بيرزيت كانت تتحدى هذه العراقيل الأكاديمية بكل ما تستطيع.
- ما رسالتك للطلبة الفلسطينيين الذين يواجهون عقبات بالغة لتحصيل العلم بسبب الاحتلال الإسرائيلي ؟
رسالتي لجميع الطلاب الفلسطينيين العمل والجد والمثابرة للوصول للنجاح في جميع المجالات وأقول لهم " إنتوا أجدع ناس ولازم تستمروا على خطاكم وتفضلوا شوكة في حلق الاحتلال الاسرائيلي".