الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سار على نهج أديب نوبل.. ماذا تعلم جابر عصفور من نجيب محفوظ؟

صدى البلد

رحل اليوم عن عالمنا الناقد الأدبي، وزير الثقافة الأسبق الدكتور جابر عصفور، والذي قدم إنجازات كبيرة طوال حياته، إذ يعد واحدًا من أهم النقاد في الوطن العربي، وقد نعاه الكثير من محبيه على مواقع التواصل الاجتماعي.

ظل الدكتور الراحل جابر عصفور يبدي إعجابه الكبير بصاحب نوبل نجيب محفوظ في مناسبات عدة، إذ ذكر في أحاديثه الأخيرة قبيل مرضه عن علاقته بمحفوظ، والتي استمرت أيضًا بعد وفاة أديب نوبل، من خلال ركن محفوظ الذي خصص له الجزء الأكبر في مكتبته التي حوت على جميع أعمال محفوظ والذي ظل مرتبطًا بها طوال حياته: "تأثرت بمحفوظ منذ اللحظة الأولى التي وقعت عيناي على عمل له، ووقتها كنت في المرحلة الإعدادية، وعلى ما أتذكر أول عمل قرأته له كان "زقاق المدق" وأنا لم أنس هذا العمل، خاصةً الست "حميدة"، وبعد ذلك عندما بدأت أكتب عن  محفوظ كتبت وقتها عن الرواية التاريخية، إذ اعتبرت "كفاح طيبة" أنها قدمت نموذجًا للحاكم الصالح، وأن "عبث الأقدار" هي نموذج للحاكم الذي يرضى بالعدل الإلهي لكي يحققه على الأرض، وكذلك رواية "رادوبيس" رأيتها أيضًا نموذجًا للحاكم الإلهي، وحين كتبت عنها منذ زمن، رأيت أنها إشارة للملك فاروق".

تعلم جابر عصفور الكثير من الخصال من محفوظ إذ كان بالنسبة إليه كاتب "ملهم" أراد دائمًا أن يتعلم منه "تعلمت من محفوظ أشياء كثيرة جدًا أولها الصبر، والانتظام في العمل، إذ كانت حياته دقيقة ومنتظمة، وهذا الانتظام هو الذي انتهى به إلى ما صار عليه في النهاية، فمحفوظ لم يكن "هلاسًا" وقد حرص على العمل المنتظم والجدي طوال حياته، وهو على عكس يوسف إدريس على سبيل المثال الذي لم يكن منتظمًا، فبسبب هذا الإصرار والدأب والانتظام، وصل محفوظ إلى ما وصل إليه، وحصل على نوبل في نهاية الأمر، لذلك أعتبر هذا الأمر درسًا هائلًا تعلمته منه خلال حياتي، فحتى عندما كبر وأصيب بمرض السكر، حذره الطبيب من التدخين، وسمح له بالتدخين مرة كل ساعة، ووقتها كنت أتابعه ورأيته حريصًا على إرشادات الطبيب ملتزمًا بالوقت المحدد وحين يأتي ميعاد شرب السجارة كان ينظر في ساعته ويسحب السجارة من العلبة كما حدد له الطبيب، وبعدها بساعة يقوم بالأمر ذاته مرة أخرى، فهذه الدروس البسيطة هي التي كونت شخصية محفوظ ولولا انضباطه لما وصل إلى ما وصل إليه، وهي دروس بالرغم من بساطتها، إلا أن محفوظ قدمها لكل من شخص يريد أن يصل إلى شىء مهم في حياته".

فكر فلسفي

أما بخصوص إعادة قراءة أعمال محفوظ مرة أخرى فقد ذكر أن هناك الكثير من أعمال محفوظ التي أعاد قراءتها أكثر من مرة، لأنه -على حد تعبيره- شخصية ثرية واستطاع أن يكتب أشكال مختلفة من الكتابة، والانتقال من مرحلة لأخرى في الكتابة، إذ إنه كتب ثلاثيته وانتقل بعدها لمرحلة جديدة من الكتابة وهي مرحلة استثنائية والتي كتب فيها "أولاد حارتنا" وبعد أن انتهى من كتابتها بدأت مرحلة جديدة ناقش فيها قضايا سياسية واجتماعية، ذات الرمز السياسي، فكتب "اللص والكلاب" وتغير أسلوبه وقتها، إذ إن أسلوبه في الروايات القديمة مثل الثلاثية وغيرها كان أسلوب وصفي، لكن في "اللص والكلاب" اختلف ذلك الأسلوب منذ أول جملة بالرواية، وهذه الأعمال هي التي أطلق عليها يحيى حقي اسم "المرحلة الديناميكية"، إذ إنه قسم إنتاج محفوظ لمرحلتين رئيسيتين وهما 'المرحلة الاستاتيكية" والتي هي ما قبل "اللص والكلاب"، و"المرحلة الديناميكية" التي ذكرتها منذ قليل والتي تخص أعمال ما بعد "اللص والكلاب"، فالمرحلة الديناميكية أيضًا كانت متنوعة، وما كتبه في "الشحاذ" اختلف عما كتبه في "الباحث عن الحقيقة" و"أفراح القبة" فكل عمل تميز عن غيره بخاصية نوعية، بعكس الكثير من الروائيين، فمحفوظ دائمًا ما كان يأخذنا لآفاق بعيدة من الفكر الفلسفي.


وفي نهاية حديثه تحدث الراحل الدكتور جابر عصفور عن العمل الذي تأثر به كثيرًا خلال حياته إذ أوضح أنه تأثر بثلاثيته يقول: "تأثرت بثلاثية محفوظ، وخاصة الجزء الثالث، وخصوصًا الفصل الأخير منها، وتحديدًا الصفحات الأخيرة من هذا الفصل، والتي جاءت على لسان البطل عندما قال "إني أعيش حياتي وأحترم القيم التي يحترمها الناس، أما إذا لم يحترم الناس هذه القيم، فإني أسير عليها بغض النظر عنهم" فأنا دائمًا ما اقرأ هذه العبارة، وأتذكر أنه في المرة الأولى عندما قرأتها كتبتها في كراسة من كراساتي، وعلى ما أتذكر كنت في المرحلة الثانوية، فأنا تأثرت بمحفوظ في حياتي كلها، وفي جميع مراحل عمري، كنت دائمًا ما أنظر إليه منبهرًا.