الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أعنف أزمات 2021.. أسباب أزمة الطاقة وانعكاساتها على الاقتصاد العالمي.. معاناة الدول النامية والفقيرة وسط تفاقم الأزمة.. وأفريقيا تتجه نحو الطاقات المتجددة

أزمة الطاقة
أزمة الطاقة

تعاني دول العالم من أزمة طاقة عنيفة، بسبب الاعتماد علي “الوقود الاحفوري” الذي تسبب في العديد من الكوارث الطبيعية، وفي الأشهر القليلة الماضية، بلغت أسعار الطاقة حول العالم خاصة أوروبا مستويات قياسية، حيث شهدت بريطانيا والصين وأمريكا وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول كبري، أزمات طاحنة، فضلا عن معاناة الدول النامية من أثار الأزمة.

وأشارت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، إلى سلسلة الأحداث المؤسفة التي تسببت في أزمة الطاقة الطاحنة التي ضربت العالم هذا العام.

أولها: الانتعاش السريع الذي تلا انحسار أسوأ ما في الوباء، وانتعش النمو مرة أخرى بالولايات المتحدة وأوروبا والصين، بينما منتجو الطاقة وشركات الشحن في جميع أنحاء العالم يعانون من الإغلاق، وهو ما أدى إلى اختلال التوازن بين العرض والطلب.

ثانيا: تغير المناخ وموجات البرد التي ساهمت في زيادة استهلاك الغاز الطبيعي، في ظل الركود الذي أصاب مصادر الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

لكن تغير المناخ ليس الملام الوحيد، فقد لعبت السياسة السيئة وقصر النظر دورا كبيرا بأزمة الطاقة، فعلى سبيل المثال، اختارت أوروبا التوجه نحو تحرير أسواق الطاقة، واتبعت الصين نهجا مماثلا وكانت النتيجة بجميع الحالات نفسها: عدم التوافق بين تكلفة الإنتاج وما كان المستهلكون على استعداد لتحمله.

ولعبت العوامل البيئية في أوروبا، دورًا كبيرًا في زيادة الطلب على الغاز الطبيعي، وساهم هذا الأمر في تعميق الأزمة، إذ تسعى دول أوروبا لخفض اعتمادها على الفحم في إنتاج الكهرباء، إذ يسهم قطاع الكهرباء في نحو 75% من الانبعاثات الكربونية في القارة العجوز، وأسهمت سياساتها في هذا المجال إلى انخفاض كبير في الاعتماد على الفحم، إذ تقلص الاعتماد عليه في إنتاج الكهرباء خلال العام الماضي بنحو 20%.

وعلي ما يبدو أن الانتقادات الكبيرة التي يوجهها الناشطون والمنظمات البيئية للفحم بسبب تلويثه الكبير للبيئة، وإسهامه بشكل كبير في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، دفع الصين لوضع خطة لتقليل انبعاثات الكربون كجزء من التزاماتها المناخية، كان أساسها التخلي عن الفحم، إذ قاد التخفيض المستعجل للاعتماد على الفحم في إنتاج الكهرباء الذي نفذته الصين بشكل مستعجل قبيل قمة المناخ كوب 26 إلى زيادة في الطلب على الغاز المسال.

وتسبب التخفيض المستعجل للاعتماد على الفحم في إنتاج الكهرباء حول العالم، إلى زيادة في الطلب على الغاز المسال، مما أدي إلي ارتفاع أسعار الطاقة بشكل غير مسبوق.

وقالت وكالة بلومبرج، إن أسعار الطاقة اليومية في أوروبا قد ارتفعت بشكل كبير، في ظل التوقعات بأن يؤدي الشتاء البارد إلى زيادة الطلب، في الوقت الذي أوقفت فيه فرنسا عمل المزيد من المفاعلات النووية. 

وأدى مزيج الطقس البارد والرياح المنخفضة وانقطاع الطاقة النووية، إضافة إلى أسعار الغاز الطبيعي الباهظة جداً، إلى ارتفاع الأسعار اليومية للطاقة في إسبانيا إلى مستوى قياسي، بينما ارتفع المعادل الفرنسي إلى أعلى مستوى له منذ ذروة الأسعار النادرة في عام 2009.

وسُجلت أسعار للغاز الطبيعي عند مستويات أعلى بسبعة أضعاف مما كانت عليه في بداية العام بسبب إعاقة الإمدادات من روسيا، مما ينذر بشتاء مظلم في أوروبا.

وأشارت بلومبرج، إلي ارتفاع سعر الطاقة الكهربائية الفرنسية، إلى 382.08 يورو لكل ميجاواط/ساعة في مزاد "إيسكس سبوت”.

في حين ارتفع المعادل الألماني إلى ثالث أعلى مستوى قياسي عند 331.37 يورو. 

واستقر المزاد الإسباني عند مستوى قياسي بلغ 339.84 يورو لكل ميجاواط/ساعة.

وقررت إسبانيا عدة إجراءات طارئة لخفض قيمة فواتير الكهرباء، وتدرس فرنسا دفع 100 يورو لمرة واحدة إلى أكثر من 6 ملايين أسرة فقيرة، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة.

والشهر الماضي، دخلت بريطانيا في أزمة بسبب نفاد الوقود من المحطات، بسبب النقص الكبير في سائقي الشاحنات بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.

وقالت وكالة رويترز، إن أحد أهم أسباب أزمة الطاقة العالمية، هو تراجع حجم الاستثمارات في هذا المجال بعد تفشي جائحة كورونا، فضلا عن الصراع التجاري بين الدول العظمي.

 وأضافت إلي ذلك، أن قطاع الطاقة فشل في مواكبة النمو “الضخم” في الاستهلاك، في اعقاب جائحة كورونا والكوارث التي شهدتها العالم، حيث عاني منتجو الطاقة لزيادة الإنتاج، بينما كان هناك زيادة كبيرة في الطلب.

والنتيجة هي نقص حاد وواضح في مخزونات الطاقة، وارتفاع أسعار الفحم والغاز والنفط في جميع مناطق الاستهلاك الرئيسية في العالم، مما تسبب ارتفاع أسعار الطاقة في الدول النامية، ومعاناة الدول الفقيرة.

وأشارت “رويترز” إلي جنوب إفريقيا، التي تعاني من أزمة طاقة عنيفة، وقالت أن فرصة البلد الإفريقي في الخروج من الأزمة التي دامت لسنوات التحول من توليد الطاقة بالفحم إلى مصادر الطاقة المتجددة.

وأضافت أن أزمة الطاقة، قد تسببت في إعاقة النمو الاقتصادي في جنوب إفريقيا.


الطاقة المتجددة في إفريقيا


قالت صحيفة “ذا هيرالد” الاسترالية، إن أزمة الطاقة، أضرت كثيرا بالبلدان الأفريقية، حيث تعاني زامبيا وزمبابوي وجنوب إفريقيا وغيرها من دول القارة السمراء، من أزمات غير مسبوقة.

وأشارت صحيفة “ذا هيرالد”، إلي أن الطاقة الشمسية، هي الحل الحقيقي والأمثل لأزمة الطاقة في إفريقيا.

وقالت إن العديد من البلدان الأفريقية مثل روندا، قد بدأت بالفعل فيالاستثمار في مجال الطاقة الشمسية.

وقال موقع “ذي أفريكان ريبورت”، إن مئات الملايين من سكان قارة إفريقيا يعانون بسبب أزمة الطاقة، ولسوء الحظ، يتزايد هذا العدد يومًا بعد يوم.

ولم يعد بإمكان 15 مليون شخص يعيشون في أفريقيا، تحمل تكاليف الكهرباء، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة.

وفي إحصائية على الصعيد العالمي، يعيش الآن أربعة من كل خمسة أشخاص لا يحصلون على الكهرباء في أفريقيا.

وتؤثر أزمة الطاقة على النمو الاقتصادي وتؤجج الفقر وتدمر البيئة، وهذا يعني أن المزارعين لن يحصلوا على المياه أثناء فترات الجفاف، ولن تتوفر الزراعة الآلية لتحسين الإنتاجية، أو حتى وصول محاصيلهم إلى الأسواق.

تتطلع الدول الإفريقية الفقيرة إلى الانتقال إلي الطقة المتجددة والصديقة للبيئة، أي من الاعتماد على الوقود الاحفوري إلى طاقة خضراء ميسورة التكلفة وموثوقة ومستدامة، مثل الطلقة الشمسية أو طاقة الرياح، وتعتبر مواجهة هذا التحدي أمرًا ملحًا للمستقبل الاقتصادي للقارة - وملايين الأرواح - تعتمد عليها.

ولضمان حصول كل منزل وعمل على طاقة نظيفة وموثوقة ومعقولة التكلفة بحلول عام 2030، هناك حاجة لثلاثة أشياء: 

التمويل لتعزيز تنمية الطاقة المتجددة يجب أن ينمو بشكل كبير.

تحتاج البلدان إلى خطط شاملة لانتقال الطاقة وأهداف واضحة.

يجب استخدام الطاقة المتجددة كأداة حيوية للوصول إلى السكان المحرومين وتعزيز مرونة الشبكات الوطنية.


الاقتصاد العالمي

 

شكلت أزمة الطاقة خطرا كبيرا على الاقتصاد العالمي، خاصة على الدول النامية، بسبب اعتمادها علي استيراد منتجات الطاقة (نفط - غاز طبيعي -فحم) من الخارج، وهو الأمر الذي يشكل تهديدا كبيرا على اقتصاداتها، ويؤدي إلي تراكم الديون.

وقد أضافت أزمة الطاقة، الكثير من الأعباء على الاقتصاد العالمي، الذي يعاني من تداعيات جائحة كورونا، متسببة في وضع المزيد من الضغوط على السوق العالمي واختناق سلاسل التوريد، مما يرفع أسعار السلع حول العالم وتفاقم التضخم.

وقالت وكالة بلومبرج،  إن صندوق النقد الدولي، قد حذر من “انهيار اقتصادي” في بعض البلدان النامية، بسبب تراكم الديون، الناتج عن الأزمات المتلاحقة.

وقالت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا وسيلا بازارباسيوجلو، رئيسة قسم الإستراتيجية والسياسات والمراجعة بالصندوق، إن حوالي 60٪ من الدول النامية حول العالم معرضة لخطر كبير أو تعاني بالفعل من ضائقة ديون، أي ضعف النسبة في عام 2015.

وبحسب بيانات صندوق النقد الدولي، فأن الصعود الحاد في أسعار الغاز الطبيعي يتغلغل تأثيره في أسواق الطاقة العالمية – وفي قطاعات اقتصادية أخرى بدءا من المصانع وحتى المرافق.

ويتجمع الآن مزيج من العوامل غير المسبوقة التي تعكر الأجواء في أسواق الطاقة العالمية، وتعيد إلى الأذهان ذكريات أزمة الطاقة التي وقعت في سبعينات القرن الماضي، وتزيد من تعقيد آفاق التضخم والاقتصاد العالمي التي يغلب عليها عدم اليقين بالفعل.

وقد ارتفعت الأسعار الفورية للغاز الطبيعي بأكثر من أربعة أضعاف مسجِّلة مستويات قياسية في أوروبا وآسيا، وهي ارتفاعات سعرية حادة غير مسبوقة من حيث استمراريتها وبعدها العالمي.

وإذا ظلت أسعار الطاقة على مستوياتها الحالية، فسوف ترتفع قيمة إنتاج الوقود الاحفوري العالمي كنسبة من إجمالي الناتج المحلي هذا العام من 4,1%  إلى 4,7%. وفي العام القادم، يمكن أن تصل النسبة إلى 4,8% مقارنة بنسبة 3,75%. ومع افتراض أن نصف هذه الزيادة في تكاليف النفط والغاز والفحم يرجع إلى انخفاض الإمدادات، فمن شأن هذا أن يمثل انخفاضا قدره 0,3 نقطة مئوية في نمو الاقتصاد العالمي هذا العام وحوالي 0,5 نقطة مئوية في العام القادم.

إلي ذلك، حذرت إذاعة دويتشه فيله الألمانية، من تفاقم التضخم، حيث تسبب ارتفاع أسعار الطاقة، إلى جانب نقص المواد الخام والمدخلات، في دفع التضخم إلى أعلى مستوياته منذ سنوات عديدة.

أثار ذلك فزع المستثمرين العالميين الذين يخشون أن تضطر البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة قبل الأوان لترويض الأسعار المرتفعة.

يتمسك البنك المركزي الأوروبي بالقول إن الأسعار ارتفعت بسبب عوامل مؤقتة، مثل نقص الإمدادات وارتفاع أسعار الطاقة والتأثيرات الأساسية، ويتوقع أن يهدأ التضخم بمجرد أن تهدأ آثار الاختلالات العالمية بين العرض والطلب.

لكن إذا ثبت أن اضطرابات سلسلة التوريد أكثر استمرارا مما كان يعتقد سابقا، من المتوقع أن يستمر التضخم في الارتفاع لمعظم عام 2022، مما يبقي البنوك المركزية الأوروبية في موقف حرج. 

ورفع بنك إنجلترا الفائدة بالفعل إلى جانب بعض الأسواق الناشئة لمواجهة خطر التضخم. 

وفي الولايات المتحدة، من المتوقع أن تكون مخاوف التضخم أكبر، مدعومة بالانتعاش الاقتصادي السريع، والتحفيز المالي الضخم، ونقص العمالة وعرض السلع. 

قال مجلس الاحتياطي الفيدرالي إنه سيقلص خطته لشراء السندات بسرعة أكبر وأشار إلى رفع أسعار الفائدة في عام 2022. 

قد يتسبب رفع سعر الفائدة الفيدرالي في حدوث مشكلات لبعض الاقتصادات الناشئة، بما في ذلك جنوب أفريقيا والأرجنتين وتركيا، والتي قد تشهد أيضا ارتفاعا في أسعار الفائدة وسحب رأس المال خوفا من الخسارة.

وتعتبر أزمة الطاقة، هي أحد التهديدات الرئيسية التي تواجه الاقتصاد العالمي في عام 2022.