الثروة الحقيقية التي تمتلكها دون منازع، والتي لا ينازعك فيها أحد هي عمرك، وعمرك هو عملك، وهناك تشابه لفظي وجناس بين العمر والعمل.
مجال التسابق ومجال السعي ومجال المجاهدة إنما يكون بعمرك الذي بين يديك، والعمر يطول بالطاعات، ويقصر بالمعاصي.
دعا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بطو ل العمر ففي الحديث " اللَّهمَّ أَكثِرْ مالَه وولَدَه، وبارِكْ له فيه. قال أنسٌ: فأَخبَرَتْني ابنَتي أنِّي قد دَفَنْتُ مِن صُلْبي بِضعًا وتِسعينَ، وما أَصبَحَ في الأنصارِ رجُلٌ أكثَرَ مِنِّي مالًا، ثمَّ قال أنسٌ: يا ثابتُ، ما أَملِكُ صَفراءً ولا بَيضاءَ إلَّا خاتَمي" .
واستجاب الله فعاش حتى ناف على المائة والعشرين، وكثر رزقه، ولم ير على مر الزمان حديقة تنتج مرتين في العام إلا حديقته وكثر ولده حتى أنه دفن بيده ثمانين من أحفاده.
الثروة الحقيقة هي استغلال العمر في صالح الأعمال، و لن يحسن العمل إلا بصدق الإنسان في استغلاله للوقت، والإنسان الناجح في حياته ليس لديه وقت فراغ، وصاحب القلب الفارغ المشتت هو التائه بين هذه الحياة، وليس من خصص وقته وراحته لله، ومن خصص وقته للأهواء والشياطين.
و طول العمر مع حسن العمل أكبر قيمة تحظى بها في هذه الحياة، والخيرية هي صلاح العمل وصلاح الحال، وطول العمر مع الصلاح هو شأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي خطاب الله للإنسان العاصي يوم القيامة {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: 37] أي: أنه يوبخ على عمره.
لقد أعطاك الله العمر، ولكنك استهنت بالعمر، استهنت بالساعة التي يأتيك فيها ملك الموت {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ } [المؤمنون: 99، 100].
تاجر مع الله تعالى بأهم شيء في حياتك، "عمرك" وابحث عن حسنات متجددة جارية، الأعمال الصالحات التي يجريها الله لك وتجريها أنت على نفسك قد تحتاج لها يوما ما والتي أسميتها الخبيئة لأنك تتاجر مع الله تعالى.
قال تعالى: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان: 15]، إذا رأيت صاحب قلب مقبل على الله فاتخذه صديقا فإن فعلت فاعلم أنه سيأخذ بيدك للجنة.
الذي يجعل لعمرك جمالا هي الحسنات المتجددة، كان الصديق رضي الله عنه يمر على عشرات البيوت من العجائز لخدمتهن وهو أمير المؤمنين هذه هي الحسنات المتجددة.
وعلى قدر استثمار الإنسان للوقت في هذه الحياة تأتى له حسن الخواتيم، ومن لطف الله ورحمته أن الله يعطيك على النية قدر ما يعطيك على العمل حتى إذ حيل بينك وبين العمل مع وجود النية فإن الله تعالى يكتب لك الأجر كاملافتضم إلى عمرك أعماراً وأعمارا.
وتأتي ثمرة جمع الحسنات في نهاية عمر الإنسان (إنما الأعمال بالخواتيم)
أي إن الله عز وجل يختم لك بما ختمت به عملك بما بيضت به حياتك أو سودت به حياتك.
استثمر عمرك في طاعة الله وإياك أن يضيع منك لحظة دون تذكر أ وتفكر أو في سعي لخدمة المجتمع .