أحد رواد الواقعية المصرية، الملقب بنصير الغلابة، ومخرج سينما البسطاء، وبالرغم من عمره السينمائي القصير، إلا أن أعماله ظلت خالدة في التاريخ، هو المخرج عاطف الطيب، الذي تحل اليوم، ذكرى ميلاده، إذ أنه من مواليد مركز المراغة بمحافظة سوهاج في 26 ديسمبر 1947.
بداية مُبدع في المعهد
عاطف الطيب درس في قسم اﻹخراج بالمعهد العالي للسينما، وتخرج منه عام 1970، وخلال فترة الدراسة وبعدها، عمل كمساعد مع عدد من المخرجين، منهم مدحت بكير، محمد شبل، سيد طنطاوي، شادي عبدالسلام، ويوسف شاهين، في أفلام منها: "3 وجوه للحب، دعوة للحياة، جيوش الشمس، عيب يا لولو.. يا لولو عيب".
بعدها أخرج أول فيلم طويل له "الغيرة القاتلة" عام 1982، وواصل بعدها مسيرته في اﻹخراج من خلال عدد كبير من الأفلام التي نالت نجاحًا نقديًا وجماهيريًا، منها: "سواق الأوتوبيس، ضد الحكومة، ملف في الآداب، دماء على الأسفلت، ناجي العلي، الهروب، الدنيا على جناح يمامة، كتيبة الإعدام، كشف المستور، ليلة ساخنة" وغيرها.
البريء يصنع الفارق
رغم تعدد الأفلام المهمة للغاية في مسيرة عاطف الطيب؛ يبقى لفيلم "البريء" (1986) مكانة خاصة، من ﺗﺄﻟﻴﻒ السيناريست الكبير الراحل وحيد حامد، مع النجوم أحمد زكي، محمود عبدالعزيز، ممدوح عبدالعليم، إلهام شاهين، صلاح قابيل، جميل راتب، حسن حسني، ناهد سمير، وأحمد راتب وغيرهم.
سبع الليل.. يتمكن من تلقي تعليمه بسبب ظروف معيشته القاسية، يتعاطف معه "حسين وهدان" الشاب الجامعي المثقف، ويعلمه المبادئ الوطنية، ويشجعه على الالتحاق بالقوات المسلحة، ثم يُحول إلى حراسة المعتقلات، وهناك يتم غسل مخه وإيهامه أن كل من في المعتقل هم أعداء الوطن الذين يحاربون تقدم البلد، ويتم تعليمه الطاعة العمياء، ويتم القبض على "حسين وهدان" مع مجموعة من الطلاب اليساريين ويحوّلوا إلى نفس المعتقل الذي يخدم به "سبع الليل"، يلتقي الصديقان في لحظة فارقة تنكشف فيها الحقيقة للمجند المُغيّب، فيرفض تعذيب صديقه، يتم حبس الاثنين معا، يكشف "حسين وهدان" الحقيقة كاملة لـ"سبع الليل" الذي يثور بعدها ندما على ما فعل بالأبرياء، يتم قتل "حسين" بالأفاعي السامة -وهي ثعابين سامة حقيقية طالبأحمد زكيبوجودها في المشهد للمزيد من الواقعية- فيقرر "سبع الليل" الانتقام.
تغيير نهاية البريء لأسباب أمنية
لظروف أمنية، تم منع النهاية الأصلية للفيلم، التي يقوم فيها "أحمد سبع الليل" بقتل جميع الموجودين في المعسكر قبل أن يموت هو بيد زميل له، وتبلغ مدة المشهد الختامي المحذوف من النسخة الأصلية للفيلم حوالي ست دقائق، وتم حذف النهاية الأصلية للفيلم بعد تشكيل لجنة رقابية مكونة من وزير الدفاع المشير أبو غزالة، ووزير الداخلية أحمد رشدي، ووزير الثقافة أحمد عبدالمقصود هيكل.
وحيد حامد: النهاية مفيش فيها حاجة
وكشف الكاتب الراحل وحيد حامد، في ديسمبر 2015، عن تدخل جهات سيادية لتغيير نهاية فيلم "البريء"، وقال: "فيلم البريء حتى هذه اللحظة يُعرض في القنوات الفضائية بدون نهايته الحقيقية، نهاية فيلم (البريء) اتغيرت لأن أحد المثقفين الكبار بعد ما شاف الفيلم في العرض الخاص، وقف وقال بأعلى صوته: ده كل عسكري أمن مركزي في إيده بندقية، يحصل إيه لما يضربها في القائد بتاعه؟، وحُذفت نهاية الفيلم وحصل حاجة كبيرة جدا وكانت قضية كبيرة، وحضر 3 وزراء، وزير الدفاع المرحوم محمد عبدالحليم أبو غزالة، وزير الداخلية المرحوم أحمد رشدي، مع وزير الثقافة، وشافوا الفيلم، رغم أن الفيلم مفيش فيه حاجة والنهاية مفيش فيها حاجة".
حجب النهاية الأصلية 19 عام
ظلت النسخة الأصلية من الفيلم ممنوعة من العرض لمدة 19 عامًا، قبل أن توافق وزارة الثقافة في عام 2005، على عرضه كاملًا مع النهاية المحذوفة في المهرجان القومي للسينما، كتكريم للفنان الراحل أحمد زكي.
ويحتل "البريء" المركز رقم 28 في قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.
اتهامه بالخيانة
بسبب تقديمه لفيلم "ناجي العلي"، الذي يحكي قصة رسام الكاريكاتير الفلسطيني "ناجي العلي"، شن الكاتب الصحفي الراحل إبراهيم سعدة هجوما ضاريا على الفناننور الشريف والسيناريست بشير الديك، والمخرجعاطف الطيب، واصفاً إياهم بالخونة ممن باعوا الوطن بحفنة من الدولارات.
وتدخل أسامة الباز مستشار الرئيس الأسبق مبارك، وأوقف الهجمة على الفيلم وعلىعاطف الطيبفي الصحافة.
خناقة مع أحمد زكي
دخل عاطف الطيب في خلاف حاد معأحمد زكيفي فيلم "ضد الحكومة"، بسبب اختلاف الرؤية الإخراجية في مشهد المرافعة، وهو المشهد الذي يقف فيهأحمد زكيويؤدي مشهده المشهور، حيث أراد "زكي" تصوير المشهد بلقطات مقربة من ملامحه، ولكنعاطف الطيبأصر على تصوير المشهد بلقطات بعيدة واستعراض كامل للمحاكمة، وهي الرؤية التي ظهرت في الفيلم.
قصة الحب الوحيدة في حياته
جمعتعاطف الطيببزوجته السيدة "أشرف" قصة حب كبيرة، حيث تعرف عليهاعاطف الطيبوطلب منها تذاكر لمهرجان الفيلم الألماني في معهد جوته، الذي كانت تعمل به، مشيرا إلى أن أول لقاء عاطفي جمعبينهما كان في 28 سبتمبر 1982، وطلب يدها في هذا الميعاد، وقال لها: "أنا مش معايا فلوس، كل فلوسي حطيتها في فيلم الغيرة القاتلة وفشل"، لذا انتظرته حتى جمع مبلغ 2000 جنيه ليقوم بخطبتها، وأجل الطيب خطبتهما لانشغاله بتصوير فيلمه "الحب فوق هضبة الهرم"، وبعدها تزوجا وظلا معاً حتى وفاته.
معاناة رائد سينما البسطاء ورحيله
عانى عاطف الطيب في صغره من حمى روماتيزمية، لم يتم علاجها بشكل جيد، بسبب سوء الأوضاع الصحية في "المراغة" مسقط رأسه، هذه الأزمة سببت له في الكبر أزمة في القلب، ثم أصيب بمرض السكر، إضافة إلى تحامله على نفسه في التصوير.
رفض الطيب السفر إلى ألمانيا للعلاج على نفقة الدولة، مشددًا على أن "الغلابة" الذين دافع عنهم في أفلامه أولى منه، وأقنعه أحد الأطباء أن العملية من الممكن إجراؤها في مصر، وهي العملية التي استمرت لساعات بسبب خطأ طبي رفض الاعتراف به الطبيب المعالج، لتكون هي النهاية ويتوفى في 23 يونيو من عام 1995 تاركًا خلفه آخر أفلامه "جبر الخواطر" مع النجمة شيريهان، ولم يتمكن من إنجازه، وعُرض الفيلم عقب وفاته في حفل افتتاح مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي عام 1998.
اتهام شيريهان بتشويه آخر أفلام الطيب
طاردت الفنانةشريهان،إتهامات عديدة بتشويه فيلم "جبر الخواطر"، آخر أفلام المخرج الراحل عاطف الطيب، وتردد عقب رحيله تدخلها في مونتاج العمل، وخروجه بصورة لا تحمل بصمة المخرج الراحل.
وقالت شريهان: "محصلش خالص، الأستاذ عاطف رحمه الله، رحل بعد الإنتهاء من تصوير الفيلم، وأجرى أول مراحل المونتاج بنفسه، وبعد رحيله كان الفيلم مثل الابن اليتيم، والسبب في حضوري مونتاج العمل مع المونتير أحمد متولي، إني كنت أحاول المساعدة بهدف الوصول معه إلى ما كان المخرج الراحل يريد تقديمه، مثل الموسيقى التي أراد وضعها، والأسلوب الذي سعى لتقديم فكرة الفيلم به، وذلك بحكم أني في تلك الفترة قريبة منه، وبعد ذلك فوجئت بما قيل عن أنني قمت بعمل المونتاج، والتدخل في عمل المخرج، وانا عمري في حياتي ما تطفلت على مخرج".