الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكاية رقم 60 مع المصريين

احمد نجم
احمد نجم

علي وجه التحديد كنت شغوفا بمعرفة لماذا يطلق المصريون على الشخص المفقود منه الأمل أو الذي لا نحزن عليه حين نفتقده إنه راح في 60  داهية،  ولماذا بالتحديد  العدد 60، ولماذا مثلا لم يقولوا  راح في 100  داهية أو 200 داهية. 

لكن تلك العبارة قيلت  لأول مرة علي لسان الصحابي قيس بن المكشوح  الذي قتل 60 رجلا من قبيلة همدان باليمن و تلك القبيلة كانت تعادي قبيلته التي ينتمي اليها وتدعي مذحج . والتي قتل منهم 60 من دواهي الحرب التي كانت تدور رحاها بين القبيلتين علي أرض اليمن قبل الإسلام  .

وعندما جاءت الديانة الإسلامية وسمع قيس بالدين الجديد الذي يدعو اليه سيدنا محمد ذهب لمكه والتقي الرسول الكريم وأسلم علي يديه . وعقب وفاة الرسول الكريم تولي أبو بكر الصديق  الخلافة وارتدت بعض  القبائل عن الإسلام، و كلف الخليفة أبو بكر الصديق الصحابي قيس بالذهاب لليمن لدعوة المرتدين للعودة مرة أخرى للإسلام أو قتالهم و قام الصحابي قيس بحصار قصر فيروز الديلمي في صنعاء و قتل الباذان الفارسي وقتل ستين من القبيلة المرتدة و التي كانت تعادي قبيلته قبل الإسلام وقال قولته الشهيرة في 60 داهية أي أن القتلى الجدد راحوا مقابل ستين داهين حرب قتلوا من قبل  . 

غير ان رقم 60 كان له استخدامات أخري في الشتائم مثلما أطلق المصريون علي من نكرهه أو نختلف معه أنه ابن 60 كلب . فلماذا لا يكون ابن 75 كلب أو ابن 90  كلب مثلا .

المصريون من أجدادنا الفراعنة كانوا يرسمون الكلب علي هيئته داخل مربعات ارتفاعها 6  مربعات بينما بلغ الطول 10 مربعات و بمعرفة طريقة الضرب ابتكر المصريون أن الكلب يضم 60 مربعا فتداولت الشتائم لتؤكد الكره للمشتوم و تؤكد ارتباطه الوثيق بالكلب . 

بينما وجد أيضا نوعا من الكلاب تم رسمه في 70 مربعا و لذلك جاءت مقولة ابن 60  ف 70  لمن نحمل له ضغينة أيضا بما يعني انه  كلب ابن كلب .. 

وتوارث المصريون تناول رقم ال 60  فجاءت جملة جتك 60 نيله ف شكلك علي الشخص المغضوب عليه و  60 داهية تاخدك علي من نتمنى اختفاؤه من حياتنا ..  وبرع المصريون في استخدام الأرقام سواء في الشتائم أو التعبير عن السعادة فجاءت جملة 100 فل و 14  لتؤكد علي الحالة المزاجية الجيدة للشخص . فلماذا لم يقول مثلا  90 فل و 19   أو 80  فل و 18  .. اقتبس المصريون الجملة من رسومات الأجداد الفراعنة الذين رسموا طول الانسان في  19 مربعا بينما كان العرض يبلغ   6 مربعات. واستخدم المصريون ناتج الضرب  6  × 19  ليكون الإجمالي  114 . وتم تعديل رقم التعبير عن تمام الصحة  بجملة 100 فل و  14 .. 

وجاءت عبارة  7  صنايع والبخت ضايع لتدلل علي مفهوم المصريين لمن يمتلك مواهب كثيرة أو معلومات عن مهن اخري ولا يفلح في شئ وارتبط الرقم 7  بعدد أيام الأسبوع ليدلل علي أن كل يوم يعمل احدهم شيئا مختلفا أو يعمل في مهنة مختلفة كل يوم ولا يحقق نجاحا في كافة المهن التي عمل بها . وتعود عبارة لسه ال 7  كلمات التي تتردد عندما تزور النساء بعضهن ثم تفاجأ بعد أن يقمن بالمصافحة يقفن عند باب الشقة ويعيدن الكلام مرة اخري ويقف الزوج منتظر  انتهاء الحوار الجديد. 

وذات يوم زارت امرأة صديقتها وعقب السلامات  حدث  أن وقفن يتحدثن عند باب الشقة 
فقال زوجها انتم  لسه عايزين أسبوع كلام .. واعتادت النساء ذلك بعد الزيارات ان يقفن عقب انتهاء الزيارة لاستكمال الكلام عند باب الشقة  ومن هنا استخدم المصريون الفكاهة في نقد المواقف وتحرفت  بحسب عدد أيام الأسبوع لتنشأ عبارة لسه ال  7 كلمات .

 بينما تداول المصريون جملة  1000 سلامة عند المرض او الشعور بالإرهاق  أو 1000 مبروك عند حدوث الفرحة . و زادها البعض عند التداول لتكون 2000 سلامة عليك أو 2000 مبروك . فلماذا  لا  تكون  خمسمائة مبروك أو ثلاثة الاف مبروك أو  150 مبروك مثلا .

العدد 1000  مستوحي من الألفة وهي الترابط  ويفسرها علم النفس بأنها خاصيةُ تجاذُبِ الظواهر النفسية في المجال الشعوريّ بتداعي الأَفكار وترابُطها ..  فالأُلْفَة في الأَخلاق تكون بين شخصين أَو أَكثر  يحدثها تجاذُب الميول النفسية كصلة الصداقة . فعندما يمرض الشخص تكون جملة 1000 سلامة عليك تفيد وجود الترابط الأنساني و الألفة بين المريض و الذي يتمني له الشفاء وكذلك عند الفرح يردد المصريون 1000 مبروك .

نعود للمعني النفسي للألف  واشتقاق ال 1000 من الالفة البينية عند الطرفين ..  وتأتي مقولة علي سنجة 10 . لتصف الرجل الأنيق الذي يعتني بكل شئ في مظهره وشكلة ليكون مثل صنجة الذهب  وهي إحدي الأدوات  المستخدمة في وزن الذهب وأيضا تقال علي المرأة التي تبرع في زينتها عند الخروج .  و يأتي العدد 10  لكونها كانت تزن 10 مليجرام . وكانت الصنجة شديدة اللمعان والبريق و قام المصريون بإطلاقها علي الرجل الذي يخرج معتنيا بذاته أو المرأة  .

وأيضا برع المصريون في افتكاس تعبيرات عن جهل البعض وعدم درايتهم بأمور الدنيا فجاءت عبارة " دا مايعرفش تلت التلاتة كام " لتؤكد غيبة عقل البعض  لكون تلت التلانت هو الرقم واحد . أما لماذا الرقم تلاته  ولم يقال مثلا " دا مايعرفش خمس الخمسة كام " او سبع السبعة  فجاء عقب مناقشة شارك فيها تلت أشخاص مع جاهل ضعيف الشخصية و كالعادة تم تداولها لدي البعض في مواضع إثبات القوة حين يقوم شخص مفتري بترديدها عن طريق التهديد لمن امامه بقوله : ماحدش يقدر يقولي تلت التلاته كام .

و في العصور الحديثة . استخدم المصريون عبارة "  5 وخميسه في عيون الحسود ' لدفع ضرر الحسد عن الأشياء التي يخشون عليها . لكن لماذا لم يقولوا  مثلا " 4 و ربيعه في عين الحسود أو 6 وستيته أو  9 وتسيعه  مثلا "  لكن جاء المقصود بالعبارة هي الخمس آيات من سورة الفلق و عدد أصابع كف اليد التي تعتبر خط الدفاع الأول والتي اعتقد المصريون أنها تدفع عين الحاسد و استغل بعض الصناع الأمر وصنعوا الكف ليباع مقابل مال يكتظ بحافظته وعرفت بها العادات والتقاليد المصرية  الحديثة والقديمة حيث أن العبارة لها أيضا جذور يهودية ومسيحية .

المصريون بارعون حقا في استخدام الرموز للتعبير عن مطالبهم ويكفي أن تقف علي الدائري لتري بعينك حركات اليد  للراكب المنتظر يشير  للسيارات القادمة بأصابع يد فمثلا الأصابع الستة تشير الي الرغبة في الذهاب ل ٦ أكتوبر  ..  إلي آخره من الحركات اللطيفة التي اسعد دوما برؤيتها ..