الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ما معنى اللغة المقدسة وإلى أي مدى نتمسك بتلك القداسة؟.. علي جمعة يوضح

ما معني اللغة المقدسة
ما معني اللغة المقدسة وإلى أي مدى نتمسك بتلك القداسة

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، إن اللغة المقدسة عند علماء اللغويات توصف بها اللغات التي بها نص مقدس له أتباع يأخذونه كمصدر لمعرفتهم، وأحكام حياتهم، أو إطار لسلوكهم.

 

وأشار علي جمعة إلى أنه بهذا التعريف فإن اللغة العبرية التي كُتب بها (التوراة)، واللغة السنسكريتية التي بها كُتب (الفيدا)، واللغة العربية التي بها نزل وكتب (القرآن الكريم) هي لغات مقدسة، قال تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياًّ لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) ، وقال تعالى : (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ) ، وقال سبحانه : (قُرْآناً عَرَبِياًّ غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) ، فلا يقبل الناطقون بهذه اللغات، والذين آمنوا بمرجعية هذه النصوص أن يتركوها لا للتطور، ولا للتدهور، ولا يغيرون فيها دلالات الألفاظ، ولا وسائل الفهم من نحو وصرف؛ حيث إن استنباط الأحكام من النص يقتضي ذلك.

 

وأضاف علي جمعة، عبر صفحته على فيس بوك أن اللغة المقدسة في العربية تحتاج منا إلى إدراك إحصاءات تبين حقائق قد لا يلتفت إليها كثير من الناس، فيكثر اللغط والجدال على أمور قد نكون متفقين عليها، أو يجعلنا ننزل القطعي منزلة الظني، والظني منزلة القطعي، فيختل ميزان العدل الذي أُمرنا به في كل جزئيات حياتنا وقضايانا.

ونوه أن القرآن جاء ليهذب لغة العرب التي كانت مليئة بالغرائب ووحشي الكلام، وأذكر شعر ابن المطهر الحلي حيث يقارن بين القديم والجديد في لغة العرب، ويظهر من ذلك مدى تهذيب القرآن للغة العرب :

إنما الحيزبون، والدردبيس * والطخا والنخا والعلطبيس

لغة تنفر المسامع منها * حيث تتلى وتشمئز النفوس

أين قولك هذا جديث قديم * من مقالك عقنقل قدموس

 

وذكر أن ألفاظ القرآن نحو 1810 لفظة تمثل جذور الكلمات القرآنية، في حين أن معجم لسان العرب لابن منظور نحو ثمانين ألف مادة أعني جذراً، أي أن جذور القرآن تمثل نحو اثنين في المائة (تماماً 2.25%) من جذور لسان العرب، والجذور الواردة في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم هي 3600 جذرا، أي ما يمثل (4.5%) من لسان العرب، والقرآن أصغر نص مقدس، وعدد كلماته نحو 66 ألف كلمة، منها 1620 كلمة لم ترد في القرآن إلا مرة واحدة، ويقول بعضهم إن الأديب الروسي تولستوي لم يكرر 4 كلمات في كتابه الحرب والسلام، فعُد ذلك من بلاغته وتمكنه اللغوي، فإذا صح ذلك، فإن هذا التفرد في القرآن الكريم بهذا العدد الضخم من الألفاظ غير المكررة يكون معجزة بمعنى الكلمة. تضام إلى وجوه إعجازه التي تخرجه عن نظام كلام البشر.

 

وأوضح أن هذه الحقائق تجعلنا نذهب إلى أن هناك لغة مقدسة، ولكن هذه اللغة المقدسة يجب الحفاظ عليها في حدود النص المقدس حيث نحتاج إليه، وفي حدود أدوات فهمه على مستوى ألفاظه ومعانيه وعلى مستوى تركيباته ودلالاتها المختلفة وعلى مستوى سياقه أيضا، وأن تطوير اللغة وارد، ولكن بصورة لا تفقدنا الاتصال بالتراكم المعرفي التراثي من ناحية، وأن تكون وعاءً قادراً على انطلاق الفكر بكل جوانبه العلمي والحسي والتجريبي وحتى الفكر الفلسفي، وإعمال العقل ليبقى الإنسان إنساناً يقوم بواجبه من عبادة الله، وعمارة الأرض، وتزكية النفس، وأن هذا التغير يجب ألا يمس أيضاً ثوابت البشر، وأن يكون في سعته متسقاً مع الاتساع الطبعي الذي هو من سنن الله في كونه (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ).

 

ولابد أن نعي أيضا أثناء عملية الاتساع مآلات المدارس المتطرفة لما بعد الحداثة، التي انتشرت في عصرنا، وغايتها لا تتفق مع رؤيتنا للعالم ولا مع مقررات ديننا وأسس حضارتنا وتاريخنا، وأن يكون تعاملنا مع اللغة بناء لا هدم فيه.

وهذه الحقائق أيضا تجعلنا نذهب إلى عدم قدسية اللغة وأن هناك فارقا كبيرا بين اللغة المقدسة التي يجب الحفاظ عليها من أجل فهم النص، وبين قدسية اللغة التي تمتع من اتساعها وقيامها بواجب عصرها وزمانها، ويذكرنا هذا الفرق بقصيدة حافظ إبراهيم في شأن اللغة حيث يقول وهو يعرف قدرتها على البقاء ومسايرة التطور :

رجعت لنفسي فاتهمت حياتي * وناديت قومي فاحتسبت حياتي

رموني بعقم في الشباب وليتني * عقمت فلم أجزع لقول عداتي

ولدت ولما لم أجد لعرائسي * رجالاً وأكفاء وأدت بناتي

وسعت كتاب الله لفظاً وغاية * وما ضقت عن آي به وعظات

فكيف أعجز عن وصف آلةٍ * وتنسيق أسماء لمخترعات


-