يحل علينا اليوم اليوم العالمي للغة العربية، والذي يوافق اليوم 18 ديسمبر من كل عام، وتقرر الاحتفال باللغة العربية في هذا اليوم لأنه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 في ديسمبر عام 1973، وتقرر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة بعد اقتراح قدمته المغرب والمملكة العربية السعودية خلال انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو.
وكانت اللغة العربية قد تعرضت لمخاطر كبيرة، هددت باختفائها، نتيجة الاستعمار والحملات الصليبية السابقة له، ولكنها وعلى عالرغم من ذلك فقد ظلت لغة القرآن صادمة عبر الزمان، وبهذه المناسبة نستعرض خلال التقرير التالي أبرز التحديات التي مرت على اللغة العربية.
ترتبط اللغة العربية، ارتباطا وثيقا بالقرآن الكريم، وكان بداية الخوف عليها في عهد أبي بكر الصديق، فقد قتل في عهده الكثير من حفظة القرآن وقدر عددهم حوالي 500، فأمر بجمع القرآن في مصحف واحد.
الحفاظ على العربية في بدايات الإسلام
وفي عهد الفاروق عمر بن الخطاب، وانتشار الفتوحات الإسلامية واختلاط العرب بالعجم، كان بداية الخطر الحقيقي على اللغة العربية، وهذا ما دفع عمر بن الخطاب بتحذير العرب من ترك لغتهم فقال: "إياكم ورطانة الأعاجم".
أما في عهد عثمان ابن عفان، سنة 30 هجرية، أرسل إلى حفصة قائلا:"أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها ثم نردها إليك"، فأرسلتها إليه، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف وقال:" إذا اختلفتم وزيد في شيء فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم".
فكتب منه عدة مصاحف تم توجيها إلي اليصر والكوفة والشام ومكة واليمن والبحرين، وترك مصحفا بالمدينة، وأمسك مصحفا لنفسه، فكان جمع هذه المصاحف سببا أصيلا في الحفاظ على القرآن واللغة العربية وتوحيد الأمة على لغة قريش التي نزل بها القرآن.
اللغة العربية في العصر العباسي
اعتمد العباسيون في الإدارة على العنصر الفارسي، ثم التركي، فانتشرت الكلمات الدخيلة، وكثر اللحن، وقويت الشعوبية، وكان بداية الانحدار للغة فقد ابتعد العرب عن العربية بعد سيطرة العجم على الإدارة.
واستمر هذا الانحدار، ووصف ابن خلدون الحالة التي وصلت لها اللغة العربية في قوله: "لما تملك العجم من الديلم والسلاجقة بعدهم بالمشرق وزناتة والبربر بالمغرب وصار لهم الملك والاستيلاء على جميع الممالك الإسلامية، فسد اللسان العربي لذلك، وكاد يذهب لولا ما حفظه من عناية المسلمين بالكتاب والسنة اللذين بهما حفظ الدين وصار ذلك مرجعا لبقاء اللغة المضرية".
اللغة العربية أثناء الحروب الصليبية
خلال فترة الصراع العسكري والسياسي الطويلة، أثناء الحروب الصليبية، نفر المسلمون من تعلم اللغات الأجنبية، وهو ما دفع الصليبيين لمحاولة الاقتراب المعرفي، وبدأوا بتعلم اللغة العربية لأسباب عديدة أهمها: عمليات التفاوض السياسي، التفاهمات المتبادلة مع السكان المسلمين.
وهناك بعض الحكام الصليبيين الذين اهتموا باللغة العربية مثل ريموند كونت مدينة طرابلس، والوصي على مملكة بيت المقدس، وكذلك رينالد حاكم صيدا، كما ويذكر ابن شداد مؤرخ صلاح الدين الأيوبي أن أرناط أمير الكرك كان يستعين بأحد المعلمين المسلمين حتى يقرأ له ويفهمه العربية.
ويتضح من الاكتشافات الأثرية الصليبية الموجود والمسجلة باللغة العربية، نجاح العربية في فرض نفسها على الغزاة الصليبيين لاعتبارات ثقافية و علمية وحياتية.
الاستعمار وتجريف اللغة العربية
عندما احتلت فرنسا الجزائر، أصدر الحاكم الفرنسي في 24 ديسمبر 1904، قرارا ينص على عدم السماح لأي معلم جزائري أن بفتح مدرسة لتعليم اللغة العربية دون الحصول على رخصة من السلطة العسكرية بشروط أهمها: ألا يدرس تاريخ الجزائر وجغرافيتها والعالم العربي الإسلامي، ألا يشرح آيات القرآن التي تتحدث عن الجهاد، الولاء للإدارة الفرنسية.
وفي 2 مارس عام 1938، أصدر رئيس وزراء فرنسا وقتها كاميي شوطون قرارا نص على حظر استعمال اللغة العربية، واعتبارها لغة أجنبية في الجزائر، ويأتي هذا القانون في سلسلة قوانين سنها الاحتلال الفرنسي لمحاربة اللغة العربية، وجعل اللغة الوحيدة في البلاد هي اللغة الفرنسية، وهو ما حدث في باقي بلدان المغرب العربي.