انعكاسًا للحراك الاجتماعي والثقافي الذي تشهده المملكة العربية السعودية منذ فترة، أقيمت فعاليات الدورة الأولى من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في الفترة من 5 وحتى 15 من شهر ديسمبر الجاري، بعد تأجيل لحوالي عام ونصف العام، بسبب فيروس كورونا المستجد، والذي حال دون إقامة الكثير من المهرجانات حول العالم، لتضع السعودية قدمًا فى خريطة المهرجانات السينمائية حول العالم العربي، وتؤكد استعدادها بقوة للمنافسة على استقطاب أهم الأسماء في عالم الأفلام العربية تحديدًا.
المهرجان قدم حوالي 25 فيلماً في عرض عالمي أول، و48 فيلمًا في أول عرض عربي، و17 في عرض أول بمنطقة الخليج، وهي مؤشرات لأرقام تدخل المهرجان السعودي في منافسة شرسة لا يمكن إنكارها مع جيرانه بالمنطقة العربية، مع تنظيم سوق ضخم يجتمع فيه محترفو صناعة السينما من المنطقة والعالم، يضم مجموعة من الأنشطة الهامة، منها جلسات لعرض المشاريع، وورشة للأفلام قيد الإنجاز، قدمت مردودا رائعا مع انطلاقه هذا العام، وأثمرت نتائجها مع انقضاء الدورة الأولى.
وسواء معمل البحر الاحمر أو صندوق المهرجان، كلاهما يشكلان حجر زاوية في علاقة صناع السينما العرب وارتباطهم بمدينة جدة سنويًا، مع اعتراف المهرجان بضرورة دفع عملية الإنتاج العربي بصورة تضمن خروج مشاريع أفلام واعدة إلى النور وبشكل دوري.
واحدة من نقاط قوة المهرجان التي لا يمكن إغفالها مقارنة مع بعض مهرجانات عربية وحتى مصرية أخرى، حضور جمهور المدينة إلى قاعات السينما، فيمكن بسهولة ملاحظة عائلات سعودية انحازت للحراك الثقافى والفني بالمملكة وقررت الاشتباك مع هذه الحركة السينمائية والتماسّ معها، مع توقع زيادة الأعداد مستقبلا، وهو أمر يرتبط أيضا بزيادة الدعاية للمهرجان خلال دوراته المقبلة.
السعودية دولة عظمى عربيًا وخليجيًا، وما يحدث بها سوف يؤثر مباشرة على محيطها الجغرافي بطبيعة الحال، وقراراتها بالتحول إلى بقعة أكثر رحابة واستيعابًا لمختلف الأفكار والجنسيات، تدعم استمرار هذا المهرجان، مع تفهم بل حرص الإدارة بعدم تطبيق معايير رقابية صارمة خلال عروض أفلام قد تتضمن بعض المشاهد غير المعتاد اتاحتها على هذا النحو بالسعودية، لذلك فقد رأت المخرجة روجينا بسالي ضرورة الشكر لـ أنطوان خليفة مدير القسم العربي بالمهرجان قبل عرض فيلمها “كان لك معايا” لعدم حذف مشهد داخل العمل، وعرضه كاملا.
وسعيًا منه لتوفير فرصة حقيقية لاكتشاف الجيل الجديد من المواهب السينمائية السعودية التي من المنتظر أن تحقق انتشارًا فى مختلف المهرجانات والمحافل السينمائية بشكل أوسع تباعًا، تم عرض 27 فيلماً طويلاً وقصيرًا، تعكس تنوع وحيوية المجتمع السعودي، إضافة إلى تقديم قوالب وحكايات قد يكتشفها المجتمع الدولي للمرة الأولى، مما يفتح نافذة على مشهد سينمائي سعودي جديد وأعمال محلية قادرة على جذب الجماهير والمنافسة عالميًا.
أما الوفد المصري، فقد أضاف لوهج المهرجان وبريقه، وتهافت حضوره على التقاط الصور مع نجومه، بخلاف حضور عدد كبير من صناع الأفلام والصحفيين، وما قدموه كلٌ في مجاله، في دعم الدورة الافتتاحية، التي نقلت تجربة غاية في الأهمية للأراضي السعودية، وهي إتاحة أفلام خارجة عن النسق التجاري السائد، وبالتالي الارتقاء بالذائقة الفنية للجمهور.
نعم غابت مصر عن جوائز الختام، ولكنها كانت حاضرة في الافتتاح بتكريم النجمة ليلى علوي، وفي الختام بفيلم “برا المنهج”، وكذا ضمن جوائز السوق، أو صندوق المهرجان الداعم لمشاريع الأفلام، بعد أن اقتنص فيلم ”البحث عن منفذ للسيد رامبو” لخالد منصور جائزة مركز السينما العربية بالتعاون مع معمل روتردام 2022.
سجلت المرأة السعودية حضورًا طاغيًا خلال أيام المهرجان، سواء عن طريق المشاركة فى التنظيم، أو قيادات صندوق ومعمل البحر الأحمر، وحتى حضور مختلف الفعاليات من بنات البلد المضيف، ويؤخذ على “البحر الأحمر السينمائي” استعانته بشركات عدة، بعضها عالمي للإسهام فى تنظيم فعالياته المختلفة، لكنها ربما لم تكن الطريقة المثلى للتعامل مع مهرجان كبير، مع وجود عدم تنسيق لافت بين بعضهما البعض ، هذا الارتباك لم يصب عروض الأفلام بشكل مؤثر، وإنما أربك ضيوف المهرجان، ولم يقدم لهم بعض المعلومات، سواء بتعديل مواعيد عروض أفلام، التونسي “قربان” مثالًا، أو عدم وجود جداول ثابتة متوفرة تخص حضور صناع الأفلام أو النجوم المتواجدين وخسارة النقاشات معهم، ناهيك عن بعض القصور في عمليات التنقل بين حدث وأخر على امتداد أيام المهرجان.