الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خرج ولم يعد!

نهال علام
نهال علام

غريبة هي الثواني! تنقلك من عالم لعالم تاني، من شواطئ الراحة لغياهب الأرق لا يتطلب الأمر أكثر من خبر، وما أدراك ما الخبر عندما يكون قنبلة يلقي بها القَدر!

ليلة باردة قررت أن أواجهها بمشروباً دافئاً وجواً هادئاً، دون أن أدري أنني أعد الطقوس لاستقبال خبراً مفجعاً!

تناولت هاتفي ولم أعلم أنني أناول قلبي حزناً سيلازمه، ولن يتبدد إلا بأرق يفترش جوانبه، وخوف يستوطنه وذلك ليس ضعف إيمان ولكنها قوة الحب وسطوة التعلق!

حزنت كما يليق بالحزن عندما قرأت عن تلك الحادثة، وهي ليست الأولى من نوعِها وقطعاً ليست الأخيرة في توصيفها، أربع زهور قُطفت من حديقة الغد، لتدهسها  سيارة امكانيتها تُحاكي المستقبل!

شباب في مقتبل العُمر تفتح ضحكاتهم شبابيك الأمل، عبثهم حياة ؛جَدّْهم دُنيا؛ لهوهم مشروع؛ لم يأتوا بممنوع؛ فقط استغلوا القليل الممنوح لممارسة حقهم في قضاء أوقاتهم.

ولكن أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد فنفذت إرادته واسترد وديعته، والله غالب على أمره لكنه ما أمر إلا لمشيئة، ففي طي الوجيعة رسالة بليغة وحكمة عميقة، وإن صعب فهمها أو شَق على العقل هضمها لكن سيظل هناك سبب نحاول مُخلصين اكتشافه ليهدأ العجب!

في يوم الاجازة الأسبوعية قرر أبناء الموت أن يذهبوا للحلاقة سوياً، فاستقلوا سيارة أحدهم لتكون مقبرتهم، أكاد أسمع ضجيجهم قبل الخروج؛ وأشعر بالقبلات التي تركوها على مفارق أمهاتهم، أرى المنامات المبعثرة والأسرة الغير مرتبة وتهديدات الأمهات جزاءً لتلك الكركبة؛ التى صنعوها بعناية ليعودوا لعالمهم في النهاية. 

ومن مِنا يضع في اعتباره أن نعليه قد يخلعه له غيره! فالموت رفيق الحياة الصامت بارع في التخفي حتى نغفله لكنه لا يغفلنا، حتى تأتي تلك اللحظة ويُغفلنا ؛ يخطف غالي القلب ونفيس الروح؛ يا الله رحمتك فلا تسلب مِنا من هم للروح روح.

حادث الشيخ زايد كما أُطلقَ عليه إعلاميًا ليس فريد، ولكنه متكرر بطريقة مُلفتة وغريب!سيارات فارهة يستقلها شباب مُستهترة تحت تأثير المواد المُخدرة والتي بسببها تصبِح عقولهم مُبعثرة، ينطلقون بحرية بسرعة جنونية لا رادع عقلاني يمنعهم ولامانع قانوني يحكمهم، لذا فليكن ما يكون فما هي أقصى ضريبة للجنون؟ فدائماً هناك المحامي المصون وثغرة القانون التي تضمن عاماً مع ايقاف التنفيذ، فما حدث مجرد خطأ و القتل محض صدفة! النية خالصة ولكن السكة لم تكن سالكة وما يضير من بعض الأرواح الهالكة!

تغير الزمن وتطورت المركبات واختلفت مقاييس الطُرق ومعايير البشر، المخدرات متاحة ولو على جهود الدولة المضنية لمنعها فما العمل والآن يتم تصنيعها من مواد كيميائية رديئة تذهب العقل في أقل من دقيقة!

لذا يجب تغليظ عقوبة القيادة تحت تأثير آي مواد مُذهبة للعقل في محاولة الوصول لطرق مأمونة والحفاظ على حياة أبنائنا وتلك أقصي غاياتنا المأمولة! 

القاتل آمن العقاب فأساء الأدب، أنت حر مالم تضر لكن أن ندفع ثمن حريتك فلذات أكبادنا ونور عيوننا ونياط قلوبنا هذا مرفوض، ومن غير المقبول أن يكون مقابل انبساطك اللحظي حزن للباقي من العُمر!

وجدت القوانين لتراعي احتياجات المواطنين واليوم نحن بحاجة لقانون رادع يحمي حياة أبنائنا الجاني والمجني عليه؛ نعم فالجاني هو ابن لأم وأب كان خطأهم الافراط في التدليل دون محاولة لغرس المسؤلية والضمير ولكن يظل قرة عَين لهم، أما المجني عليه فليتكفل الله وحده بحال أمه وأبيه، وجع يارب أكفينا شره وجنبنا إياه.

نطالب بتجديد الخطاب الديني في كل محفل؛ لذا من المشروع بل الأولى أن ننادي ببعض التعديلات للقانون  الدنيوي، فما يحدث على الطرق هو حالة عبثية طرق سريعة في كل مكان وجدت لتجعل حياة المواطن أسهل وليس أقصَر!

ولكن لنكون صادقين مع أنفسنا جميعنا ولا استثني أحدًا إلا من رَحم ربي فنحن نعاني من الأمية المرورية، نتجاهل الشعار الذي تعلمناه ( نظرياً ) أن القيادة ذوق وأخلاق، ولم نُمارس على الطُرق (عملياً ) إلا انعدام ذوق وانحطاط أخلاق، وخير برهان على ذلك عدد قتلى حوادث المرور فى مصر فهو يُمثل حوالى 130 قتيلا لكل 100 ألف مركبة مسجلة، وهذا يمثل من خمسة إلى عشرين ضعف المدن الكبرى في العالم!

نزيف بشري يُدمي القلوب ويستنزف الاقتصاد ويشتت جهود التنمية، والسبب مدرسة الفهلوة التي يتلقى فيها السائق تعاليم القيادة، ما يحدث في الشارع المصري أشبه بعروض السيرك العالمي، وهذا بحاجة لتدخل الدولة بقوانين فاعلة تحد بها الخطايا المُرتكبة في حق الطريق، وذلك لن يتحقق  دونَ أن يشعر المواطِن بالمسؤولية، وأن يعلم أن اشارات المرور وعلامات الطريق واضواء السيارة وحزام الأمان وعدم الانشغال بالهاتف ليست من البِدع! بل هي حق الطريق على مستخدميه.

عزيزي قائد المركبة؛ استحلفك بأغلى ما لديك أن تتقي شر نفسك أثناء تواجدك خلف عجلة القيادة، عُمرك وعُمر غيرك رهن أربع عجلات، فتذكر أن تعود لمنزلك سالماً ولا تتسبب في كَسر قلب أم وسرقة فرحة أب ويتم طفل وتَرَمل زوجة، وهذا رجاء صادق من أم أعياها انتظار عودة ابنائها في كل مرة يواجهون فيها عفاريت الطريق، خوفاً من أن يخرج الفرح ولا يعُد!